توب ستوريمقالات وتنوير

القرآن بين التنزيل والتضليل.. بقلم المفكر العربي علي محمد الشرفاء

التنزيل هو القرآن وهو كلام الله وآياته، أنزله الله على رسوله وكلَّفه بأن يقوم بتبليغه للناس، ويرشدهم إلى ما في آياته من منفعة لهم في الدنيا والآخرة، ويتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ويرسم لهم خارطة طريق السعادة في الدنيا، ويحذرهم من الطرق التي تؤدي بهم إلى خسرانهم في الدنيا والآخرة رحمة من الله بخلقه.

فلا يجوز أن تُوضع آياته تحت الشكوك، حين لا يكون في قدرة الإنسان تقييمها على أساس موازين العقل والمنطق والفهم المتعمق لمقاصد الآيات، إذ لا يستطيع العقل البشري أن يقارنها بما جاءت به من تشريعات وقواعد تنظم علاقات المجتمعات على الرحمة والعدل بتشريعات وضعها الفقهاء بما استطاعت به قدراتهم المعرفية و العقلية والفكرية في استجلاء مقاصد الرسالة الإلهية للناس جميعًا.

كلام الله وآياته لا تتوازن معها الفلسفات الإنسانية

ولا تستطيع أية صِيغ لغوية أو فلسفات إنسانية أن تتوازن مع الآيات الإلهية من حيث الحكمة والفكرة والصياغة اللغوية ومقاصدها لخير الإنسانية فهي فوق قدرة تقييم  الإنسان؛ حيث أنها لا تخضع للقوانين العقلية والاستنباطات الظرفية لكل عصر أو تكون تحت رحمة أفهام المفسرين وأحكامهم.

فكلمة الله ستظل هي العليا للمؤمنين مصدقين بها مطيعين لأوامر الله دون تردد أو ظنون أوشكوك، ولا تحتاج لضوابط تصحح مسارها ليصدقها الناس، ولا يملك العقل البشري أن يجاري رقي المعاني فيها وسلامة وجهتها وخير مقاصدها للناس جميعًا، أو أن يصل إلى الحكمة الإلهية من بعض التشريعات فيها.

أما التضليل فهي الروايات التي استحدثها مؤلفوها وبعض الفقهاء وأحبار اليهود ومحرفوا رسالة الإسلام متعددة المصادر، فقد اختلط بالروايات الحابل بالنابل، حين أقر بصحة بعضها فئة من الباحثين والرواة والفقهاء، وكذَّب بعضها فئة أخرى من الفقهاء، وأصبح الهوى هو الميزان لصحة الرواية من عدمه، وبتفاوت الأزمنة وتعدد الأمزجة والأهواء والمصالح السياسية تراكمت آلاف الروايات، تلك التي يُطلق عليها أحاديث، بل إنهم نسبوها إلى الرسول زورًا وظلمًا وبهتانًا وافتراءً.

الإسرائيليات أدت إلى تفرق المسلمين

هذا وقد تعددت أنواعها باختلاف الأسانيد والأدلّة المزورة، وساهمت الإسرائيليات بدور كبير في إحداث خلل خطير في كثير من الروايات التي أدت إلى تفرُّق المسلمين وقتالهم، حيث تحمل كل الأحاديث في طياتها ومراميها ومقاصدها وتعددها، مضمونًا يؤدي إلى نشر الفتنة، وتضليل المسلمين عن مقاصد دين الإسلام لما ينفع الناس وما يدعو لصلاحهم.

حيث تصل تلك التي أطلقوا عليها الأحاديث إلى أكثر من واحد وأربعين حديثًا مقسمة إلى أقسام عديدة، تحمل كل منها اجتهاد ناقلي الروايات التي تم جمعها بعد أكثر من قرنين بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام من آلاف المسلمين وغيرهم مع تعدد أحكام الأحاديث وانتفاء صحتها بتعارضها مع آيات القرآن الكريم، وما يؤكد مضامينها هو انتفاء قيمتها وتأكُّد تزويرها وافتراءات الرواة على رسول الله، وأمثلة على ما يطلق عليه الحديث ما يلي:-

(1) الحديث الصحيح                                (2)  الحديث الحسن

(3) الحديث الضعيف                                (4)    الحديث المُعلَّق

(5) الحديث المنقطع                               (6)  الحديث المُعضل

(7) الحديث المُرسَل                               (8) حديث مرسل الصحابي

(9) الحديث المُدلَّس                               (10) الحديث الموضوع

(11) الحديث المتروك                              (12) الحديث المنكر

(13) الحديث المطروح                             (14) الحديث المضعَّف

(15) الحديث المجهول                            (16) الحديث المُدرج

(17) الحديث المقلوب                             (18) الحديث المُضطرِب

(19) الحديث المصحَّف والمحرَّف                (20) الحديث الشاذ

(21) الحديث المعلل                               (22) الحديث المرفوع

(23) الحديث الموقوف                             (24) الحديث المقطوع

(25) الحديث المتواتر                               (26) خبر الآحاد

(27) الحديث المُسند                               (28) الحديث المتصل

(29) الحديث المسلسل                           (30) الاعتبار

(31)  حديث الفرد                                    (32) الحديث المعنعن

(33)  الحديث المؤنن                                (34) الحديث المنقلب

(35) الحديث العالي                                 (36) الحديث النازل

(37) الحديث الغريب                                 (38) الحديث المبهم

(39) الحديث المدبج                                 (40) الناسخ والمنسوخ

(41) المؤتلف والمختلف

روايات أضرت أكثر مما نفعت

وبتلك الفِرية وأعمال التزوير على الرسول يتوه المسلمون أهل السنة والجماعة في أكثر من 41 حديثًا علاوة على روايات فِرق الشيعة وأسانيدهم، يشغلون جُل أوقاتهم في روايات أضرت أكثر مما نفعت، وفرَّقت أكثر مما وحَّدت، وشجعت على الظلم أكثر مما دعت إلى العدل، وزرعت في النفوس الكراهية والقسوة أكثر مما دعت إلى الرحمة، هذا وقد اعتبرها القرآن أحاديث مفتراة على الله ورسوله كما جاء في قوله سبحانه: (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) (يونس: 69).

كما أن المذاهب الشيعية المختلفة أنشأت لها مرجعيات خاصة ومصادر للروايات والأحاديث لا تتفق مع مصادر السنة والجماعة ومنها (كتاب الكافى) للشيخ أبي جعفر الكليني وفيه أكثر من (16199) حديث ثم كتاب (من يحضره الفقيه) لأبي جعفر بن محمد القمي) وتضمَّن كتابه (5998) حديثًا، ثم كتاب (تعذيب الأحكام) لأبي جعفر محمد الطوسي وتضمنه (13590) حديثًا، ثم كتاب (الاستبصار فيما اختلف فيه من الأخبار) لأبي جعفر محمد الطوسي، ثم كتاب (الوافي) للشيخ محمد مرتضى الكاشاني والذى يضم (50000) حديثًا، يليه كتاب (تفصيل وسائل الشيعة) للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي يضم (35850) حديثًا، ثم كتاب (مستدرك الوسائل) للشيخ ميرزا حسين الطبرسي النوري ويضم (23000) حديثًا.

التجرؤ على اتباع الروايات

وعلى ما يبدو أن كلا الفريقين السنة والشيعة يعتمدون على نفس تقسيم الأحاديث من حيث السند والتسمية كما يلاحظه القارئ في تقسيم الأحاديث عند السنة والجماعة، وعندما توضع كل تلك الروايات والأحاديث لكلا الفريقين أمام حكم القرآن على الأحاديث؛ يعتبر حكمها مقارنة بالآيات هي والعدم سواء تأكيدًا لقوله سبحانه مخاطبًا رسوله الأمين في قوله تعالى: (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) (الجاثية:6)

فهنا يخاطب الله رسوله بخطاب استنكاري، كيف تجرَّأ الناس على اتّباع روايات سُميت بالأحاديث منسوبة بواسطة الصحابة للرسول الكريم؛ يؤمنون بها ويصدقونها ويقدسونها ويتركون آيات الله التي أنزلها سبحانه على رسوله الأمين ويهجرون تشريعاته وعظاته، وهو يدعوهم إلى سبل الخير والسلام ليخرجهم من الظلمات إلى النور، يحقق لهم الأمن والاستقرار ويبين لهم ما ينفعهم؟ ويضئ لهم الطريق المستقيم كما ورد في قوله سبحانه : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (124) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى )(126: طه )

ويقول سبحانه: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر: 23)، ثم يقول عزّ وجلّ: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ )(المرسلات: 49-50)، ويقول سبحانه مؤكدًا أن كلام الله هو الحديث ولا غيره حديثًا: (..وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا) (النساء: 87)، كما قال سبحانه: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) (الكهف: 6)، وقول الله سبحانه أيضًا: (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ)(الطور: 34).

الله سبحانه يتحدى أصحاب الروايات

فالله سبحانه يتحدى أصحاب الروايات ومبتدعي الإسرائيليات بأن يأتوا بحديث مثل آيات الله وكلماته في قرآنه المبين، وعندما شُلَّت أفكارهم وتعطلت عقولهم وعجزوا أن يأتوا بما تحداهم به خالقهم؛ توجَّهوا بما سوَّلت لهم أنفسهم بتأليف روايات مزورة على الرسول وأساطير مُحرَّفة لرسالة الإسلام ثم يقول لهم سبحانه: (أَفَبِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ) (الواقعة: 81)، ويتكرر الموقف الاستنكاري في قوله سبحانه: (أَفَمِنْ هَٰذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ) (النجم: 59)، ثم يحذِّرهم سبحانه: فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (القلم: 44-45).

وتعني تلك الآيات المذكورة أعلاه تأكيدًا لما سبق بالتشديد بالأمر الإلهي القاطع بعدم اتّباع كل ما سُمي أحاديث جاءت بها روايات كاذبة مفتراة على الرسول الكريم، لأن الله سبحانه لم يكلف الرسول عليه الصلاة والسلام بغير ما أنزله الله عليه في قرآنٍ مبين ليبلّغ آياته للناس جميعًا، ولم يكلفه سبحانه بأمر آخر غير تلاوة آياته على الناس، وتبيان الحكمة من تشريعاته وتعريف الناس بمقاصد الخير وما ينفعهم في الحياة الدنيا والآخرة من آياته، وتعليمهم شعائر العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج بيت الله والالتزام بآداب القرآن وأخلاقياته التي كونت شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام وطبَّقها في سلوكياته مع أهله وقومه ومجتمعه.

