علماء الأزهر يجيبون عن كيفية استقبال شهر رمضان
أيام معدودات ونستقبل شهر رمضان الفضيل.. موسم كل مسلم تقى نقى يريد الوصول إلى رضوان ربه.. شهر الغفران والتوبة والبركة والنفحات والروحانيات.. شهر التنافس والسباق إلى مرضاة الرب العلى.. يستقبله بعضنا بتدبير النفقات وتجهيز الولائم والموائد وما لذ وطاب للأضياف.. وصنف يتعامل معه على أنه عادة.. فيراه موسما للسهرات والتلذذ بالمطعومات والمشروبات وتضييع الأوقات بالملهيات، وآخرون يقيمون ليله متضرعين، راجين الفوز بجائزة الرب الجواد.. عن الاستقبال السليم لرمضان يجيبنا علماء الأزهر الأجلاء فى سطور «واحة الإيمان».
يقول فضيلة الشيخ محمد فاروق من علماء الأوقاف قال الله:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وقال أيضا (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، فالاستعداد لشهر رمضان شهر لا بد وأن يكون استعدادا شاملا وكاملا، بمعنى أنه يجب على المسلم والمسلمة أن يستعدوا نفسيا وروحيا وكذا بدنيا، وأنه من الخطأ تصور الاستعداد لشهر رمضان بأنه تدبير النفقات وتجهيز الولائم والموائد وما لذ وطاب للأضياف، “هذا الشهر شرع للإقبال على الله والاجتهاد في مرضاته وتدبر القرآن وجعل تلاوته معراج ارتقاء وتزكية، إنه سباق في الخيرات يظفر فيه من ينشط ويتحمس”، وأن يكون القدوة لهم ولنا في ذلك رسول الله [ المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قد جعل شهر شعبان تدريبا وواقعا عمليا لتربية وترويض النفس، وكذلك تدريبا بدنيا على استقبال شهر رمضان ومن الاستعدادات الروحية لرمضان أن جعل شهر شعبان شهر القراء يقرأون فيه القرآن فيقول أنس بن مالك صاحب رسول الله [: «كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبُّوا على المصاحف فقرأوها..» .
يضيف أن أصناف الناس في استقبال رمضان، صنف يتعامل معه علي أنه عادة، يراه موسما للسهرات والتلذذ بالمطعومات والمشروبات، وتضييع الأوقات بالملهيات، أما أداء العبادة فيه فهو على سبيل المشاركة الخجولة للآخرين، ورفع الملام عنه من المؤاخذين، وصنف آخر يتعامل معه علي أنه عبادة ظاهرة يؤديها كما اعتاد المسلمون، دون اكتساب لفضائله أو تحر لآدابه وتربية للنفس على مكرماته، وهذا الصنف يصدق فيه حديث النبي [: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ) .
وصنف ثالث نرجو الله تعالى أن نكون منهم هم الذين يترقبون رمضان ليصوموه عبادة يرتجى ثوابها وتربية للنفس تبتغى فضائلها، فتجد أحدهم يسأل الله العفو عن زلته، وآخر يشكو إليه من لوعته، وثالث يرجو الله جميل مثوبته، التزموا كتاب الله تلاوة وتدبرا، وعمرّوا مساجده، وأحسنوا لعباد الله عفوا وغفرانا، وتعاهدوهم صلة وإحسانا، رأوا ما هم عليه من قبيح فعال فهجروها، وسيئ خصال فأصلحوها، وأقبلوا على شهرهم يغتنمون اللحظات قبل الساعات، اجتهدوا ليتخرجوا من الشهر بشهادة التقوى زادا للقاء ربهم كما أراد وأمر.
ولذلك أقول لنفسي أولا ثم للقارئ الكريم ما قاله الفضيل بن عيّاض رحمه الله: “إذا كنت لا تستطيع قيام الليل، وصيام النهار؛ فاعلم أنّك محبوسٌ، قد قيّدتك ذنوبك” ولذلك ينبغي استقبال شهر رمضان المبارك؛ بتجديد التوبة.
