أخبار عاجلةالخطاب الإلهيتوب ستوري

ما حكم الزكاة فى مال الميراث قبل استلامه؟.. دار الإفتاء تجيب

ورد سؤال من دار الإفتاء المصرية، وجاء في مضمونه: “امرأة ورثت مالاً عن والدها، وكان هذا المال في حوزة عمها وبعض الشركاء. ونشأت خلافات حول الحصة وما يستحقه كل طرف. واستمر على ذلك ثلاث سنين، ثم أخذت حقها من هذا المال بعد ذلك. فهل وصلها سؤال من دار الإفتاء المصرية؟ وهذه المرأة يجب عليها زكاة هذا المال لمدة ثلاث سنوات، أو ماذا تفعل؟

وجاء رد دار الإفتاء كالتالي:

«هذه المرأة لا يجب عليها زكاة المال الذي ورثته عن والدها خلال السنوات الماضية، قبل أن تتسلمه بالفعل، وتتمكن من التصرف فيه بالكامل. ويجب عليها زكاة هذا المال -إذا توافرت شروط الزكاة- بعد مضي سنة من يوم قبضها واستلامها. له”.

أوضحت دار الإفتاء أنه إذا بقيت التركة بعد وفاة المورث مدة من الزمن ولم يتم تقسيمها، ثم تم توزيعها واستلامها على الورثة، فقد اختلف الفقهاء في وجوب الزكاة على هذا المال الموروث قبل ذلك. الوريث يتلقاها. ويرى المالكية أنه لا تجب الزكاة في المال الموروث قبل قبضه، وهذا رأي أبي حنيفة أيضاً.

قال الإمام السرخسي في “المبسوط” : (3/41 ط دار المعرفة): [ولو أنَّ رجلًا وَرِث عن أبيه ألف درهم، فأخذها بعد سنين فلا زكاة عليه لِمَا مضى في قولِ أبي حنيفة رحمه الله تعالى الآخر.. ففي هذه الرواية جعل المَوروث بمنزلة الدَّين الضعيف؛ مثل الصداق وبدل الخلع.. ووجه هذه الرواية: أنَّ المِلْكَ في الميراث يثبت للوارث بغير عوضٍ، فيكون هذا بمنزلة ما يملك دَيْنًا عوضًا عمَّا ليس بمالٍ، وهو الصداق، فلا يكون نصاب الزكاة حتى يقبض، يوضحه أنَّ الميراث صلة شرعية، والصدقة للمرأة في معنى الصلة أيضًا من وجه] أوه.

قال العلامة الخرشي في “”شرح مختصر خليل”” (2/ 181 ط دار الفكر): [إن وَرِثَ عينًا استقبل بها حولًا من قَبْضِه، أو قبضِ رسولِه ولو أقام أعوامًا، أو عَلِمَ به، أو وقف له على المشهور] أوه.

قال الإمام أبو الوليد بن رشد في “المقدمات المهمات” (1/ 303 ط دار الغرب الإسلامي): [الديون في الزكاة تنقسم على أربعة أقسام: دين من فائدة، ودين من غصب، ودين من قرض، ودين من تجارة؛ فأما الدين من الفائدة، فإنه ينقسم على أربعة أقسام؛ أحدها: أن يكون من ميراث، أو عطيةٍ، أو أَرْش جناية، أو مهر امرأة، أو ثَمَن خُلْع، وما أشبه ذلك؛ فهذا لا زكاة فيه حَالًّا كان أو مُؤجَّلًا حتى يُقْبَض ويحول الحول عليه مِن بعد القبض، ولا دين على صاحبه يَسْقُط عنه الزكاة فيه، وإن تَرَك قبضه فرارًا من الزكاة لم يوجب ذلك عليه فيه الزكاة] أوه.

وقد أثبتوا في ذلك أمرين:

الأول: نص الفقهاء على أن الملكية الكاملة شرط من شروط وجوب الزكاة. قال العلامة الحصفقي في “”الدر المختار”” (2/ 295 ط دار الفكر): [(وسببه) أي: سبب افتراضها (ملكُ نصاب حوليّ) نسبة للحول لحولانه عليه (تامٌّ) بالرفع صفة ملك] أوه.

قال العلامة الخرشي في “شرح المختصر” (2/ 179 ط دار الفكر): [شرط الزكاة في العين وغيرها أن يكون المال مملوكًا ملكًا تامًّا؛ فلا زكاة على غاصب ومودَع وملتقَط؛ لعدم الملك، وعبدٍ ومدينٍ؛ لعدم تمامه، ولا على السيد فيما بيد عبده؛ لأن مَن ملك أن يملك لا يُعَدُّ مالكًا، ولا في غنيمة قبل قسمها؛ لعدم قراره] أوه.