الخلاصة

(1)  القرآن على مدى أربعة عشر قرنًا لم يستطع المتآمرون أن يبدلوا من آياته أو يضيفوا عليه أو يضعوه تحت تحكيم العقل من حيث المصداقية أو يبينوا فيه ضعفًا في المقصد والمعنى والمبنى، لأن الله سبحانه تحدَّى الناس بقوله: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة: 23)، كما تعهَّد الله بحفظه في قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9)

ولن تخضع آياته للشكوك والظنون مهما حاول المجرمون ولن ينجح أعداء الإسلام في محاولات الافتراء والتزوير والله سبحانه يتحداهم بقوله: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة: 32)

أما الروايات التي أطلقوا عليها الأحاديث فهي أقوال بشرية وروايات إسرائيلية وأساطير مروية افتُريت على رسول الله وما يدل على تلك الافتراءات حين تصبح الأحاديث موزَّعة على (41) نوعًا صنعها وقسَّمها البشر، ونشرتها قوى خفيّة تستهدف النَّيل من القرآن وعزله عن المسلمين ليتوهوا بين الروايات حيث يقول سبحانه: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان: 30)

سنة الرسول وردت في القرآن

لقد التبس الأمر على الناس بين الفعل والقول، فسنة الرسول هي كل صفات الفضيلة التي وردت في القرآن الكريم والقيم النبيلة التي كانت هي سلوك سيرته بين الناس، لأن السنة عمل وليست أقوال أو روايات تأكيدًا لقوله سبحانه وتعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب: 21)

والأسوة هي السيرة والمعاملة السلوكية تطبيقًا للآداب القرآنية والسنة الحقيقية والفعلية هي القدوة، والقدوة عمل فالله يريد لعباده أن يقتدوا بسلوك الرسول في أخلاقياته وتعامله مع كل الناس دون تمييز بالرحمة والعدل والإحسان والسلام-  وغيرها من القيم السامية، ونظرًا لتشويه السنة الفعلية وإطلاق مُسمى السنة على الروايات المفتراة على الرسول؛ حدثت الكوارث للمسلمين من تشرذم وتفرُّق واقتتال وتعدد المرجعيات وحلَّت البغضاء والكراهية بينهم بدلًا من المودة والرحمة، حدث ذلك في الماضي ويحدث اليوم، فكم من دماء سالت؟ وكم من مدن دُمرت؟ وكم من نساء ترمَّلت بسبب تلك الروايات، وما أطلقوا عليها سنة مطهَّرة؟

واليوم تحدث تلك الجرائم باسم الإسلام من داعش والتكفيريين والإخوان والقاعدة وغيرهم من الذين يرفعون شعار الإسلام باسم الله اكبر،  يقتلون الأبرياء ويدمرون المدن ويشردون الأطفال.

تشويه صورة رسالة الإسلام

هل ذلك ما يريده المسلمون لتشويه صورة الدين الإسلامي والإضرار بمكانة الرسول عليه الصلاة والسلام؟ وتشويه سيرته العطرة؟، وتشويه صورة رسالة الإسلام التي تدعو للرحمة والإحسان والعدل؟ و لو أنهم  اتبعوا سيرة الرسول وأفعاله وسلوكياته لما حدثت للمسلمين تلك الكوارث منذ أربعة عشر قرنًا إلى اليوم، ولكن أكثر المسلمين ما زالوا مُصرّين على أن الروايات المزورة والإسرائيليات والحكايات المنسوبة للرسول هي سنة الرسول يجب أن تُتبع وهي المرجعية الشرعية للمسلمين.

إضافة لذلك كان النبي محمد عليه الصلاة والسلام يتصف بأنه قرآنٌ يمشي تأكيدًا على تطبيقه كل الصفات النبيلة، وعناصر الفضيلة في سيرته وتعامله مع الناس، ولذلك وصفه الله سبحانه: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4)، وقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107)، فهل من يمارس تلك الصفات سيدعو الناس لقتل الأبرياء أو الاعتداء عليهم أو إقصاء من يخالف دينه أو عدم رد السلام على من يؤمن بدين آخر أو  يعتدي على حقوق الناس أو يتكلم عنهم في غيبتهم أو يستولي على حقوقهم.

ضرورة ارتباط القول بالعمل

تلك الصفات التي وصفها الله لسلوك رسوله تفرّق بين المسلم المؤمن وبين المسلم الذي يهتم بالشعائر فقط فيصبح مسلمًا اسمًا ويهمل اتّباع الرسول في أخلاقياته ومعاملاته، والله سبحانه وصف المسلم بقوله: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت: 33) فارتبط القول بالعمل كماجاء في القرآن الكريم بأنه؛ تطبيق التشريعات والالتزام بالأخلاقيات في العلاقات الإنسانية وعمل الصالحات واتخاذ الرحمة مبدأ والعدل قاعدة والأخلاقيات سلوكًا وأداء العبادات وما تتطلبه من تأديتها في أوقاتها من صلوات وصوم وزكاة وحج بيت الله الحرام، وليس المسلم من صلى وحج فقط، والله ينبّه المسلمين من خطورة تجزئة أركان الدين بقوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (البقرة: 159)

فعلى المسلمين أن لا يصدقوا كل الروايات المنسوبة للرسول والمزورة من إسرائيليات وأساطير مكذوبة عليه، سيتحمل مسؤولية من نقَلها أو روَّجها أو نشرها أو آمن بتلك الروايات ويكون مصيره جهنم وعذاب عظيم حيث يقول سبحانه: (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) (يونس: 69)  بأن علينا اتباع سيرة الرسول التي أمر الله المسلمين بأن يتبعوها في قوله سبحانه: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب: 21) والله يصف رسوله بقوله سبحانه: ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ / التوبة : 128 ) . وكما دعى الرسول بقول الله سبحانه: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31)) (آل عمران:31)

أين الرحمة في قلوب الذين يدعون أنهم مسلمون؟

فأين الرأفة في قلوب الذين يدَّعون أنهم مسلمون ويقتلون الأبرياء بدم بارد وينشرون الفتنة والتحريض على إسالة الدماء، أمثال الإخوان والقاعدة وداعش وقبلهم الخوارج والقرامطة والزنج والفرق الإرهابية في الماضي؟ أين الرحمة التي وصف الله بها رسوله، هل رحموا الأطفال من القتل والتشريد؟ هل رحموا كبار السن من التشريد والتهجير؟ هل رحموا الأرامل وهم يرون بأعينهم ذبح أبنائهم؟ فأي رسول أولئك يتبعون؟ وأي دين يدعو للشر والقسوة والإجرام ينتسبون؟ ثم يخاطب الله رسوله عليه الصلاة والسلام بقوله: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت: 45 )

وهل صلوات الإرهابيين منعتهم من الفحشاء والاعتداء على الناس واستباحة حقوقهم وتدمير مدنهم وتشريد الناس من أوطانهم؟ وهل منعتهم صلواتهم عن المنكر، وهل كل ما يتناقض مع التشريعات الإلهية التي تأمر بالرحمة والعدل والإحسان والتسامح والتعاون ونشر السلام بين الناس وتحث على التعاون وعدم الاعتداء على الناس، وتدعو للبر والتقوى من ارتكابهم تلك الجرائم الشنيعة ضد الإنسانية؟ الجرائم التي يرتكبها الإرهابيون الذين اتخذوا الروايات المنحرفة والمزورة مرجعية لهم، لا شك أن الله قد حكم عليهم بقوله: ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة: 33) ويصفهم الله سبحانه بقوله: ( قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرينَ أَعمالًا (103) الَّذينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَهُم يَحسَبونَ أَنَّهُم يُحسِنونَ صُنعًا (104)) (الكهف )

ألم يذكِّر الله الناس بقوله سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة :2)، هل اتَّبعوا ما أمر الله به بالتعاون على البر والتقوى؟، وهل امتنعوا عن الإثم وكفُّوا أيديهم عن العدوان؟ كيف يدَّعون أنهم مسلمون ويجرمون ويقتلون بتوحُّش، إنهم للإسلام لا ينتمون وأصبحوا بالشيطان يؤمنون ويكفرون بدين الله وآياته وهم يزعمون أنهم مسلمون.

الروايات أفسدت العقول

لقد كان للروايات التي استُحدثت بعد وفاة الرسول الأمين أثرها البالغ في العزوف عن القرآن وهديه، حيث تمكنت من التغلغل في عقول المسلمين والتحكم في أفكارهم وعقائدهم يرددها ويقدسها بعض فقهاء المسلمين ودُعاتهم حتى استحكمت في أفكارهم، وأصبحت منطلقًا لعقائد فاسدة تتناقض مع رسالة الإسلام التي تدعو للرحمة والعدل وحرية المعتقد والإحسان والسلام، وأولئك المضللون برواياتهم والإسرائيليات التي تناقلت ونسبوها للرسول زورًا وبهتانًا؛ تدعو المسلمين للقسوة والعدوان وقتل الأبرياء وإصدار أحكام الرِّدة على من لا يتبع مذاهبهم.

تلك التي تفرقت إلى مذاهب عِدّة تتصارع مع بعضها على المكانة والمرجعية لرسالة الإسلام، وكل منهم يدّعي بأنه الفئة الناجية وغيره هم الفئات الضالة. والله أنبأ رسوله الكريم عن تفرُّق المسلمين إلى طوائف وفِرق بقوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (الأنعام: 15)

توظيف الروايات لخدمة الأعداء

من هنا استغل أعداء الإسلام تلك الروايات وعملوا على توظيفها لخدمة الأهداف الصهيونية في تحقيق ما يسعون إليه، من إقامة دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات مستخدمين تلك الفِرق الضالة التي اعتمدت عقيدتها على مرجعيات بعض فقهاء الزور والباطل ليوظفوهم في تدمير الدول العربية، وينشرون الرعب والفزع فيها ويقتلون الآلاف بدم بارد ويهدمون المدن والبيوت على أصحابها الآمنين، فأنشأوا فرق داعش والقاعدة والإخوان والتكفيريين للانتشار في الدول العربية يعيثون فيها فسادًا وقتلًا وتدميرًا كما حدث ويحدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا؛ مثل الذين كانوا ينتمون إلى فرق ضالة في الماضي أمثال الخوارج والقرامطة والحشاشين والزنج وغيرهم، إذ تم استدعاؤهم بأسماء حديثة تتناسب مع هذا العصر ليقوموا بتشويه رسالة الإسلام، رسالة الرحمة والسلام.