ويحدثنا فضيلة الشيخ شريف الميت من علماء الأوقاف قائلا: إن الصوم شرع لمعان كبيرة وحكم بليغه وفي هذا يقول الإمام ابن القيم رحمه الله فى زاد المعاد، إن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة، شرعه الله لعباده رحمة بهم واحسانا إليهم وحمية لهم وجنة، فمن تلك المقاصد والحكم: تحقيق التقوي وذلك لأن الصوم عباده يتقرب بها العبد لربه فيضبط نفسه بالتقوى، ومراقبة الله سبحانه وتعالى في كل زمان ومكان، لذا أمر الله به الأمم السابقة قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم}، فالصائم يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل الله فهو ترك محبوبات النفس إيثارا لمحبه الله ومرضاته والصيام سر بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه.
يضيف أن رمضان عطية ربانية للأمة الإسلامية، فها هي أيام الخير والبركة أيام الطاعة والعبادة أيام الذكر والتسبيح أيام الصيام والقيام قد هلت علينا من جديد فهل نحن مدركون لقيمة هذا الشهر وفضله، حيث إنه هدية ربانية للأمة الإسلامية، ولهذا الشهر أهميته وقيمته، فكان رسول الله [ يوليه اهتماما خاصا دون بقية الشهور، فعن ابن عباس قال كان رسول الله أجود الناس، كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله [ أجود بالخير من الريح المرسلة، وكثير منا يفهم الجود على انه بذل المال فقط وهذا فهم قاصر، لأن معناه أشمل وأعم من ذلك بكثير، فهو بذل ما ينبغي من الخير كل الخير، سؤال مهم لماذا الجود في رمضان؟ لشرف الزمان ومضاعفة الاجر والثواب فيه، فرمضان ليس شهرا كبقية الشهور، حيث الجنة مفتحة والنار مغلقة، والشياطين مصفدة لذا كان ثواب الطاعة فيه مضاعفة لشرف الزمان، يقول رسول الله [ “أفضل الصدقة صدقة رمضان”، ولإعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم لله فيأخذ المعين مثل أجرهم قال رسول الله [: «من جهز غازيا فقد غزا ومن خلفه في أهله فقد غزا، وكذلك من أعان صائما أخذ مثل أجر الصائم من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئا»، وأيضا دخول الجنة والتمتع بنعيمها عن على رضي الله عنه عن النبي [ قال:«إن في الجنة غرفا تري ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها، فقام أعرابي وقال لمن هي يا رسول الله؟ قال لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلي بالليل والناس نيام».
ويقول فضيلة الشيخ أحمد السعدني من علماء الأوقاف: لقد كانوا يعيشون السنة كلها رمضان، فقد كانوا يكثرون الصوم والقيام وقراءة القرآن، ويصلون الأرحام ويذكرون الله ذكرا كثيرا، هذا يتبين لنا من خلال الأحاديث التي جاءت عن الصحابة رضوان الله تعالى عنهم يصفون فيها أحوال عباداتهم طوال العام للنبي [ ويجتهدون فيها، وكان النبى [ يوجههم تارة، ويبين لهم المنهج السديد تارة، ويبين لهم الثواب تارة، وكل هذا كان استعدادا لاستقبال رمضان، فالنفس البشرية تألف ما ألفت عليه وتتضجر مما لم تألف عليه، وأريد من القارئ أن يتبين المسارعة على الصيام والقيام وما يريدون أن يفعلوه تقربا إلى الله، بل وصل الأمر إلى أكثر من ذلك، فلقد كانوا يتنافسون فيما بينهم وخاصة الفقراء والأغنياء بأنهم متساوون فى الصلاة والصيام، ولكن الصدقة عند الفقراء تكاد تكون غير موجودة، أنظر إلى الصحابة الذين ذهبوا إلى النبى يشكون إليه هذا ا الأمر، عن أبي ذر رضي الله عنه: أن ناسا من أصحاب رسول الله [ قالوا: للنبى يا رسول الله “ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: أوليس الله قد جعل الله لكم ما تصدقون، إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة وأمر بمعروف صدقة، ونهى عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدكم شهوته ويكون له فيها اجر؟ قال أورأيتم لو وضعها في حرام فكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر”.