قال الشيخ الخطيب الشربيني في “الإقناع” – في بيان شروط وجوب زكاة النعم – (2/315 ط دار الفكر): [(و) الثالث: (الملك التام)؛ فلا تجب فيما لا يملكه ملكًا تامًّا] أوه.

قال العلامة البهوتي في “”كشاف القناع”” (2/ 170 ط دار الكتب العلمية) : [من شروط الزكاة: (تمام الملك) في الجملة -قاله في “الفروع”-؛ لأنَّ الملك الناقص ليس نعمة كاملة، وهي إنما تجب في مقابلتها؛ إذ الملك التام عبارة عما كان بيده لم يتعلق به غيره، يتصرف فيه على حسب اختياره وفوائده حاصلة له] أوه.

وذكروا أن من الصور التي لا تتحقق بها الملكية الكاملة ما يعرف بـ “المال الدمر”، والمال الدمر: هو كل المال الذي لا يمكن الوصول إليه مع ثبوت الملكية له. انظر: “”المبسوط”” للسرخسي (2/ 171).

وعرفه الإمام القرافي في “الذخيرة” (3/ 38 ط دار الغرب) بأنه: [هو كلُّ مال أصل ملكه مُتحقَّق، والوصول إليه ممتنع] أوه.

قال الإمام الكاساني في “بدائع الصنائع” (2/ 9 ط دار الكتب العلمية) – في بيان سبب التسمية -: [مأخوذ من البعير الضامر الذي لا يُنْتَفَع به؛ لشدة هزاله مع كونه حيًّا، وهذه الأموال غير منتفع بها في حق المالك؛ لعدم وصول يده إليها، فكانت ضمارًا] أوه.

وحتى لو لم ينص الفقهاء على أن العقار الموروث قبل اكتسابه -خاصة- هو جزء من العقار الناقص؛ إلا أن معنى نقصان الملك ينطبق عليه؛ والملك الناقصة هو ما يجمع ملكاً بلا يد، أو يداً بلا ملك. وقال الإمام أبو بكر الحدادي في “الجوهرة النيرة” (1/113 ط المطبعة الخيرية): [الملك التام هو ما اجتمع فيه الملك واليد، وأمَّا إذا وجد الملك دون اليد؛ كملك المبيع قبل القبض، والصداق قبل القبض، أو وجد اليد دون الملك؛ كملك المكاتب والمديون، لا تجب فيه الزكاة] أوه.

ما المقصود باليد؟ أي: كمال الخلق؛ كما أورده الشيخ الطاهر ابن عاشور في كتابه: “مقاصد الشريعة الإسلامية” (2/425، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – قطر) بقوله: [الملك التام والمطلق وهو ملك العين والمنفعة. قال ابن عابدين: هو المملوك رقبة ويدًا، وهو قول الحنابلة، والشافعية، والمالكية. وترد على الأعيان المملوكة بالأسباب التي اقتضتها كالبيع والهبة والصدقة والوصية. ويقابله الملك الناقص أو الضعيف على حد تعبير الزركشي في قواعده، وضبطه ابن الرِّفْعة بما يَقْدِر الغيرُ على إبطاله قبل استقراره، ولا يكون لصاحبه فيه كمال التصرف] أوه.

وكذا الحال في الأموال الموروثة قبل قبضها. الملكية مملوكة للعوام دون التصرف الكامل، والعقار الذي لم يتم استلامه – بما في ذلك الممتلكات الموروثة – لا يمكن أن ينتفع به المالك، وهنا يكون الوارث، فصاحبه ليس غنيا، والقاعدة هي “أنه “ليس هناك زكاة على أحد إلا غنيا”. انظر “بدائع الصنائع” (2/9).

ثانياً: قياس الأموال الموروثة من مهر الزوجة بحسب مجموع العلاقة في كل منهما. ولما كان الميراث صلة شرعية، ومهر المرأة أيضا له معنى صلة – انظر: “المغني” لابن قدامة (3/ 71 ط مكتبة القاهرة) – ولكل منهما عوض عما هو عليه. ليس المال.

قال الإمام السرخسي في “المبسوط” : (3/41) بعد أن نقل كلام الإمام أبي حنيفة أن الرجل إذا ورث عن أبيه ألف درهم فأخذها بعد سنين فلا زكاة عليه فيما اجتاز؛ هو قال: [ففي هذه الرواية جعل المَوروث بمنزلة الدَّين الضعيف مثل الصداق وبدل الخلع.. ووجه هذه الرواية أن المِلكَ في الميراث يثبُتُ للوارثِ بغيرِ عِوضٍ فيكون هذا بمنزلةِ ما يُملَكُ دَينًا عِوضًا عمَّا ليس بمالٍ، وهو الصداقُ فلا يكون نصاب الزكاةِ حتى يُقبَضَ، يُوَضِّحُهُ أنَّ الميراثَ صِلةٌ شرعيَّةٌ والصدقَةُ للمرأةِ في معنى الصِّلَةِ أيضًا من وجهٍ، قال الله تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء: 4] أي: الهبة، وما يجب على سبيل الارتباط الذي لا يتم الملكية فيه قبل قبضه، فلا يكتمل نصاب الزكاة]اهـ.