فاستدعوهم من ماضٍ سحيق مليء بالكراهية والحقد والإرهاب، فجاءوا إلينا اليوم وهم يحملون شعار رسالة الإسلام والتي تحمل معاني السلام والعدل والرحمة، وإذا بهم قد قدموا ليمارسوا إجراماً حرّمه الله على الناس جميعًا بقتل الأنفس البريئة، لم يراعوا حرمة النساء ولم يحترموا براءة الأطفال فاغتالت أيديهم المضرجة بالدماء الآباء والأمهات والأزواج والأطفال وزرعوا الرعب في قلوب الآمنين، وحصدوا الرؤوس دون رحمة أو وازع من ضمير أو أخلاق أو دين.

كيف أتيتم ومن أي عصر قدمتم!

هل أنتم الصورة المعدلة للتتار؟

أم أنتم من الخوارج أم القرامطة؟

هل عقدتم صفقة مع الشيطان الأكبر وتابعه إسرائيل؟

هل هانت عليكم أوطانكم حتى أصبحتم معاول هدم وتدمير في كل قطر عربي؟

هل سُلبت عقولكم وغابت ضمائركم فحصدتم الأوهام مقابل أرواحكم؟

هل تحققت لكم المتعة في الدماء التي تريقونها والأرواح التي تزهقونها؟!

هل أنتم مستمتعون بملايين اللاجئين من السوريين والعراقيين والليبيين؟ أم أنكم تقومون نيابة عن إسرائيل بتحقيق أهدافها من النيل إلى الفرات؟ وما الثمن الذي تأملون؟ وما الجائزة التي تنتظرون؟

لن تنالوا غير الخزي والعار يلاحقكم في الحياة الدنيا وعذاب الآخرة، فالله سبحانه يصفكم في كتابه الكريم: وقد فقدتم أوطانكم وتنازلتم عن أعراضكم وأصبحتم مع أسركم لاجئين، فقدتم كل عناصر الحياة الكريمة للإنسان، تعيشون في ذلٍ وهوان وندم حيث لن ينفعكم الندم. والله يصفكم بقوله سبحانه: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10) وإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)) (البقرة)

ويؤكد سبحانه وتعالى نقضهم عهد الله بقوله: ( الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (البقرة: 27)

وأن الله قدّر عليهم حكمه وأقرَّ عليهم أمره بقوله: (إِنَّمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِــنْ خِـــلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِـــنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُـــمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ في الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة : 35)

الإسرائيليات مرجعية المناهج الدينية 

علينا أن نعلم أن الإرهاب فكر تشرّبته العقول من المناهج الدينية ذات مرجعية للروايات والإسرائيليات البعيدة كل البُعد عن كتاب الله والتي وضِعت بدراسة علمية للنفس البشرية، لتشكيلها وتوجيهها بما يحقق أهداف أعداء رسالة الإسلام ويوظفونها في خدمة القتل والتدمير لإخوتهم وأبناء جلدتهم؛ لتخلق حالة من الصراع الديني في المجتمع العربي المسلم.

حين يتحول مضمون تلك المناهج عند الجهلة بالإسلام إلى عقيدة راسخة في عقولهم بأن كل جريمة يرتكبونها ضد الإنسان، هي أمر إلهي ينال رضى الله ويجازيه بالجنة ويغفر له ذنوبه ويرضى عنه وفق عقيدتهم المستمدة من الروايات والإسرائيليات لتشجعهم على الاستمرار في طريق الشر والعدوان، وأن كل من لا يسير على دربهم ويعتنق عقيدتهم الباطلة فهو كافر مرتد يحق عليه العقاب بالقتل.

ويصبح المجرم القاتل هو القاضي؛ يقيم حد الرِّدة تنفيذًا لأكذوبة ألَّفها أعداء الإسلام وسمَّموا بها عقول كثير من العوام، وخالفوا حكم الردة في القرآن الذي حدده الله سبحانه في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة: 54)

ولم يخوِّل الله سبحانه أيًا من رسله وأنبيائه بمحاسبة المرتد عن دينه في الحياة الدنيا؛ بل ترك الأمر للرحمن يقضي فيه يوم الحساب من منطلق أن العبادات قضية بين الله وعباده ولا شأن للناس التدخل في أمور دينهم، تأكيدًا لقوله سبحانه مخاطبًا رسوله الأمين: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس : 99 )

الفقهاء حرفوا التشريع الإلهي

إن فيما رواه بعض الفقهاء افتراءً على الله وعلى رسوله الأمين لتحريف التشريع الإلهي وخداع المسلمين بتشجيع قتل الأبرياء، بالرغم من أن الله سبحانه ترك حق الاختيار للإنسان بكل الحرية في اختيار العقيدة التي يؤمن بها دون إكراه، وحساب الناس جميعًا عند الله وليس عند البشر ولم يكلف الله سبحانه رسولًا أو نبيًا أو أي أحدٍ من خلقه أن يكون وصيًا بالنيابة عن الله في عقائد عباده.

وقد ساهمت الروايات المزورة  على الرسول بأن كل من يقتل كافرًا أو من لا يدخل الإسلام، فعلى المسلم قتاله، ومن ينفذ أحكام الفقهاء الشريرة ويقتل غير المسلمين في حالة امتناعه عن الدخول في الاسلام فجزاؤه عند الله أجرًا عظيمًا يمحو كل سيئاته ويغفر له ذنوبه ويجزيه جنات النعيم  ويمنحه الله الجزاء الأوفى بتكفير مسلم أو غير مسلم وقتله ظلمًا وعدوانًا.

هكذا سوَّلت لهم نفوسهم المريضة الشيطانية بما تشرَّبوه من فِكر مريض مصدره الروايات المزورة على الرسول وتحريف آيات القران الكريم الذي تؤكد آياته بأن الله سبحانه لم يعيِّن رسولًا أو نبيًا أو فقيهًا من خلْقه ليكون وصيًا على عقائد عباده ودياناتهم في قوله سبحانه: ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ) (الشورى: 48)

وفى عقيدة هؤلاء الإرهابيين أن أكثر المسلمين في المجتمع كفرة إلا من يتبع مذهبهم وإمامهم، فكل عضو إرهابي في منظمة الإرهابيين عليه مسؤولية توقيع الحد الإلهي على المرتد والكافر والتكليف له بالتنفيذ، يكسبه قربًا من الله وفي الجنة تتلقفه الحور العين، تحقق له المتعة الأبدية والسعادة، حيث لا يجدها في حياته الدنيا، فيسعى إليها دون تردد بتفجير نفسه في الأبرياء وقتلهم ظلمًا وعدوانًا.

علماء اليهود حرفوا مراد الله ومقاصد آياته

هكذا استطاع علماء اليهود وحاخاماتهم وناقلو الروايات وبعض فقهاء المسلمين أن يعبثوا بالإسلام ويحرفوا مراد الله ومقاصد آياته التي أنزلها سبحانه لخير الإنسان ومنفعته وصلاحه في الدنيا والآخرة وقد تبعهم بعض فقهاء المسلمين وأئمة المذاهب، ونجحوا في تضليل الشباب المسلم بمنهج الروايات المزورة والباطلة التي افتُريَت على الرسول، والتي سُميت «أحاديث»، حتى يتم تصديقها وتقديسها، وما تنفثه من سموم في عقول الشباب، وما قاموا بتعليمه للشباب من خطاب الكراهية ونشر الفتنة والتحريض على القتل مستندين إلى أقوال مزورة تم افتراؤها على الرسول، كقولهم: «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ).

ذلك ما رواه البخاري ومسلم من روايات الباطل والبهتان والتي تتناقض مع آيات الله وتتصادم مع صريح القرآن الكريم والتي استندت إليها الفرق الضالة في قتل الأبرياء، ويؤكد الله سبحانه حكمه في حرية الاعتقاد خاطب رسوله موجها  بقوله: (وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف: 29)، وقوله تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: 125)

تلك الآيات أحكام صريحة وواضحة لا تقبل الشك أو الجدل أو الالتباس في الفهم، فكيف استقى أهل الروايات بعد قرنين من الزمان وألَّفوا مقولات كاذبة مزورة ومحرفة لرسالة الإسلام والله يأمر رسوله باتباع تعليماته في نشر الدعوة لدين الإسلام مخاطبًا رسوله الأمين بقوله سبحانه: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل: 125)، ثم يخاطبه بقوله سبحانه: (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ۖ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ۚ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) (الإسراء: 54)

تدريس السموم لطلبة الأزهر 

كيف استطاعوا تغييب تلك الآيات العظيمة التي تعبّر عن الحرية وأسلوب الدعوة الحضاري، وقاموا بتدريس تلك السموم والافتراءات على الرسول لطلبة الأزهر والمعاهد الدينية في العالم العربي والإسلامي؟، ليتخرج الشباب بعقول مشوشة وصورة مبتورة ومحرفة عن دعوة الإسلام والحق والسلام وما تدعو إليه من حرية العقيدة حيث يقول سبحانه: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف: 29)، كيف تشتكي الدول العربية والإسلامية من الإرهاب والمؤسسات الدينية وهي تُخرّج آلاف الإرهابيين وهم يحملون هذا الفكر المجرم عديم الضمير والإنسانية وهو المسلًّح بالقسوة والكراهية، عدوًا للحياة وعدوًا لنفسه، الذي تخلّى عن رسالة الإسلام التي تدعو للرحمة والإحسان والعدل والسلام والتعاون والله يأمر عباده بقوله: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2)

فهل يجوز المجاملة في حق الله وحق رسوله؟ هل نخشى عباده الذين تورمت ذواتهم وتعالت نفوسهم وتكبروا على كتاب الله الذي يبلِّغ الناس بحكمه يوم القيامة، وجعلوا من أنفسهم ومن شيوخ الدين أو الدعاة المرجعية الوحيدة للإسلام؛ وهم المكلفين باحتكار دعوة الناس للدين، والله ينبئهم بقوله سبحانه: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص: 83 )

كيف سيكون حساب أولئك الشيوخ يوم الحساب؟.. هل ستكون إجابتهم كما يقول  سبحانه: ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان: 27-30)

كيف نقدس روايات استحدثها بشر وكتبًا تم تأليفها وكتابتها بعد قرنين من الزمن منسوبة لأقوال الرسول تتناقض مع آيات القرآن الكريم، وهو الخطاب الإلهي للناس يدعوهم للإسلام والرحمة والإحسان والعدل؟

لماذا الاستسلام لروايات الباطل؟

لماذا الاستسلام لروايات الباطل والبهتان المبنية على التزوير والتحريف وتقديسها ليستمد المسلمون منها عقائدهم وأحكامهم ويهجر المسلمون كتاب الله وما بلغهم به رسوله الأمين من الآيات البينات؟ وكيف تحقق تراكم روايات الباطل في العقول منذ أربعة عشر قرنًا؟ حتى طغت على الآيات وتحوَّل الفقهاء إلى تقديس الروايات بدلًا من الآيات؛ فتاه المسلمون في الظلمات والتخلف والشِقاق والتناحُر، والأمم الأخرى تتقدم بالعلم والاكتشافات، والمسلمون الذين يُفترض أن يكونوا في مقدمة الرَّكب الحضاري وآيات الله تحثهم على العلم والتفكُّر والتدبر في كتابه المقروء، وكتابه المنظور وهو الكون وما يخفيه من أسرار.