فلما عرف الأغنياء ما وصل إليه الفقراء من هذا الفضل، وقاموا بفعله، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، دل ذلك على التنافس الشريف فى الطاعة والمسارعة على فعل الخيرات، ودل ذلك على أنهم يشحنون هممهم لاستقبال شهر رمضان، ولقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يطمئن بين الحين والآخر على أصحابه وعلى طاعتهم، فهذا سيدنا أبو هريرة يحكى لنا موقفا يدلل على هذا، فقال: قال رسول الله [: “من أصبح منكم اليوم صائما قال أبو بكر رضي الله عنه أنا، قال فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر رضي الله عنه أنا، قال فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟ قال أبو بكر رضي الله عنه أنا، قال فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر رضي الله عنه أنا، فقال رسول الله: “ما اجتمعن فى امرئ إلا دخل الجنة”.
والجميل فى هذا أن النبي [بين ثواب هذه الطاعات بأنها إذا اجتمعت فى امرئ إلا دخل الجنة، فهل كان الصحابة رضوان الله تعالى عنهم يتركون هذه العبادات وهذا الثواب ولايعيشون طوال العام كأنهم فى رمضان؟.
باب الريان
ويحدثنا فضيلة الدكتور أسامة فخرى مدير عام شئون المساجد بوزارة الأوقاف عن باب الريان قائلا: عن سهل عن رسول الله [ قال: “إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُون لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ”، وإن الذي يتأمل كلام رسول الله [ يدرك أمرين: الأول منهما: أنه [ قال: (إن في الجنة بابًا) ولم يقل:(إن للجنة بابا) مما يخبر بأن دخول الجنة أمر متحقق، فقوله (للجنة) يفيد أن بابا للجنة من خارجها، وأما قوله:(في الجنة بابا) يفيد أنه بداخل الجنة، وأما الأمر الثاني:فهو قوله:( يقال له الريّان )، ومعلوم أن الريّان من الإرواء، فهل المقصود هنا إرواء من العطش وانتهى الأمر؟! فرسول الله [ يريد أن يلفتنا إلى أن الإرواء واقعٌ لكل جارحة صامت عن كل ما نهى الله عز وجل بنعيم من عند الله عز وجل في الجنة، إذن فليس الأمر متوقفًا عند حدِّ صيام البطن والفرج، وإنما لا بد من صيام الجوارح؛ ولذلك روى أبو هريرة عن رسول الله [ قال: “رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَرُ”.
فعلى كلِّ مسلم إذن أن يُصّوِّمَ الجوارح عن كل ما نهى الله عز وجل، وهذا يحقق معنى رائعًا وهو (وقف القلب لله عز وجل)، فمعلوم أن القلب هو الذي يُحرّك الجوارح ويوجّهها، فإذا أوقفا الإنسان قلبَه لله عز وجل، حكم القلبُ حركة الجوار، فتنفعل الجوارح لإرادة القلب، وإرادة القلب هو أن يوافق مراد الله عز وجل، ومن ثم فلا تقع الجوارح في أي معصية في حق الله تعالى أبدًا .
ورحم الله الإمام أبا حامد الغزالي؛ حيث أسس لدرجات الصوم، فقال: (اعلم أن الصوم ثلاث درجات صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص، وأما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة كما سبق تفصيله، وأما صوم الخصوص فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام، وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهضم الدنية والأفكار الدنيوية، وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر، وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين، فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا، حتى قال أرباب القلوب من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة، فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل الله عز وجل وقلة اليقين برزقه الموعود وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين ولا يطول النظر في تفصيلها قولا ولكن في تحقيقها عملا فإنه إقبال بكنه الهمة على الله عز وجل وانصراف عن غير الله سبحانه وتلبس بمعنى قوله عز وجل “قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون”.
