الخطاب الإلهي

ما حكم أخذ مال من شخص ماله حرام؟.. الافتاء تجيب

حكم أخذ مال من شخص ماله حرام.. يرغب كثيرون في معرفة حكم أخذ مال من شخص ماله حرام، وفي التقرير التالي ننشر بعض الأحكام التي وردت في هذا الشأن.

حكم البيع والشراء مع ماله حرام او اختلط ماله بالحرام

يجوز شرعًا التعامل مع من اختلط ماله الحلال بالحرام إذا لم يعرف حاله؛ بيعًا وشراءً، وأخذًا وإعطاءً، والإثم في المال المأخوذ من حرام إنما يقع على من اكتسبه، أما مَن انتقل إليه المال بالطرق المشروعة فلا حرمة عليه ولا إثم، لكن إن تعين المال الحرام -سواء لتعلق حق الغير به أو غير ذلك-وتميز عن الحلال، حرُم أخذه؛ لِمَا في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان وأكل أموال الناس بالباطل.

هذا، مع التنبيه على أنه لا يشرع للإنسان التكلف في السؤال عن مصدر ما يأخذه أو يتناوله غيره، ولا يجوز له التجسسُ لمعرفة ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَأَطْعَمَهُ طَعَامًا، فَلْيَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ، وَإِنْ سَقَاهُ شَرَابًا مِنْ شَرَابِهِ، فَلْيَشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ».. رواه أحمد وغيره.

وقد فتح الله تعالى لعباده أبواب الحلال في الكسب، ولم يحرم عليهم إلا ما فيه ضررهم وفسادهم؛ فإذا تنكب الإنسان طرق الحلال الكثيرة، واختار لنفسه مع ذلك مسالك الحرام، في كل ماله أو بعضه، فقد استحق الإثم على ذلك.

والمقصود من اختلاط الحرام بالحلال في المال: انضمام بعضه إلى بعض، وهذا يشمل ما يمكن تمييز الحرام فيه عن الحلال، وما لا يمكن تمييزه.

والأصل في تكسب المال هو الحِلّ، إلا أن يكون ثمنًا لمحرَّم؛ كالخمر والمخدرات، أو مكتسبًا على صفة محرمة؛ كالسرقة والغصب؛ لتعلق حق الغير به.

فإذا تميز الحرام في المال عن الحلال؛ بحيث يمكن الاحتراز عن الحرام: كان ذلك واجبًا، وحرُم على الإنسان أخذُه حتى لا يشارك صاحبَه في إثمه وتَبِعتِه.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنِ اشْتَرَى سَرِقَةً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا سَرِقَةٌ، فَقَدْ شَرِكَ فِي عَارِهَا وَإِثْمِهَا».. رواه ابن أبي شيبة في “مصنفه”، وإسحاق بن راهويه في “مسنده”، والحاكم في “المستدرك” وقال: صحيح ولم يخرجاه، والبيهقي في “السنن الكبرى”.

أمّا إذا اختلط حرام المال بحلاله، ولم يمكن التمييزُ بينهما: فالذي عليه جماهير الفقهاء من المذاهب الأربعة المتبوعة وغيرها: أنه يجوز التعامل مع صاحبه؛ استصحابًا لأصل الحل؛ فإن الحلَّ هو الأصل، والحرمة طارئة، وما لم يُتَيَقَّن الطارئُ فالأصل بقاءُ ما كان على ما كان.

ومن العلماء مَن كره ذلك تورعًا، ومنهم من قصر الكراهة على ما إذا عُلِم أن أغلب المال حرام، ومنهم من حرَّم التعامل معه إذا كان غالب ماله حرامًا، ومنهم من حرَّمه مطلقًا؛ بدعوى أن اختلاط الحرام بالحلال في المال يستوجب شيوعه في جميعه؛ فيكون للحرمة نصيب في كل أجزائه، وهذا القول ردَّه المحققون من أهل العلم، ونصوا على كونه غلوًّا وتشددًا وشذوذًا.