وذهب الحنابلة -في روايتهم- إلى أنه لا تجب الزكاة في المال الموروث قبل قبضه، بشرط أن يكون الوارث جاهلا بالمال الموروث، أو جاهلا مكانه.

وعليه: تجب الزكاة على المال الموروث بعد قبض الوارث له، وتحسب الحول من يوم الاستلام. قال العلامة ابن مفلح في “الفروع” (3/446 ط مؤسسة الرسالة): [فلا زكاة في دينِ الكتابة لِعدمِ استقرارها.. ولا في دينٍ مؤجل، أو على مُعسر، أو مُمَاطل، أو جاحد قبضه.. وموروث، أو غيره وجهله، أو جهل عند مَن هو، في روايةٍ صَحَّحها صاحبُ “التلخيص” وغيرُه، ورجَّحها بعضهم، واختارها ابن شهاب] أوه.

بينما يرى الشافعية والحنابلة حسب مذهبهم وجوب الزكاة في المال الموروث عند وفاة الوارث.

ويقول الإمام العمراني في “البيان” (3/ 154 ط دار المنهاج): [وإن مات، فهل يبني وارثه على حول مورثه؟ فيه قولان: الأول: قال في القديم: يبني عليه؛ لأنَّ مَن ورث مالًا ورثه بحقوقه، كما تورث الشفعة، والرد بالعيب، والوثيقة بالرهن.

والثاني: قال في الجديد: يستأنف الورثة الحول، وهو الصحيح؛ لأنَّ ملك الميت قد زال، وابتدأ الوارث الملك عليه بموت مورثه، فهو كما لو اشتراه] أوه.

قال الإمام النووي في “”المجموع”” (5/363 ط دار الفكر): [إذا مات في أثناء الحول وانتقل المال إلى وارثه، هل يبني على الحول؟ فيه القولان اللذان ذَكَرهما المصنف، وهما مشهوران، أصحهما باتفاقهم: لا يبني، بل يستأنف حَوْلًا من حين انتقل إليه الملك، وهذا نصه في الجديد] أوه.

ومضمون كلام الشافعية أن الزكاة تجب على المال الموروث من وقت وفاة الوارث وانتقال المال إلى الورثة، سواء قبل القبض أو بعده، ولكن خلافهم – وهو وارد وفي نص الإمام في القديم والجديد – لا يكون إلا في البناء على سنة أو استئناف سنة جديدة.

قال الإمام المرداوي في “الإنصاف” (3/ 21 ط دار إحياء التراث العربي): [قوله: (وفي الدَّين على غير المَليء، والمُؤجَّل، والمَجحُود، والمغصوب، والضائع: روايتان)، وكذا لو كان المال مَسرُوقًا، أو موروثًا، أو غيره جَهِلَه أو جَهِل عند منْ هو، إحداهما: تجب الزكاة في ذلك كلِّه إذا قَبَضه، وهو الصحيح من المذهب. والرواية الثانية: لا زكاة فيه بحال] أوه.

قال العلامة البهوتي في “”كشاف القناع من متن الإقناع”” (2/178 ط دار الكتب العلمية): [(ولا يبني وارثٌ على حولِ مورثٍ)؛ نص عليه في رواية الميموني، (بل يستأنف حولًا) من حين مَلَكَهُ] أوه.

وبنوا دليلهم على ذلك بقولهم: إن ملكية المال الموروث لا تتوقف على قبضه، فهذا يقتضي جواز التصرف فيه من وقت وفاة المورث. قال الإمام النووي في “”المجموع”” (18/202) : [لأن الموروث قبل القبض كالمقبوض في تمام الملك وجواز التصرف] أوه.

قال العلامة الزركشي في “شرحه على المختصر الخرقي” (4/423 ط دار العبيكان): [لأنَّ المملوك بالوصية كالمملوك بالإرث، لا يتوقف تمام الملك فيهما على قبض، وإن تلف تلف من ضمانهما، بخلاف المملوك بالعقود، كالبيع ونحوه، لا يتم الملك فيها إلا بالتمكن من القبض] أوه.

والذي نفتي به في هذه المسألة هو ما قاله الإمام أبو حنيفة في أحد قوليه، وعند المالكية والحنابلة في رواية: أنه لا تجب الزكاة في المال الموروث إلا بعد أخذه، فيجب أن يكون. وتؤدى الزكاة بعد تملك الوارث لها، ويحسب الحول من يوم تملك الوارث للمال الموروث. ولا من يوم وفاة الموصي، ولو كان منذ سنوات.

 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button