فرمضان زمان شَرِيف هَيَّأَ الله لنا فيه فرصة إسقاط الذنوب وتسويتها وفتح صفحة جديدة معه عز وجل، ومعلوم أن الضيف إذا نزل بأهل دار، فإنه ينتظر أن يقوم أهل الدار بإكرامه، إلا أن رمضان ضيف جاء على عكس الحال المعتاد، فقد جعل الله فيه الإكرام والغفران والعتق من النيران، هكذا هذا الزمان الشريف (شهر رمضان)، فرصة أن نسوي كل الحسابات فيه، قال رسول الله [: “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”، وقال [: “مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”.
ويحدثنا فضيلة الداعية محمد فتحى سليم من علماء الأوقاف فيقول: الأمة الإسلامية جمعاء في الأيام القليلة القادمة تستقبل ضيفاً عزيزا ووافداً كريما تتشوّف القلوب إلى مجيئه وتتطلع النفوس إلى قدومه؛ إنه ضيفٌ حبيبٌ على قلوب المؤمنين عزيزٌ على نفوسهم، يتباشرون بمجيئه ويهنئ بعضهم بعضا بقدومه، وكلهم يرجو أن يبلُغَ هذا الضيف وأن يُحَصِّل ما فيه من خير وبركة؛ ألا وهو شهر رمضان المبارك شهر الخيرات والبركات، شهر الطاعات والقربات، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر الذكر والاستغفار والدعاء والمناجاة، شهر الجود والسخاء والبذل والعطاء والإحسان، شهرٌ تعددت خيراته وتنوعت بركاته وعظمت مجالات الربح فيه، ذلكم الشهر العظيم المبارك الذي خصه الله جلّ وعلا بميزات كريمة وخصائص عظيمة ومناقب جمّة تميزه عن سائر الشهور .
وقد كان النبي الكريم [ يبشر أصحابه بمقدم هذا الشهر الكريم ويبين لهم خصائصه وفضائله ومناقبه ويَسْتَحثَّهم على الجد والاجتهاد فيه بطاعة الله والتقرب إلى الله جلّ وعلا فيه بما يرضيه، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال إن رسول الله [ قال: “هذا شهر رمضان قد جاءكم فيه تفتّح أبواب الجنة وتغلَّق أبواب النار وتصفّد الشياطين”، وعن النبي [ قال: “إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَة”.
والأحاديث الدالة على فضل هذا الشهر وعظيم شأنه وكريم منزلته عند الله كثيرةٌ لا تحصى، عديدةٌ لا تستقصى، فالواجب أن نفرح غاية الفرح وأن نسعد غاية السعادة بإقبال هذا الشهر الكريم بخيراته الوافرة وميّزاته العظيمة {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} وأن نعرف له قدره، وأن نرعى له مكانته، وأن نقوم بحُسن وفادته وضيافته، وإن الفرح بقدوم هذا الشهر ومعرفة فضله ومكانته لمن أعظم الأمور المعِينة على الجد والاجتهاد فيه، ولم يضيِّع كثير من الناس الطاعة في هذا الشهر الكريم والإقبال على الله جلّ وعلا إلا من جهلٍ منهم بقيمته ومكانته، وإلا لو عرف المسلم هذا الشهر حقَّ معرفته وعرف قدره ومكانته لتهيَّأ له أحسن التهيُّؤ واستعد له أطيب الاستعداد، ولبذل قصارى وسعه وجهده واجتهاده في سبيل تحصيل طاعة الله والقيام بعبادة الله على الوجه الذي يرضي الرب تبارك وتعالى.