ألم يحسم الله سبحانه قضية الروايات «المفبركة والمفتراه على الرسول»، بقوله سبحانه يخاطب رسوله: (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) (الجاثية: 6). فكيف بعد هذه الآية يقيم المسلمون وزنًا وأهمية وتقديسًا لأقوال الباطل وهذه الآية وغير مما سبق تنسف كل الاحاديث المبنية على الروايات؟!

لذا أتوجَّه إلى الله بالدعاء أن يستيقظ أصحاب القرار في العالم العربي لوضع خطة استراتيجية لتصحيح المفاهيم الإسلامية، لكي تكون مرجعية رسالة الإسلام الوحيدة هي كتاب الله المبين وقرآنه العظيم لوضع مناهج الدراسات الإسلامية مستمد من التشريعات الإلهية والعظات الربانية والأخلاقيات والفضيلة التي تدعو إليها الآيات في كتابه الحكيم، ويتم تأهيل الخريجين من المعاهد الدينية، بكافة مستوياتها، على هذا الفهم الصحيح للدين، كإجراء وقائي حتى يتم اقتلاع السموم من عقول الشباب، وليس هناك طريق آخر لإصلاح ما تم إفساده إلا بالعودة للخطاب الإلهي وكتابه الكريم والرجوع للقران الكريم وتنفيذ أمر الله للناس بقوله سبحانه: ( اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) (الأعراف: 3)، ليخرجهم الله من الظلمات إلى النور فكفى المسلمين عيشًا كالخفافيش يستمعون في الظلمات.

لقد تمكّنت بعض الدول الاستعمارية ذات الاستراتيجيات الخبيثة والشيطانية بأجهزة مخابراتها وما تملكه من وسائل علمية متطورة فى تشكيل العقل العربي من خلال ما تنقله مختلف وسائل الإعلام والدعاية والنشر؛ لتحقيق استراتيجية الدول الغربية التي تستهدف تدمير الوطن العربي وتمزيقه وتقسيمه لكي يتحقق لها استغلال ثرواته، والسيطرة على منابع البترول الذي هو من أهم العوامل في العصر الحاضر لاستمرار الحضارة الإنسانية وتطورها، فاستطاعت اختراقنا من خلال هذا الفكر الخبيث.

وما يُخطط للوطن العربي ليس بجديد، فالتاريخ يعيد نفسه في تنفيذ تخطيط تقسيم الوطن العربي، بواسطة (سايكس- بيكو) وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا، حين وقعوا اتفاقية تقاسم الدول العربية بينهما، وعاثوا فيها سرقة وفسادًا واضطهادًا في تاريخ 1916، وأعقبها إعلان بلفور بمنح فلسطين لصالح العصابات الصهيونية وبذلك غرزوا خنجرًا فى الوطن العربي عزل مشارقه عن مغاربه؛ والعرب نيّام مختلفين فيما بينهم أيهم يتزعم الإسلام، وأيهم يقود العالم العربي ويقود شعوبها للمستقبل، وبين الصراع على الزعامة وإعلاء هوية كل شعب على حساب شعب آخر؛ تضيع آمال الأمة العربية في الوحدة.

ويحدث الصراع أيضًا بين الحكومات وتتأثر به الشعوب ويشمل التفرُّق مساحة أكبر ، كما يقوم الإعلام العربي بدوره في إشعال النيران بدون وعي وإدراك بما ستخلّفه أقوالهم من حطام وإحباط للشعوب العربية، ويستغل الذئاب تلك الفرص لتحقيق أهدافهم في استنزاف الثروات العربية وعودة الاستعمار للوطن العربي من جديد.

وقد وظَّفت الدول الاستعمارية في هذا القرن أبناء الوطن العربي، وبعض أبناء الدول الإسلامية في القيام بحروب داخل الدول العربية، بالوكالة عن الدول التي خططت لانتشار الاٍرهاب من أجل إسقاط الأنظمة العربية، حين استثمروا الروايات والإسرائيليات التي أُطلق عليها زورًا وظلمًا أحاديث نُسبت للرسول عليه الصلاة والسلام من أجل أن تكون لها المصداقية، وظفتها أجهزة المخابرات الغربية لخدمة أهدافها الملعونة  لتتحول إلى عقيدة  تمكنت من عقول الشباب وينشروا الفزع بين المواطنيين فى الدول العربية حتى أوصلتهم إلى تفجير أنفسهم في الأبرياء وسفك الدماء  وتكفير المجتمع، ليتولوا القيام بعقاب الكفرة في المجتمعات الإسلامية التي يعيشون فيها، حسب فلسفتهم بالقتل وسفك الدماء بلا رحمة ولا رأفة بالعجوز الكبير أو الطفل الصغير، وتسببوا في تشريد مئات الآلاف من أبناء سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال وجعلهم يهيمون على وجوههم في كل مكان.

ولقد وصف الله سبحانه رسوله بقوله: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107) رسالة الله للناس جميعًا أن ينشروا الرحمة بينهم، حيث أرسل رسوله عليه الصلاة والسلام بالرحمة لكل البشر دون تمييز، وأصبحت الرحمة هي الميزان الحقيقي الذي يُقاس عليه انتماء الإنسان للإسلام، وما تحمله الرحمة من أسمى معاني الإنسانية من تعاطف مع الضعيف ومد يد العون للمساكين، ومساعدة الفقراء، وكفكفت الدموع عن البائسين والوقوف مع الحق وعدم الاعتداء على الأبرياء، والله يأمر المسلمين بقوله سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ) (المائدة:2)

فالله يحرِّم العدوان، ويتوعَّد المعتدين بعذابٍ أليم في الدنيا والآخرة، فالله يخاطب الذين ضلوا الطريق المستقيم واتبعوا خطوات الشيطان في بغيهم على الناس، والاعتداء على أرواحهم والاستيلاء على أموالهم ويفسدون في الأرض بقوله سبحانه: ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) (الشعراء: 227)

وحينما نضع ميزان الرحمة التي أرسل الله بها نبيه للناس، فماذا ستكون صفة الذين يقتلون الناس بدون وجه حق ويمارسون الإرهاب في المجتمعات الآمنة، ويثيرون الفزع والخوف لدى المواطنين؟ فهل أولئك الإرهابيون ينتمون لرسول الرحمة ويتبعون ما أنزله الله عليه من آيات تدعو للعدل والإحسان والسلام والتعاون؟ وتحريم العدوان على الناس واقتداء برسول الرحمة التي وصف الله بها رسوله في قوله سبحانه: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107)

فأين الرحمة في قلوب أولئك الأشقياء في تهديد الآمنين وقتل المسالمين تطبيقا لمقاييس الرحمة وانتفائها من قلوبهم؟، ماتت ضمائرهم، وتوحَّشت قلوبهم وقست نفوسهم المريضة  فأصبحوا لا ينتمون لرسول الإسلام، ولا يقتدون بسيرته وقد خرجوا على شرع الله وهم يحاربون الله ورسوله، أغراهم الشيطان بارتكاب تلك الجرائم التي تتناقض مع آيات القرآن وتشريعات الرحمن، لقد مرقوا من الإسلام وانقطعت صلتهم بكتاب الله وتعليماته لعباده، وما يقومون به تحت شعارات إسلامية بارتكاب جرائم إرهابية في جمهورية مصر العربية، وغيرها من الدول الإسلامية ودول العالم، إنما هو عمل شيطاني ارتضوا لأنفسهم بأن يكونوا من أتباع الشيطان الذي يغوي أعوانه ويزيّن لهم إجرامهم، حتى إذا جاء يوم الحساب يصف الله سبحانه موقفهم مع الشيطان بقوله: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (إبراهيم: 22)

فلن ينفعهم حينها شيوخهم الذين أغروهم بارتكاب الجرائم بالروايات المفتراه على الرسول، وسوَّلوا لهم بأن ذلك هو الحق في قتل الأبرياء وإرهاب الآمنين، وأشعلوا في نفوسهم الكراهية ضد أبناء وطنهم، يحاربون دولتهم ويسعون لإسقاطها لصالح أعداء الإنسانية وأعداء الحرية والسلام.

فأين يذهبون بعدما تلطخت أياديهم بدماء الأبرياء؟ والله سبحانه يقول: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد: 16)، ألم يأن للمسلمين أن يتقوا الله، ويكفوا أيديهم عن إخوانهم ويوقفوا عدوانهم على بعضهم!

