كشفت تقارير صحفية أميركية أن روسيا جنَّدت أكثر من 100 ألف سجين مدان بجرائم جنائية -من بينهم ألف امرأة حتى الآن- للقتال مع جيشها في أوكرانيا منذ اندلاع الحرب هناك في فبراير/شباط 2022.

وذكرت مجلة نيوزويك أنها حصلت على تلك الأرقام من فلاديمير أوسيشكين، وهو منشق روسي يعيش في المنفى ويرأس مجموعة تدافع عن حقوق المساجين. وأضافت أن الأرقام تميط اللثام عن أساليب التجنيد “الوحشية” التي يزعم النقاد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ينتهجها.

وأطلع أوسيشكين المجلة الأميركية على قائمة ببعض السجناء المجندين التي قال إن مصدرا في إدارة السجون الفدرالية الروسية زوده بها، بالإضافة إلى صور من لقطات أمنية داخل أحد السجون. وأردف أن أكثر من ألف من أولئك السجناء يلقون حتفهم كل أسبوع في الحرب.

من الأقليات العرقية

وورد في تقرير نيوزويك أن نحو ألف سجينة تم تجنيدهن حتى الآن، وأشرفت وزارة الدفاع الروسية على تجنيد معظم المدانين من جمهوريات الأقليات العرقية في الاتحاد الروسي، بما في ذلك داغستان في القوقاز، وياكوتيا في شمال شرق سيبيريا، وبورياتيا بالقرب من الحدود الروسية المنغولية، وإقليم كراسنويارسك.

ومن بين المجندين الذين شملتهم القائمة رجال من كبار السن تجاوزوا سن التقاعد للقتال في أوكرانيا، بحسب التقرير الحصري. كما تضمنت قتلة وحتى عبدة شيطان مدانين بقتل 4 مراهقين في طقوس احتفالية.

ولفتت المجلة إلى أن المواطن الروسي نيكولاي أوغولوبياك، الذي اعترف بأنه عضو في طائفة عبدة الشيطان ويقضي عقوبة السجن لمدة عقدين لقتله 4 مراهقين في طقوس تعبدية، قد عفا عنه الرئيس فلاديمير بوتين مقابل مشاركته في الحرب.

نقص حاد في القوى العاملة

وقال الخبراء إن حجم تجنيد السجناء يسلط الضوء على النقص الحاد الذي يواجهه الكرملين في القوى العاملة. وأضافوا أن ذلك يكشف مدى تفضيل بوتين لأفراد “يمكن التخلص منهم”، بدلا من حشد شبان من المناطق الحضرية مما قد تنجم عنه تبعات سياسية.

وطبقا لتقرير نيوزويك الحصري، فقد بدأ التجنيد في السجون في صيف 2022 بواسطة مجموعة فاغنر المنحلة الآن بقيادة زعيمها الراحل يفغيني بريغوجين، الذي أغراهم باستصدار قرار من الكرملين بالعفو عنهم، ومنحهم حوافز نقدية مقابل الانخراط في الخدمة العسكرية لمدة 6 شهور في أوكرانيا.

وعلمت المجلة أن مسؤولية تجنيد المدانين بارتكاب جرائم جنائية آلت في وقت سابق من العام الحالي إلى الكرملين.

وقالت رئيسة منظمة “روسيا خلف القضبان” المدافعة عن حقوق المساجين، إن بريغوجين توقف عن تجنيد المعتقلين المدانين في السجون الروسية في الأول من فبراير/شباط، وإن ممثلين عن وزارة الدفاع الروسية دأبوا طوال شهور مضت على تجنيد المدانين.

إغراء المال والعفو

وفي تقرير آخر عن الموضوع نفسه، أوضحت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أنه بالنسبة للكثيرين من المدانين فإن إغراء المال والعفو من العقوبة يفوق عندهم الخوف من الموت.

وأشارت الصحيفة إلى أنها التقت بمجندين في وحدة (العاصفة زي) تم أسرهم في أوكرنيا، وأخبروها بأن روسيا زودتهم ببنادق من الحقبة السوفياتية، وألقوا بهم في أتون موجات من هجمات “بلا طائل” ضد مواقع أوكرانية ذات دفاعات جيدة.