والصواب الذي عليه الفتوى والعمل: جواز التعامل مع صاحب المال المختلط حلاله بحرامه، وقبول دعوته وهديته، وغير ذلك من صور التعامل المختلفة، وأن كراهة من كره ذلك من السلف إنما هي كراهة تنزيهية على جهة الورع لا على سبيل التحريم، وهذا هو الموافق لأدلة الشرع الشريف وأصوله وقواعده، وهو الذي جرى عليه عمل الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم.

 

حكم معاملة من اختلط ماله الحلال بالحرام

وقد نص الفقهاء على جواز معاملة من اختلط ماله الحلال بالحرام، بالأكل عنده، والبيع والشراء منه، وقبول هداياه، ونحو ذلك، مستدلين بقبول النبي صلى الله عليه وسلم هدايا اليهود، وأكله الطعام عندهم، وقد وصفهم الله عز وجل بأنهم: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) المائدة/42.
ولذلك لما جاء رجل إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقال: إن لي جاراً يأكل الربا، وإنه لا يزال يدعوني، فقال: مهنؤه لك وإثمه عليه. “مصنف عبد الرزاق” (8/150)
وقد نص فقهاؤنا رحمهم الله على ذلك في مواضع كثيرة من كتب الفقه.
جاء في حاشية قليوبي رحمه الله (4/263): ” لا يحرم الأكل ولا المعاملة ولا أخذ الصدقة والهدية ممن أكثر ماله حرام، إلا مما علم حرمته، ولا يخفى الورع”

ما حكم مشاركة من اختلط ماله الحلال بالحرام؟

فإن عُرِف عين الشيء المحرم وقدر على تمييزه؛ لم يجز مشاركة صاحبه فيه، وإن كان مختلطاً بحيث لا يتميز المال الحلال من الحرام؛ جاز له مشاركة صاحبه مع الكراهة، كالنقود الورقية التي اختلط الحرام منها بالحلال.
سُئل العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله -بما حاصله-: “لا يخفى ما عليه اليهود والنصارى من بيع الخمور وتعاطي الربا وغير ذلك، فهل تحل معاملتهم وهداياهم وتحرم معاملة مَنْ أكثرُ مالِه حرام أو لا؟ فأجاب بقوله: حيث لم يتحقق حراماً معيناً جازت معاملتهم وقبول هديتهم، فإنه صلى الله عليه وسلم قبل هداياهم، أما إذا تحقق، كأن رأى ذمياً يبيع خمراً، وقبض ثمنه، وأعطاه للمسلم عن دَيْن أو غيره؛ فإنه لا يحل للمسلم قبوله، ووجهه أن الاعتبار بعقيدتنا وإن كنا نقرهم على ذلك، وكذا يقال في الأكل من أموال الظلمة ومَنْ أكثرُ أموالِه حرام؛ فيُكره ما لم يعلمْ عينَ الحرام” انتهى باختصار من “الفتاوى الفقهية الكبرى” (2/ 233).
وجاء في “حاشية قليوبي على شرح المنهاج”: “وتصح الشركة وإن كُرِهَتْ، كشركة ذمي وآكل الربا ومَنْ أكثرُ مالِه حرام”.

ما حكم البيع لشخص ماله من حرام؟

أفتت الامانة العامة للإفتاء ان البيع لشخص ماله من حرام جائز؛ فقد كان النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يعامل اليهود، وكان كثير منهم يتعاملون بالربا، ولم يَمنَع التعاملَ معهم لذلك، والعِبرة بصحة المعاملة في ذاتها، اللهم إن كان مقابلُ البيع مالًا معيَّنا مملوكًا لغير المشتري، كأن استولى عليه بسرقة أو اغتصاب أو نهب، أو استولى على عين مرهونة لم يحل أجلُ قضاءِ دَينها المرهونة في مقابله، أو على عين مستعارة أو مودعة أو ما شابه، فحينئذٍ يصح التعامل ويجب بذل عين أخرى مكانها.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button