ألم يئن لأردوغان الذى يدّعى بإعادة الخلافة معيّنا نفسه خليفة للمسلمين ليستعمر الوطن العربي الذى عاث فيه أجداده العثمانيون قتلًا وفسادًا؛ ليعيد الماضي الأسود والبغيض مرة أخرى ليتحكم في الوطن العربي ويستنزف ثرواته، وهوالذي احتضن الفِرق الإرهابية ودربتهم مخابراته وقدَّم لهم السلاح والمال ليعيثوا في الدول العربية قتلًا وفسادًا وتدميرًا؛ أمثال داعش والإخوان والقاعدة والنصرة وغيرهم من الفئات الظالمة الضالة. رافعًا شعار الإسلام دون أن يخشى الله في إجرامه ضد أبناء الشعب السوري والشعب الليبي والشعب العراقي، ألم يخَف عقاب الله أن يأتيه من حيث لا يحتسب!، ألا يتعظ بإنذار الله بجند من جنوده ينشر الموت في كل مكان، حيث لا تمنعه الأسوار ولا الحراس ولا الجيوش بأسلحتها الفتاكة!، يسلط الله غضبه وعقابه بما ارتكبه من جرائم في قتل الآلاف من أبناء الشعب السوري، وتشريد الملايين وسفك دماء الأطفال، هل ما يقوم به أردوغان من غدر وخِسة وغزو للأوطان من الإسلام أو الإيمان؟ أم أن ما يرتكبه من جرائم ضد الإنسانية وسفك دماء الشعوب  هو عمل من أعمال الشيطان؟

فمتى يعود المسلمون للحق وهو سبحانه يريهم آياته وينذرهم بها في قوله تعالى: ( وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ )(6:الأنعام)

فالله سبحانه بلطفه ورحمته ينذر عباده بأن يتبعوا الحق والعدل والرحمة، ويحذرهم بآياته لعلهم يرجعون إلى الله، ويرجعون عن ظلمهم للإنسان، ففي كل عصر يرسل سبحانه الرسل والأنبياء ليُذكّروا الناس بنعمة الله إن اتبعوا كتابه وينذرونهم إن غرتهم الحياة الدنيا ليفسدوا فيها ويهلكوا الحرث والنسل، ألا يدركون بأن عذاب الله شديد؟ ألا يعلمون بأن الله مُطَّلع على أعمالهم؟، كما قال سبحانه: ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) (إبراهيم: 42)

صدق وعد الله ونفذ أمره، حيث يعيش الناس في كل مكان من الأرض شاخصةً أبصارهم شاحبةً وجوههم، يحيط بهم الرعب والخوف والهلع من كل مكان عندما انتشر وباء (الكورونا) حينما يصور لنا القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرنًا غضب الله على عباده الجاحدين نعمته المتكبرين في ملكه الظالمين المجرمين في حق الناس قوله سبحانه:  (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)) (عبس)

هذه هي الحالة بكل أبعادها وآلامها ومآسيها يعيشها العالم أجمع، فمتى نعتبر؟ ومتى يرجع الناس إلى الله؟ فاليوم يستفيق الناس على غضب الجبار فلا أعذار لمن تحدى الله، ولا تسامح لمن ظلم أحدًا من خلقه، ولا رحمة لمن لم يرحم عباده في الأرض، ويمد يده للمحتاج، ويمسح دموع البائسين، ويرفق بالفقراء والمساكين، واتقى الله في أعماله، وأطاع الله في أوامره.

فليس بعد آيات الله التي تنذر الناس وتنهاهم عن ارتكاب الظلم والإجرام لكي يستيقظ الإنسان ويتوب إلى الله توبةً نصوحًا يستغفرون ربهم إن الله كان غفورًا رحيمًا، ويرجعون عن ظلمهم وإعادة الحقوق للناس داعين الله مخلصين ومنيبين بأن يرفع عنهم (وباء الكورونا) ويلطف بهم ليرحمهم ويتوب عليهم، إنه هو التواب الرحيم، فهو نداء لكل المسلمين أمام هذا الكائن المجهول؛ عودوا إلى رشدكم وأوقفوا اعتداءاتكم على بعضكم، ستخسرون الدنيا ويوم القيامة ستكونون من الخاسرين، حينها يكون نداؤكم كما قال سبحانه: (وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الأنعام: 27)

حينها لن ينفع الندم ولا التمني فيجيبهم ربهم سبحانه بقوله: (وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ قَالَ أَلَيْسَ هَٰذَا بِالْحَقِّ ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا ۚ قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ) (الأنعام: 30)

وقوله سبحانه وتعالى : (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت: 53)

إن ما يعيشه العالم من رعب وفزع وخوف من جند من جنود الله لا يكاد يراه الناس، يخلق عند البشر رعبًا لم يشهده العالم، حين ينتشر في الأرض (فيروس كورونا) يحمل معه الموت دون تفريق بين ملك أو خادم، بين وزير أو فقير، بين مسلم ووثني، بين مسيحي ويهودي..

إنه بلاغ للناس بما ظلموا وبما أجرموا في حق أنفسهم من سفك للدماء واستباحة لحقوق الناس، والتسابق على تطوير الأسلحة الفتاكة لقتل الأبرياء من أطفال وشيوخ ونساء، من هدم للبيوت على أصحابها، وانتشار الفساد بكل أشكاله، والناس في غيّهم يلعبون، نسوا الله فأنساهم أنفسهم، وقد حذر الله عباده منذ أربعة عشر قرنًا بقوله سبحانه: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: 41)

فالله يرحم الناس برحمته بالرغم من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وبرغم الجرائم التي ارتكبها البشر وما كسبت أيديهم من ظلم ووحشية، وغرت الأقوياء قوتهم، وأغتر الأغنياء بأموالهم وتضخمت ذواتهم، وظنوا أنهم قادرون على كل شيء كما أنذرهم الله سبحانه بقوله: (حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (يونس: 24)

وعلى الناس أن يتذكروا أن الله يرى ويعلم كل شيء في كونه، تأكيدًا لقوله سبحانه: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)(16: لقمان) وقال سبحانه (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) (طه: 110)

لذلك فالله سبحانه نهى عن الظلم والعدوان، وحذَّر الظالمين من عذابٍ وعقاب، من أجل أن ينعموا بالسلام، ويستمتعوا بالحياة الدنيا ويرجعوا إلى الله، ويلتزموا بأوامره ويطبقوا تشريعاته، وعلى رأسها الرحمة والعدل والإحسان وعدم الاعتداء على حقوق الناس وتحريم قتل النفس، أو استباحة الأراضي والأموال؛ فالله يحذر عباده بقوله سبحانه: (وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) (59:الكهف).

فليتقِ الله كل من امتلك قوة وكل من أنعم الله عليه بمال وعزوة وليخشَ الله في عباده، ولا يتجاوز تحذير الله في اغتصاب أرض أو استباحة حق، أو ظلم قوم باحتلال أرضهم أو تسخيرهم لمصلحته، أو نهب ثرواتهم أو الإسراف في التلاعب بأموال الشعوب واستغلالهم، فالله سينزل عليه عقابه في الدنيا قبل الآخرة، وما نراه اليوم إنذار لكل من طغى وتجبر، ولكل من حكم وقرر وكل من عصى الله في أمره وتكبر، فإن الله له بالمرصاد، والله بلغنا بآياته في كتابه المبين بقوله سبحانه: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق: 16)

فهو سبحانه معنا في كل لحظة، وقدرته جل وعلا تعاقب كل من يغفل عن ذكره، فإن نزل عليه عقابه فحسابه عسير وعذابه عظيم، خسر حياته في شقاء وضنك ويوم القيامة: (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) (48: القمر) وقال سبحانه: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (160: البقرة)

الرجوع إلى الله يعني الرجوع إلى الحق والفضيلة والرحمة والعدل والإحسان، وعدم الاعتداء على أرواح الناس وحرماتهم، ودعوة الله للناس للتعاون والتكافل، وليس ما شوهه الفقهاء وكتب الروايات، لأن الأوامر الإلهية والعظات الربانية واتباع الأخلاق الفاضلة والقيم القرآنية في القرآن لا تحتاج إلى تفسير وتحوير، فكلمات الله واضحة تدعو كلها لخير الإنسان واستقراره وأمنه، ليعيش حياة كريمة في أمن وسلام.

ذلك هو الرجوع إلى الله وهذا معنى قوله سبحانه: ( اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) (الأعراف- آية3) ومعنى قوله سبحانه: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (السجدة- آية21) يرجعون إلى الله، لا طغيان ولا ظلم ولا عدوان ولا استعلاء على الناس، ملتزمين بالعبادات من صلاة وزكاة وصيام وحج بيت الله، يؤدون صدقاتهم وزكاتهم للفقراء والمساكين، فهم شركاء مع الأغنياء في أرباحهم بنسبة عشرين في المائة من الأرباح.

يعملون في سبيل الخير ويتراحمون فيما بينهم، يساعد كلٌ أخاه بمد يد العون لكل محتاج، يحترمون حق الحياة المقدس لكل إنسان، يحترمون حرية العقيدة، فلا وصاية على العباد، ولا يتبعون فقيهًا أو شيخًا، فكلهم يؤثر فيهم الهوى والنفس الإمارة بالسوء، بل يتبعون كتاب الله الذي أنزله قرانًا عربيًا لا ألغاز فيه حتى تحتاج إلى تفسير، إنما تم توظيف التفاسير والروايات للابتعاد عن كتاب الله، وأصابتهم الفتن وتدمير المدن والتفرق إلى طوائف يقاتلون بعضهم البعض، وانتشرت بينهم الفتن منذ أربعة عشر قرنًا إلى اليوم، لأنهم عصوا أوامر الله في قوله سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ) (آل عمران: 103)

ولم يبالوا بتحذيره لهم بقوله: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ) (الأنفال: 46)، فأرسل عليهم من يسومهم سوء العذاب، ويحتل أراضيهم، وينهب ثرواتهم، ويستعبد أبناءهم.. فارجعوا إلى الله ليرحم عباده وتوبوا عما أجرمتم في حق الإنسان، وعودوا إلى رشدكم فكم من الأمم السابقة أنزل الله عليهم العذاب لماذا؟! فاستفاقوا على الخراب وأصبحوا إلى زوال لأنهم ظلموا واستكبروا في الأرض، وغرتهم قوتهم، واستعلوا على الناس بأموالهم، فجاءهم أمر الله من حيث لا يحتسبون، وحينما يذكر القرآن العقاب الإلهي على الأمم الظالمة فذلك ليعتبر الناس بأن قدرة الله فوق قدرتهم، وعقابه لا يرحم الظالمين، حيث يقول سبحانه: ( وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) (الكهف – آية59) .

فالله يمهل عباده لعلهم يرجعون، ويتجنبون عذابه ويستغفرون ربهم ليتوب عليهم ليرفع عنهم غضبه فقد حذر وأنذر والله سبحانه يخاطب رسوله الأمين بقوله: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) / الشعراء ) وهكذا تغيرت أحوال قوم الرسول وأصحابه بعد وفاته عليه السلام.

