فنان أسترالي سيعزف يوما كاملا لدعم سكان غزة
لطالما اُستخدمت الموسيقى كأداة مهمة لمقاومة الأوضاع الصعبة، خاصة في منطقتنا العربية، ومع دعوة فنان أسترالي من أصل مصري لإطلاق حفل مجاني يعزف فيه لمدة 24 ساعة متواصلة لجمع التبرعات لسكان قطاع غزة، فقد تحوّلت الموسيقى إلى أداة عالمية للمساهمة في نشر السلام.
ويُمثّل هذا الحفل سابقة كبيرة في عالم الموسيقى من حيث مدته، خصوصًا أن العازف قد يندرج اسمه في موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية، حال نجاحه في تحقيق ذلك.
ويقول عازف العود والملحن الأسترالي، جوزيف تواضروس، إن “حفله الخيري لسكان غزة، سينطلق يوم الثلاثاء، في الحادية عشرة مساءً، ويستمر لمدة 24 ساعة متواصلة”.
وولد جوزيف تواضروس في مصر عام 1983 وانتقل إلى أستراليا في 1986، واختار العود وهو الآلة الموسيقية المشهورة في الشرق الأوسط، لتأثره بالعظماء أمثال سيد درويش، وابتكر أسلوبًا موسيقيًّا ساحرًا لأدائه المميز.
ويوضح تواضروس أن “الحفل يهدف إلى تقديم الدعم المالي والمعنوي لسكان غزة، الذين يعانون أوضاعًا صعبة”، مشيرًا إلى تخصيص جميع التبرعات التي سيتم جمعها خلال الحفل لسكان القطاع المتضررين من الحرب.
الأمر ليس مرتبطًا بالسياسة
وأضاف أنه “لا يوجد تذاكر للحفل، ولكن يمكن للحضور دفع تبرع لسكان القطاع، خاصة أن الأمر ليس مرتبطًا بالسياسة على الإطلاق، ولا يحمل موقفًا سياسيًّا تجاه أي طرف من أطراف النزاع، وإنما يحمل جانبًا إنسانيًّا، في ظل ما يشهده القطاع من دمار وضحايا”.
وشدد العازف ذو الأصول المصرية على أن “المبادرة تبقى مغامرة كبيرة، إذ إنه سيستمر في العزف لمدة 24 ساعة متواصلة دون توقف”، مشيرًا إلى أنه “لم يسبق له العزف لمدة تتجاوز 12 ساعة، لكنه سيحصل على بعض فترات الراحة خلال حفله الخيري”.
ولا يُشترط على الحضور البقاء طيلة الحفل كاملًا، بل يمكنهم الحضور ولو لخمس دقائق، ثم يحل محلهم آخرون، وليس شرطًا على الذين سيحضرون أن يكونوا من محبي الموسيقى، لأن أبعاده إنسانية تتجاوز عملية تذوق الموسيقى.
ولاقى الحفل لحظة الإعلان عنه تفاعلًا كبيرًا من البريطانيين، إذ جمع منظموه حتى الآن ثلاثة آلاف جنيه إسترليني، رغم أنه لم يبدأ بعد، وفق تواضروس.
وعن عنوان الحفل، قال تواضروس إنه يحمل عنوان “صلاة”، معتبرًا أن “الموسيقى هي نوع من الصلاة، بما تحمله أنغامها من مناجاة، وهو العنوان الذي يبدو مناسبًا للأحداث التي تشهدها غزة في ظل حاجة أهلها للصلاة”.
على غرار أم كلثوم
من جانبه، يرى المؤرخ الفني المصري محمد شوقي، أن “مبادرة تواضروس تُمثّل تعبيرًا مهمًا عن دور الفن في معالجة القضايا الإنسانية، بما في ذلك القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية، وحتى الصراعات التاريخية ذات البُعد الدولي، مثل الأزمة الفلسطينية”.
ولفت المؤرخ في تصريحات خاصة لـه، إلى أن “الفنانين العرب أسهموا في دعم القضايا العربية من خلال إطلاق حملات التبرع، مثل السيدة أم كلثوم التي تجولت في الدول العربية والأوروبية بعد نكسة 1967، لدعم المجهود الحربي المصري”.
وأضاف شوقي أن “أم كلثوم نجحت في جمع أكثر من 4 ملايين جنيه مصري من خلال حفلاتها في الدول العربية والأوروبية، وهو مبلغ كبير للغاية في ذلك الوقت”، مشيرًا إلى أن “هذا النجاح دفع الرئيس الراحل، أنور السادات، إلى تكريمها جنبًا إلى جنب مع أبطال حرب أكتوبر، ما يعكس أهمية الفن في دعم القضايا الوطنية”.
وأشاد بمبادرة عازف العود، ذي الأصول المصرية، مؤكدًا أن مبادرته من شأنها المساهمة في زيادة الوعي لدى قطاع كبير من الرأي العام البريطاني لما يحدث في قطاع غزة”.
وقال شوقي إن “هذه المبادرة تحمل جانبًا إنسانيًّا بعيدًا عن المواقف السياسية أو التوجهات الرسمية، ما يجعلها أكثر تأثيرًا في نفوس الناس”.
الفن والسياسة
ومن وجهة النظر السياسية، ترى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتورة هبة البشبيشي، أن “مبادرة تواضروس تُمثّل تعبيرًا عن موقف إنساني رفيع المستوى”، مؤكدة أن “الفنانين يمكنهم تأدية دور كبير في العديد من القضايا، من خلال قدرتهم على توجيه الرأي العام”.
ودعت في تصريحات لها، إلى ضرورة تأدية الفنانين دورهم في تناول القضايا الإنسانية والسياسية، مشيرة إلى أن “بعض الأعمال الفنية، مثل مبادرة الفنان العالمي، جورج كلوني، لدعم قضية دارفور، أسهمت في تخفيف حدة الجرائم التي ارتكبت في هذه المنطقة”.
وأشارت إلى أعمال فنية أخرى تناولت موضوع تهريب الماس من أفريقيا، التي دفعت قطاعًا كبيرًا من المجتمعات الغربية إلى مكافحة هذا الأمر، ما يعكس التأثير الذي يمكن أن تُمثّله مثل هذه المبادرات.
إلا أن التغيير الذي قد يحدث نتيجة مبادرات مماثلة قد يكون طويل الأمد، في ظل محدودية الأعمال الفنية التي تتناول مثل هذه القضايا، حتى في عالمنا العربي.
وترى أن “الجانب الإنساني للأعمال الفنية التي تتناول القضايا السياسية، يحمل أهمية كبيرة للرأي العام في أوروبا، حيث إنه يخاطب عواطف الناس ومشاعرهم، ويجعلهم أكثر تعاطفًا مع القضية المطروحة”.
وأوضحت البشبيشي أن “هذا الأمر يمكن ملاحظته في رد الفعل على الدخول الأميركي للعراق، الذي شاركت فيه القوات البريطانية، فقد أدّت هذه المشاركة إلى احتجاجات عديدة في الشارع البريطاني ضد الحكومة، وكانت السبب الرئيس وراء استقالة رئيس الوزراء الأسبق، توني بلير”.