و”العاصفة زي” هي وحدة قتالية سيئة السمعة استخدمتها روسيا لتنفيذ هجمات محلية على الخطوط الأمامية في أوكرانيا.

ونسبت إلى مقاتل في الوحدة ذاتها القول إنه كان يتقاضى 70 ألف روبل روسي في الشهر، وهو ضعف المتوسط في الجزء الذي يعيش فيه من روسيا.

وقال: “كان أمامي خياران: إما أن أتعفن في السجن لمدة 8 سنوات أخرى، أو أن أحاول البقاء على قيد الحياة لفترة 6 شهور في أوكرانيا”.

وأوردت الصحيفة قصة رجل يدعى إيغور سوفونوف ظل يدخل ويخرج من السجن مدة 20 عاما لتورطه في تهريب مخدرات، وانضم بعدها إلى وحدة “العاصفة زي”.

30 ألفا عادوا من الحرب

وقد حصل هو وآخرون أمثاله على وعد بالحرية إذا أكملوا فترة التجنيد البالغة 6 شهور. ووفقا للصحيفة فقد نجا سوفونوف وعاد إلى روسيا، وهو من بين حوالي 30 ألف سجين سابق، قضى العديد منهم فترات طويلة في السجون لارتكابهم جرائم عنف، وعادوا بعد ذلك إلى ديارهم ليتمتعوا بالحرية.

ويعاني الكثير من هؤلاء من الصدمة بسبب تجاربهم في الحرب، حيث ظلت الوحدات التي يشكل السجناء المدانون كل قوتها المقاتلة، تُستغل في تنفيذ جل الهجمات شبه الانتحارية، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال التي قالت إنها اطلعت على وثائق من المحاكم.

وجاء في تلك الوثائق أيضا -بالإضافة إلى شهادات أدلى بها للصحيفة أصدقاء وأقارب المشتبه بهم والضحايا وتقارير في وسائل إعلام روسية- أن العديد من المجتمعات في جميع أنحاء روسيا تعرضت لعشرات الجرائم “الوحشية” التي ارتكبها مجندون مدانون عائدون من ساحات المعارك في أوكرانيا. وقال نشطاء حقوقيون إن عشرات أخرى من الجرائم لم يُبلَّغ عنها.

فقدان الشعور بالأمن

وبدورها قالت آنا بيكاريوفا، التي قُتلت جدتها في مارس/آذار على يد المجرم المدان إيفان روسوماخين، إنها لا تشعر بالأمان، ذلك لأن “آلاف المجرمين يجوبون شوارع قريتها التي تبعد حوالي 950 كيلومترا إلى الشرق من العاصمة موسكو. ومضت إلى القول إن روسوماخين كان يلوح أثناء تجواله بفأس ويحمل معزقة بعد أن عاد من القتال في صفوف قوات فاغنر في أوكرانيا.

ووفقا لتقرير الصحيفة، فقد تكبد “جيش بوتين المكون من مجرمين مدانين” خسائر فادحة، أولا تحت قيادة يفغيني بريغوجين، ثم كوحدات “جزائية” تابعة للجيش الروسي، تشكلت بعد تمرد زعيم مجموعة فاغنر على القيادة العسكرية قبل وقت قصير من موته في حادث تحطم طائرة في أغسطس/آب الماضي.

وتعتقد صحيفة وول ستريت جورنال أن إغراء المدانين بنيل حريتهم كان وسيلة لزيادة عدد المقاتلين دون الحاجة لتعبئة مزيد من جنود الاحتياط “التي لا تحظى بشعبية” في روسيا.

وكان بوتين قد أقر في يونيو/حزيران بإصداره العفو عن مدانين سابقا، وبأن بعضهم يعودون إلى ارتكاب جرائم. وقال في هذا الصدد: “إن هذا أمر لا مفر منه، لكن العواقب السلبية المترتبة عنه ضئيلة”.