فلقد كان الصحابة يجلسون حول الرسول الأمين يتلو عليهم آيات الله ويعلمهم أحكامه ويبين لهم ما فيها من الحكمة ويعرفهم بالتشريعات الإلهية والقيم الأخلاقية وما يدعو إليه كتاب الله الناس باتباع ما أنزله الله في كتابه يبين لهم مبادئ الرحمة والعدل والإسلام والإحسان، كانوا رحماء بينهم في حياة رسول الله كالطلبة أمام المعلم الأعظم محمد بن عبد الله ورسوله الكريم، وعندما توفاه الله تخلوا عن صفات الرحمة، وانتشرت بينهم الفتن وسالت بينهم الدماء لأنهم تنازعوا على السطان وانتشر بينهم الباطل والبهتان فشب الصراع بينهم فسقط منهم الكثير من القتلى، وارتوت صحراء الجزيرة بدمائهم، يقتلون بعضهم، بالرغم من أمر الله لهم: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا” (آل عمران – الآية 103) وعدم استجابتهم لتحذير الخالق سبحانه في قوله ” وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ “(الأنفال- الآية46)

وكان ضحايا تلك الفتن كثير من أهل بيت الرسول وأقربائه وعدد كثير من أصحابه المقربين، ليبين لنا الله سبحانه بأنهم بشر مثلنا، وليسوا مميزين عن بقية خلقه، تختلج في نفوسهم كل مغريات الحياة وشرورها، لديهم حب الدنيا وقساوة القلوب، يحبون ويكرهون، ينزغ بينهم الشيطان، ليوقع بينهم العداوة والبغضاء، لأنهم بشر وليسوا ملائكة، فحساب كل البشر جميعًا عند الله يوم القيامة، على قاعدة أزلية في قوله سبحانه وتعالى: ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(8( (الزلزلة: 7-8)،

حيث يصف الله سبحانه ذلك المشهد بقوله: “وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (الزمر: 69)

وقوله سبحانه مخاطبًا رسوله: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف: 110).

فإذا كان الله سبحانه يأمر رسوله بأن يبلغ الناس بأنه بشر مثل بقية خلقه، لكي لا يتخذونه وسيطًا عند الله أو شفيعًا ليبالغ الناس في تقديسه، ويحل الرسول محل المرسل، وذلك يعتبر عدوانًا وظلمًا لحق الله في أن لا نقدس غيره، وأن الانتساب للرسول لا يقدم شيئا أو يؤخر للإنسان يوم الحساب، ولن تكون لأقرباء الرسول ميزة على بقية خلقه يوم القيامة إلا من أتى الله بقلب سليم يوم القيامة وعمل صالحًا، وقد بيَّن الله للناس مكانة الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (40: الأحزاب). ولم يشرك أحدًا من أهل بيته فى رسالته للناس. وسيكون الحساب على أساس العمل فى الدنيا كما يقول سبحانه: ( كل نفس بما كسبت رهينة )

فلا يصدق الناس بعض العلماء وما غرروا به الجهلاء الذين رفعوا أهل البيت مكانة وتقديسًا يتوسلون بهم، ويبتغون عندهم العون في الحياة الدنيا والشفاعة يوم الحساب، يذهبون إلى قبورهم يدعونهم ويتوسلون إليهم ليستجيبوا دعاءهم فيجيبهم الله سبحانه بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۗ قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)) (الأعراف)

فالله سبحانه يبين للناس أن يتفكروا فيما يتلقونه من دعوات الباطل، ويمحصوها بعقولهم، والآيات السابقة تحاور العقول بالمنطق، وبواقع الأموات الذين لا يستطيعون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، فكيف يستطيعون مساعدة الآخرين في الدنيا والآخرة، والله سبحانه يخاطب رسوله الكريم بقوله سبحانه وتعالى: (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) (النمل:80)

كما يبين الله للناس أيضًا في كتابه المبين بأن عيسى عليه السلام مثل آدم خلقه من تراب، ليعرف أتباع المسيح أنه يجب عليهم تقديس الله الواحد الأحد خالق السموات والأرض، الذي خلق عيسى بدلًا من تأليه عيسى عبد الله ورسوله، حيث يقول سبحانه: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (آل عمران: 59)،

والله يخاطب عيسى عليه السلام بقوله: ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)  إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)) (المائدة)

إنما هي قاعدة إلهية تنطبق على كل الأنبياء والرسل كلهم الذين أُرسلوا للناس في مختلف العصور ليعبدوا الله وحده ويوحدوه وليدعوا الناس للطريق المستقيم وأنهم جميعًا خُلقوا من تراب، وينطبق عليهم قانون الموت، وعلى كل خلقه دون استثناء لأحد، فيخاطب رسوله الكريم بقوله سبحانه: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) (الزمر: 30)، ويُبعثون جميعًا يوم القيامة عند الحساب، فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يخاطب الناس بأنه بشر اختاره الله لتبليغ رسالته في خطاب الله له سبحانه: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ  يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)(الكهف: 110)

فمن المستحيل أن يطلب الرسول من الناس تقديسًا وترويجًا لأساطير ومعجزات ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان، وما نُسب إليه من روايات مفتريات فى (علمه بالغيب والشفاعة، وشفاء المرضى، وحنين جذع الشجرة، وبكاء النخلة على الرسول، اهتزاز جبل أُحد تحت قدميه، وكلامه مع الأشجار ) كل تلك الأساطير ليس لها مكان من  الحقيقة وتتناقض كليًا مع الآية الكريمة أعلاه التي يخاطب الله رسوله بها بمعناها الصريح؛ بلّغ الناس بأنك بشر مثلهم ومِيزتك الوحيدة أنك مكلَّف برسالة من الله تبلغها للناس وتعلّمهم ما فيها من حكمة وسُبل الخير لما ينفع الإنسان فى حياته الدنيا والآخرة،  وما أكثر ما ألَّفه كثير ممن يستهدفون تغييب العقول للناس ليعيشوا في الوهم وأحلام اليقظة والتجني على المهمة الإلهية للرسول المقدسة بحمل رسالة الإسلام وإبلاغها للناس.

إن ما تم تأليفه من قصص خيالية عن الرسول إنما هي باطل وبهتان وتناقض مع القرآن، فهي من الأكاذيب التى تستقطب عقول الأميين وتجعلهم يعيشون فى حالة انتعاش وغياب عن الواقع؛ ليسهل على شيوخ الدين تضليلهم واللعب بعقولهم ليزيدوا من أتباعهم كما تُروى الروايات المزورة على الرسول منسوبة إلى أصحابها زورًا وبهتانًا. ويصفهم الله سبحانه بقوله: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)) (الكهف)

فالرسول يدعو الناس لاتّباع آيات الله في قرآنه المبين وما يبلّغهم به من الآيات البيّنات تهديهم إلى الطريق المستقيم، وتخرجهم من الظلمات إلى النور، فكيف تستوي الروايات  المفتراه عليه أمام تلك الآيات المذكورة سابقًا من كلام الله الذي يدعو الرسول الناس بها أن يتبعوا ما أنزل الله عليه في القرآن الكريم، ويشهد كل مسلم وكل مؤمن بأن القرآن الكريم كلام الله وآياته بلغنا بها رسوله الأمين، ولذلك علي المسلمين أن تستيقظ عقولهم لتمحيص ما يتلقَّونه من روايات تستهدف تشويه رسالة الإسلام والإساءة لرسول الله، وخلق الشكوك عند الناس.

فلدينا كتاب الله ينطق بالحق وما يدعونا الله ورسوله لما ينفع الإنسان في حياته وآخرته، فإن كنا نحب الله ليغفر لنا ذنوبنا ويصلح أحوالنا ويبارك سعينا، فعلينا اتّباع ما جاءت به الآيات في كتابه المبين من تشريعات توحيد وعبادات وأحكام وأخلاقيات وعِبر في قصص القرآن الكريم، ليجنّبنا سبحانه طُرق الضلال، ويهدينا الطريق المستقيم، ويرزقنا من حيث لا نحتسب وينشر بيننا السلام والسكينة والطمأنينة.

وتلك هي أساس السعادة للإنسان فى الحياة الدنيا؛ فالرسول يدعونا لتأكيد حبنا لله باتّباع ما أنزله عليه من آيات بيّنات والله يخاطب رسوله عليه الصلاة والسلام بأمر في قوله له: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (آل عمران: 31)

اتبعوني بكل الآيات التي أبلغكم بها من كتابه الحكيم، وسيحبنا الله ويرضى عنَّا ويحيينا حياة طيبة، فلا يمكن للرسول أن يقول شيئًا يتعارض مع كتاب الله، وكل قول يتعارض مع كتاب الله فهو قول باطل؛ ولذلك على العلماء والعقلاء والمفكرين والمثقفين من المسلمين أن يتقوا الله فيما يدعون إليه الناس وليتمسكوا بكتابه كما أمر سبحانه رسوله الكريم في قوله: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)) (الزخرف)

فلا مرجعية لرسالة الإسلام إلا كتاب الله، ولن يكون حساب الناس يوم القيامة إلا على مدى اتّباعهم للآيات والتشريعات والعِظات والأخلاقيات التي بلغهم بها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للرسول فما الذي يميز أهل بيته أو الصحابة عن بقية خلق الله، فكلهم بشر، وكلهم لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، وكلهم سيقفون أمام الله يوم الحساب، وكلٌ سيلقى حسابه تطبيقًا لقوله: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11) (القارعة: 6-11)، وقال سبحانه: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ) (البقرة: 48)

إن التكليف الإلهي للرسول حدده الله سبحانه بكل وضوح؛ أن تكون مهمته إبلاغ الناس برسالته، يتلو عليهم آياته ويشرح لهم مقاصدها لمِا ينفعهم في الحياة الدنيا ويعلمهم ما فيها من حكمة وليهديهم سُبل الرشاد، ليجنّبهم أهوال يوم الحساب، ولم يكُن في نصّ التكليف له في القرآن الكريم تعريف الناس بأيام معينة يستجيب الله دعوات عباده مثل النصف من شعبان، أو العشر الأواخر من شهر رمضان، لأن الله سبحانه خاطب الرسول بقوله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186)

فالله سبحانه يبين للرسول بأن يُبلِّغ الناس أنه قريب من عباده، فليدعونه في كل وقت متى شاءوا، وأينما يكونوا، فلم يقُل الرسول كلامًا يتعارض مع ما أُوكل إليه في القرآن الكريم، بتحديد أيام معينة يستجيب الله لدعاء عباده فهو معنا سبحانه أينما نكون، فكلها افتراءات على رسول الله بروايات مزورة تتعارض مع التكليف الإلهي بآياته في كتابه المبين.

