وزير الأوقاف: المساس بثوابت العقيدة والتجرؤ عليها لا يخدم سوى قوى التطرف
جاء ذلك فى كلمة وزير الأوقاف خلال افتتاح المؤتمر العام الـ33 للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، الذى انطلق اليوم السبت تحت عنوان: الاجتهاد ضرورة العصر (صوره.. ضوابطه.. رجاله.. الحاجة إليه)، ولمدة يومين، وبرعاية من الرئيس عبد الفتاح السيسى.
وتوجه وزير الأوقاف فى كلمته بالشكر إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى على تفضله برعاية هذا المؤتمر ودعمه المستمر للفكر الدينى الوسطى المستنير، وتأكيده على أهمية مراعاة فقه الواقع وفهم مستجداته ومتغيراته، وإيجاد الحلول لقضاياه، من خلال فهم صحيح النص ومقاصده مع الحفاظ على ثوابت الشرع الحنيف.
وأضاف الوزير بأن نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول: “مثل ما بعثنى الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب، أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه فى دين الله، ونفعه ما بعثنى الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذى أرسلت به”.
وأفاد بأننا إذ نجتمع اليوم إنما نجتمع خدمة لديننا وأوطاننا، نعلم ونتعلم ونتدارس العلم معا، ونبحث عن حلول لقضايانا الحياتية المهمة والشائكة وقد صار الاجتهاد ضرورة العصر، بعد أن عانينا فى مجتمعاتنا المسلمة وعانى العالم كله من الفتاوى الشاذة والمؤدلجة على حد سواء، كما عانينا من افتئات غير المؤهلين وغير المتخصصين وتجرئهم على الإفتاء والذهاب إلى أقصى الطرف تشددا وتطرفا يمينيا، أو انحرافا وتطرفا يساريا.
ولفت إلى أنه إذا أضيف إلى هؤلاء وأولئك محبو الظهور من اللاهثين خلف كل شاذ أو غريب من الآراء، تأكد لدينا أننا فى حاجة إلى إرساء وترسيخ قواعد الاجتهاد وضوابطه، وبخاصة الاجتهاد الجماعي فى القضايا التى لا يمكن البناء فيها على الأقوال الفردية، والتى تتطلب الفتوى فيها خبرات متعددة ومتكاملة، ولا سيما فى القضايا الاقتصادية والطبية والبيطرية وشئون الهندسة الزراعية والوراثية وغير ذلك من مفردات حياتنا ومستجدات عصرنا التى تحتاج إلى رأى أهل الخبرة لتبنى عليه الفتوى، فالرأى الشرعى فى القضايا الحياتية المستجدة يبنى على الرأى العلمى ولا يسبقه.
ونوه وزير الأوقاف إلى أن الإسلام قد فتح باب الاجتهاد والتجديد واسعا، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “إن الله (عز وجل) يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”.. وطبيعي أن هذا التجديد لا يكون إلا بالاجتهاد والنظر ومراعاة ظروف العصر ومستجداته، فباب الاجتهاد مفتوح بل مشرع إلى يوم القيامة، غير أن له أصوله وضوابطه ورجاله الذين أفنوا حياتهم فى طلب العلم الشرعى وفهم أصوله وقواعده ومآلات الأمور ومقاصدها ممن يدركون فقه المقاصد والمآلات والأولويات، ومتى تكون المصلحة مقدمة على المفسدة، ومتى تحتمل المفسدة اليسيرة لتحقيق المصلحة العظيمة، وكيف يكون الترجيح بين مصلحة ومصلحة باختيار أعظمهما نفعا، وكيف يكون الترجيح بين مفسدة ومفسدة باختيار المفسدة الأخف منها.
وأشار الوزير إلى أن الاجتهاد الذى نسعى إليه يجب أن ينضبط بميزان الشرع والعقل معا، وألا يترك نهبا لغير المؤهلين وغير المتخصصين أو المتطاولين الذين يريدون هدم الثوابت تحت دعوى الاجتهاد أو التجديد، فالميزان دقيق، والمرحلة فى غاية الدقة والخطورة ؛ لما يكتنفها من تحديات فى الداخل والخارج.
ولفت إلى أن المتخصص المؤهل إذا اجتهد فأخطأ له أجر، وإن اجتهد فأصاب فله أجران، الأول لاجتهاده والآخر لإصابته، أما من تجرأ على الفتوى بغير علم، فإن أصاب فعليه وزر، وإن أخطأ فعليه وزران، الأول لاقتحامه ما ليس له بأهل، والآخر لما يترتب على خطئه من آثار كان المجتمع والدين معا فى غنى عنها، فى ظل أوقات تحتاج إلى من يبنى لا من يهدم.
وأكد وزير الأوقاف أن المساس بثوابت العقيدة والتجرؤ عليها وإنكار ما استقر منها فى وجدان الأمة لا يخدم سوى قوى التطرف والإرهاب وخاصة فى ظل الظروف التى نمر بها؛ لأن الجماعات المتطرفة تستغل مثل هذه السقطات أو الإسقاطات لترويج شائعات التفريط فى الثوابت؛ مما ينبغى التنبه له والحذر منه، فإذا أردنا أن نقضى على التشدد من جذوره فلا بد أن نقضى – كذلك – على التسيب من جذوره، فلكل فعل رد فعل مساو له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه.
ونبه إلى أن المؤتمر سيناقش بإذن الله تعالى قضايا فى غاية الأهمية، كما سيناقش بحوثا لنخبة من كبار علماء الأمة ومفكريها حول العملات الافتراضية وقضايا البيئة وغيرهما من القضايا الملحة فى واقعنا المعاصر، وآمل أن تسهم توصياته ومخرجاته فى وضع حلول لها أو إضاءات حولها على أقل تقدير.