ثم يؤكد عليه الصلاة والسلام في الآية التالية بعدم علمه بالغيب حيث يقول سبحانه آمرًا رسوله: (قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ )(الأنعام: 50)، وكل ما يوحي إليه من ربه آيات بينات فى كتاب كريم، فلم يُخوّل الله الرسول أن يأتي بأقوال من عنده نيابة عن الله، أو يدّعي علم الغيب، بل ينفذ قول الله سبحانه: (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الأعراف: 2)

فلن ينفعنا يوم القيامة إلا أعمالنا، فلا وسيط ولا شفيع، حيث يكون حساب الناس يوم الحساب تنفيذًا لقوله سبحانه: (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (آل عمران: 25)

فالحكم الإلهي على الناس يوم القيامة سيكون على قاعدة: ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) (المدثر)، ثم يحذر الله عباده بقوله: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (النحل: 111)، وقال سبحانه: (الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (غافر: 17)

ويصف الله يوم الحساب مخاطبًا عباده بقوله سبحانه: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ) (الأنعام:94)

ومن رحمة الله بعباده يرسل إليهم آياته منذِرة ومحذِّرة لكي يرجع الناس إلى الله وحده ولا يستعينون بغيره ولا يشركون به أحدًا من خلقه، وأن يتّبعوا تشريعاته وعظاته ليهديهم الطريق المستقيم تأكيدًا لقوله: (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (السجدة: 21)

وما يعيشه العالم الآن في مواجهة وباء قاتل توقفت الحياة بسببه في كل مكان على الكرة الأرضية يُذكِّر الناس بقدرة الله عليهم، حين يرسل الله بعض من جنوده حيث لا يراهم الناس، إنما يرون ما يسببه الوباء للبشر من فزع وخوف وهلع، وسقوط الآلاف من الأحياء أمواتًا، ليتعظ الناس ويخشوا غضب الله فيما يفعلون من جرائم في حق الإنسانية، ليرجعوا إلى الله وعن شركهم به والاعتماد على التوسل بعباده المقبورين من الأموات يرجعون إلى الله عن طغيانهم، يرجعون إلى الله عن ظلمهم وأكلهم أموال الناس، يرجعون إلى الله عن قتلهم النفس البشرية دون حق، يرجعون إلى الله جل جلاله فى اتباع كتابه، واتباع أوامره بالرحمة والعدل والإحسان والتعاون والسلام لكل خلقه.

الرجوع إلى الله مستيقنين بأنه سيجمع خلقه جميعًا يوم الحساب رسلاً وأنبياءً وشهداء، كل المؤمنين والمشركين والمجرمين والرحماء، كلهم ينتظرون في مشهد رهيب، ينتظرون الحكم إما جنة أو نار، إما رحمة أو عذاب، فمن آمن ولم يشرك بالله أو برسول أو نبي أو ولي وعمل صالحًا فله جنة النعيم، وأما من أعرضوا عن آياته واتخذوا عباده من دون الله أولياء فهم الأخسرون أعمالًا سيجزيهم الله عذاب ما كانوا يفعلون.

وما نعانيه اليوم من إرهاب وجرائم تُرتَكب بكل القسوة باسم الإسلام؛ كانت بدايته بعد أن توفى الله رسوله الأمين حين بدأت مرحلة جديدة في تاريخ الدعوة الإسلامية وانتقلت مسؤولية الدعوة إلى أول خليفة للمسلمين، أبو بكر الصديق بعدما تمت مبايعته  بالرغم من الخلاف الذي نشأ بينهم لتقاسم السلطة فى اجتماع المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة فى المدينة المنورة،  ثم أعقبه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الذي قُتل غدرًا ثم خلفه الخليفة عثمان ليتم اغتياله، وكذلك الخليفة الرابع علي بن أبى طالب الذي أيضًا اُغتيل بخنجر على يد أحد الخوارج يُسمى عبد الرحمن ابن ملجم.

فالخلافة نظام حُكم وليست مبدأ دينيًا أو لها سند من التشريع الإلهي في القرآن الكريم، فهي كمسمى الإمارة والجمهورية والملكية، وليس لها ميزة عن غيرها من مسميات أنظمة الحكم في العالم، ولا علاقة لها على الإطلاق بدين الاسلام ورسالته الخالدة وإذا نظرنا في التاريخ نجد كم من الجرائم ارتكبها خلفاء بني أمية والخلفاء العباسيون ضد إخوتهم المسلمين، والصراعات التي استمرت عقودًا لم يمنعها مصطلح الخلافة من الاعتداء والصراع من أجل السلطة والمصالح الشخصية والأطماع السياسية والدنيوية، ولكن المنافقين يستخدمون مصطلح الخلافة في محاولة لتزييف الحقائق وإغواء الأميين لاتّباعهم؛ بأنها شريعة إسلامية لكسب الأتباع وحشد الرِّعاع ليكونوا وقودًا لمعاركهم وأطماعهم السياسية؛ لاحتلال الأوطان والاستيلاء على السلطة كي يبرروا بها أهدافهم الخبيثة التي تتعارض مع التشريع الإلهي للناس في أوامره في آياته البينات بقوله سبحانه: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء: 58)

فكما استُخدم (الإسلام) في قضايا سياسية لتحقيق مطامع دنيوية بعيدة كل البُعد عن رسالة الإسلام الطاهرة النقية في قضايا سياسية، رأينا حجم الدماء التي أسيلت والديار التى هُدمت مستمرة حتى اليوم، ورأينا قطع لرقاب الأبرياء وإثارة الفتن وارتكاب الجرائم ونشر خطاب الكراهية ومصادرة حق الإنسان في الحياة منذ وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام.

إلى اليوم لم يتوقف الذين تحمل أعلامهم السوداء والصفراء والحمراء، شعار الإسلام (لا اله الا الله محمدًا رسول الله)، وترفرف زهوًا واختيالًا على الناس باسم الجهاد في سبيل الله كذبًا ونفاقًا؛ إجرامًا يمارسونه ضد رسالة الإسلام التي تدعو للرحمة والعدل والحرية وحماية حقوق الإنسان وتحريم الاعتداء على الناس ما يتناقض مع عقيدتهم الفاسدة، يعيثون في الأرض قتلًا واجرامًا وفسادًا ويهتفون (الله أكبر)، علمًا بأنهم لو كانوا مسلمين حقًا ويؤمنون بكتاب الله وآياته ويتبعوا تشريعاته ويلتزمزا بمحرماته؛ لما ارتكبوا تلك الجرائم الشنيعة ولم يفسدوا في الأرض، ولم يعتدوا على الناس، ولم يدمروا أوطانهم وأوطان غيرهم، ولم يلوثوا أيديهم بدماء الأبرياء، ولم يجنّدوا ضمائرهم بالعمالة لأعداء الله وأعداء الوطن ومساعدتهم في تدمير بلدانهم وتشريد أهاليهم، فالخلافة أكبر أكذوبة انطلت على الأغبياء والجهلاء، ليكونوا وقودًا للظالمين في حروبهم ضد الإنسانية وضد شعوبهم، بينما الله يدعو الناس للسلام والعيش فى أمان.

والعثمانيون الذين خدعوا الناس بدعاويهم الكاذبة ليبرروا غزوات الشعوب واحتلال الأوطان؛ بأنهم يتولون نشر الإسلام فى ربوع العالم وتلك الفتوحات لرفع راية دين الله في البلدان المحتلة، وهم لديهم تاريخ أسود ملطَّخ بدماء المسلمين وغير المسلمين، استباحوا الإسلام وجعلوه مطيّة لأطماعهم، واحتلوا أكثر الدول العربية وغيرها من الدول الأوروبية بالحديد والنار، وتركوا خلفهم آثار الدمار في الأقطار التي احتلوها، ولن ينسى العالم مذابح الأرمن على يد الإمبراطورية العثمانية حين قامت بإبادة مليون ونصف مليون أرمني في سنة 1914-1915 باسم الإسلام.

الإسلام الذي قررت تشريعاته تحقيق الأمن والاستقرار للناس وعدم الاعتداء على أي دولة تحت أي مُسمى لأنها محمية بدستور إلهي فى كتاب كريم؛ حيث يقول سبحانه: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190)

فالقاعدة الإلهية لا تسمح للناس أو الدول الاعتداء بأي وسيلة كانت على غيرهم إلا في حالة الدفاع عن النفس فقط، إضافة على ذلك واستكمالًا للتشريع الإلهي؛ وضع الله سبحانه قاعدة مُكملة لحق الدفاع عن النفس بقوله: (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الأنفال: 61)، مما يعني إذا تم ردع العدوان وانهزام المعتدي ورفع راية الاستسلام؛ فعلى المنتصر أن يقبل بالسلام وإتمام اتفاقية الصلح بعدم الاعتداء من كل طرف على الآخر،  كما لا ننسى للسلطان العثماني (سليم الأول) الذي قام بقتل شقيقه ليتسلط على الحكم و(سليم الثاني) قتل شقيقه (بايزيد) وأبناءه الصغار، أما السلطان (محمد الثالث) فقد كان أكثرهم إجرامًا وقسوة، حيث قتل تسعة عشر من أشقائه، ولم يرحم الأطفال فكان بينهم ثلاثة رُضَّع وخمسة أطفال، والسلطان (مراد الرابع) قتل أشقاءه الثلاثة..

تلك أخلاقيات سلاطنة المسلمين وسلوكيات خلفاء المسلمين الذين تقطر أفواههم دمارًا ووحشية، نفوسهم مريضة وقلوبهم سوداء سيطر على عقولهم الشيطان ونسوا الله وضلوا عن طريق الحق والصواب وأصبحوا كالدواب لا يفقهون قولًا ولا يبصرون.

فكل من يدعو لعودة الخلافة هم مغيبون عقلًا ومشتتون فكرًا يعيشون أحلام اليقظة ويتبعون الوهم يستدعون الماضي البغيض وما ارتُكب فيه من جرائم يندى لها الجبين وما يحدث اليوم لماذا تفعله الدولة التركية بجيرانها العرب في العراق وسوريا؟ من خراب ودمار، وماذا تفعله في ليبيا من إرسال المرتزقة الإرهابيين للسيطرة على ثروات الشعب الليبي، وما تساهم به من تخريب فى الدول العربية بتبنيها فرق الاٍرهاب من داعش والنصرة والجيش الحر والقاعدة والإخوان الذين باعوا أوطانهم بثمن بخس لصالح أعداء دولهم لصالح العثمانيين الجدد الأتراك وما قاموا به من تدمير وتقتيل دون وازع وضمير فأين تعاليم الإسلام؟

وأين أوامر الله، بعدم الاعتداء على الجار، وعلى إخوتهم من المسلمين وغيرهم من الناس.؟. هل هذا هو ما يريده الشيوخ والفقهاء ومن يسمون بعلماء الإسلام، أن يستبيحوا ويستمتعوا بدماء إخوتهم وتشريدهم في كل بقاع الأرض؟ ألم يأمرهم الإسلام بقول الله سبحانه: ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص: 77)

هل اتّبعوا شعار الإسلام الذي يدعونه؟ وهل احترموا قيم القرآن في الرحمة بالناس والإحسان إليهم وعدم قتل النفس إلا بالحق. إنهم لمنافقون وكاذبون ويقول فيهم سبحانه: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ(10)) (البقرة)، وقد حذَّرهم الله في قوله سبحانه: (وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) (الكهف: 59)

نعم رأينا الحكم الديني في سوريا قتلًا ونهبًا للحقوق، واغتصابًا للفتيات وتدميرًا للبيوت وتشريدًا للأطفال وسبيًا النساء، وغياب العدل وانتشار الظلم وتفشي الفساد وقطع أعناق المسالمين، ونسترجع التاريخ قليلًا لنرى ماذا حدث بعد وفاة رسول الرحمة بدءًا من أول خليفة وهو أبو بكر، شهر سيفه قتلًا وترويعًا لكل من لم يدفع الزكاة، وهو يعلم يقينًا بأن القرآن لم يأمر في آياته أيًا من عباده بإلزام الناس وإكراههم لتأدية عباداتهم بالقوة والقهر والقتل، واحتفظ لنفسه سبحانه بمقاضاة عباده فيما يتعلق بعقيدتهم وأداء واجبات عباداتهم .

ذلك كان بداية ممارسة الحكم الديني حين تم اتهام مانعي الزكاة بالمرتدين، وحتى تلك التهمة لم يمنح الله رسله وأنبياءه وعباده بمعاقبة المرتد ولا يوجد نص في كتاب الله يأمر بقتال المرتد أو محاربة مانعي الزكاة، وبعد أبو بكر  وقد وضع الله في كتابه الكريم تشريعًا لكل أصحاب الأديان المختلفة واختص بنفسه في الحكم عليهم فيما يتعلق بالعبادات في قوله سبحانه :(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (الحج : 17 ) وقوله تعالى: (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس: 99)

إن ما حدث من قتل وترويع للآمنين في الدول التي غزاها المسلمون، واستمر الحكم الديني يمارس سلطاته أيّام الإمبراطورية العثمانية المستبد والمطلقة فكم شنق جمال باشا السفاح من القوميين العرب والمثقفين في سوريا ولبنان! وكم قتل الأتراك من الأشقاء الليبيين أكثر من خمسة آلاف قتيل، وكم من الأرمن تمت إبادتهم باسم نشر الإسلام، وما زال الحكم الديني والشعار الإسلامي يقتل عشرات الآلاف من العرب والمسلمين في سوريا ولبنان والعراق ومصر بنفس الشعارات الماضية التي تطالب بعودة الخلافة التي لوثت رسالة الإسلام؛ التي تدعو للرحمة والعدل والسلام أمثال الإخوان وداعش والقاعدة وغيرهم من الأشقياء الضالين من ذوي العقول المريضة المجانين ومن  شيوخ الدين الذين أحالوا الوطن العربي قتلاً وتدميرًا بفتاويهم ووعظهم والله يصف رسوله بالرحمة، في قوله سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107)

فأين الرحمة في قلوب المسلمين الذين يقاتلون إخوتهم في العقيدة والوطن؟ أين تعاليم الرسول وقول الله لهم: (..وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة: 2)

وبماذا نسمي ما يجري من وحشية وقتل الأبرياء في العراق وسوريا وليبيا والصومال؟! كل ذلك يتم باسم الإسلام.. أي إسلام يتبعون؟ وأي كتاب غير القرآن يؤمنون؟ وأي رسول يتبعون؟ لقد شوَّهوا الإسلام وقتلوا فيه القيم النبيلة، واستغلوه للوصول للسلطة، وأعمتهم أطماع الدنيا وغرتهم الحياة ونسوا الله فأنساهم أنفسهم بعدما أغواهم الشيطان!

فالله سبحانه يأمر عباده بتحريم عدوان الأشخاص على غيرهم من الناس، والامتناع عن الاستيلاء على أراضيهم، أو مصادرة أموالهم أو ترهيبهم أو تهديدهم ومن يريد أن يخدم الإسلام بحق لا يخدمه بقوة السلاح، ولا يفرضه على الناس إلا بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمر الله رسوله الأمين بقوله: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل: 125)

وإذا كان أردوغان يدعي باسم الإسلام تشريد الملايين من أبناء الشعب السوري وإمداد الإرهابيين من داعش والنصرة والقاعدة بالمال والسلاح لقتل الأبرياء، وتدمير مدنهم وقراهم فإنما هو يمثل أخلاق الشيطان ويعبر عن النفس الشقية التي تقوم باستباحة حقوق الناس ونهب ثرواتهم نفوس مريضة تسعى للشر والتدمير والخراب والله يدعو الناس للتعمير  وعدم تعريضهم لأي أنواع الرعب والفزع فأي إسلام يريد خدمته؟ الخليفة العثماني الجديد الذي خرج من تحت القبور لخلافة سادت ثم بادت! وأي إله يوحده وأي كتاب يؤمن به وأي رسول يتبعه؟

إنه يقوم مع الإرهابيين بهدم قيم الإسلام من رحمة وعدالة وسلام وإحسان وتحريم الاعتداء على الناس، فالرئيس التركي يمثل قمة الانحطاط الأخلاقي اللا إسلامي مما يؤكد أنه لا يعرف عن الإسلام شيئًا، ولا يفقه تعاليم القرآن وتشريعاته التي تدعو الناس لتحقيق الأمن والعدل والسلام للمجتمعات الإنسانية، والمحافظة على حق الإنسان في الحياة والعمل والاستقرار، وقد وصفه الله مع أعوانه المجرمين الذين يتحدون الله وتشريعاته بقوله: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة: 33)

ذلك سوف يكون جزاء أردوغان المفتري على الإسلام وعلى عباد الله، فقد أعماه حلم الخلافة وإعادة حكم العثمانيين مرة أخرى بكل الإجرام الذي ارتكبوه في العالم العربي، والإرهاب الذي نشروه برائحة الموت في كل مكان حلّوا فيه، وكتاب محمد بن إياس المتوفى سنة 1533م يؤرخ لعصر سليم الأول أثناء حكمه مصر، حيث يقول: (إن سليم أثناء دخوله مصر قام بقتل الشيوخ والأطفال واسترقاق المواطنين، وارتكاب كثير من الجرائم التي تتنافى مع قيم الإسلام وتعاليم القرآن).

ذلك ما ارتكبه أجداد أردوغان في مصر، أما جرائم ابنه سليمان القانوني في دمشق، فقد استباح الأرض والأموال وفتك بأبنائها قتلًا واستعبادًا واستخدم كافة وسائل التعذيب والترهيب، ويكرر اليوم أردوغان ما ارتكبه أجداده من جرائم يحرّمها الإسلام ويحذِّر مرتكبيها بعذاب أليم. وما ارتكبوه من جرائم فى ليبيا حيث حكمها 72 واليًا تركيًا وابتدأ عهد الأتراك في سنة 1551م حيث كانوا يربطون المواطن الليبي بذيل الحصان ويجرونه في الطرقات إلى السجن وينهالون عليه بالضرب بكل القسوة وكل الشتائم حتى وصل بهم الأمر لاغتصاب الأطفال أمام ذويهم، وإذا استغاث الأب يأمر الوالي بضربه بالسياط حتى الموت.

لقد ارتكب الأتراك من الفظائع ما يندى له الجبين، كما حدث في عهد الوالي إبراهيم الترزي التركي، حيث بلغ حجم القسوة مستوى غير مسبوق تمثل بأكل لحم رجل بعد قتله، تعبيرًا عن حقدهم على العرب. كما لا ننسى أن العثمانيين قاموا بحصار وتجويع لبنان وإخضاعه سنة 1917م ، وشنت القوات العثمانية حربًا على الشعب اللبناني أدت إلى قتل 400 ألف لبناني من جميع الطوائف، وقد تمت محاصرتهم ومنع وصول المواد الغذائية من سوريا إلى لبنان وعلى الأخص القمح. ماذا ننتظر بعد ما ذكرته وهذا بعض من تاريخ العثمانيين الأسود؟! وماذا يتوقع الوطن العربي من مجرمين ارتكبوا أسوأ الجرائم ضد الإنسانية وها هي تتكرر اليوم حينما نرى كيف يلعب أردوغان بحياة الآلاف من الشعب العرب السوري المشردين، يستخدمهم ورقة سياسية يساوم عليها الاتحاد الأوروبي لخدمة مصالح تركيا، ويبتز أوروبا بتهجير المشردين السوريين إليها ويمارس عليهم الضغوط اللا أخلاقية.

ومما يستغرب له العقل كيف تسمح أوروبا لأردوغان بهذا الابتزاز، وتهديد استقرار شعوب الاتحاد الأوروبي بإغراقهم باللاجئين، وهم يرون بأعينهم ما يقوم به أردوغان من قتل وتدمير للمدن فى سوريا، وتهجير الملايين حتى أصبحت نكبة أسوأ من نكبة فلسطين، وتجاوز عدد اللاجئين السوريين أضعاف اللاجئين الفلسطينيين، وكأنما أردوغان ينفذ مخططًا صهيونيًا لتحقيق أهداف إسرائيل في قيام دولتهم من النيل إلى الفرات بتحييد الجبهة السورية من أَي تهديد مستقبلي للأمن الإسرائيلي..

والسؤال الملح الآن: ماذا ينتظر العرب وهم يرون نتيجة تفرقهم ونزاعهم ومشاركة أعداء أمتهم في تدمير أشقائهم كما حدث في سوريا واليمن وليبيا والعراق، فقد ساهموا في إعداد المشهد العربي لتصفية وجود الأمة العربية، واستحالة أن تحقق أهدافها في الوحدة ووحدة المصير إلى درجة أن العرب أخلوا باتفاقية الدفاع العربي المشترك، مما ترك فراغًا هائلا لكل طامع فى ثرواتهم واحتلال أراضيهم، فقد بلغ بالعرب الضعف والذلة إلى درجة أن تركوا أبوابهم مشرعة لكل عدو حاقد طامع يفعل ما يشاء في الوطن العربي.

وأخشى ما أخشاه إذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه، فلنصلي على القيادات العربية صلاة الغائب، ونتقبل العزاء في موت أمة تاهت وضاعت وأصبحت لقمة سائغة لكل الطامعين، فسلام على أمة حملت رسالة الإسلام للإنسانية كلها وما تستهدفه من رحمة وعدل وسلام وحرية وحماية حقوق الإنسان، وتأمين العيش الكريم لكل إنسان، وعندما تخلينا عن تلك الرسالة والمبادئ تفرقت بنا السبل وعصينا الله في أمره بقوله سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: 103) وتغاضينا عن تحذيره سبحانه: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال: 46) وأهملنا تعليماته سبحانه في قوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (آل عمران: 2). ومضت الأمة العربية في طريق المجهول.

 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button