فضائل شهر الله المحرم واستحباب الصيام فيه وحالات صيام يوم عاشوراء
يُقبل شهر الله المحرم فيدعو المسلمين للصيام؛ حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم» [رواه مسلم] وفي الوقت الذي يذكِّرنا فيه هذا الشهر بهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم – بداية ظهور الدعوة وقيام دولة الإسلام- نجد فيه يوماً يذكِّرنا بانتصار نبي آخر هو موسى عليه الصلاة والسلام . ذلكم هو يوم عاشوراء؛ العاشر من المحرم ولقد حبا الله هذا اليوم فضلاً، فضاعف فيه أجر الصيام؛ وخلال السطور القادمة سوف نبرز فضل هذا اليوم، وما يشرع فيه .
أولاً: خصوصية عاشوراء وفضل صومه:
جاء في فضل عاشوراء أنه يوم نجَّى الله فيه نبيه موسى عليه الصلاة والسلام والمؤمنين معه، وأغرق فيه فرعون وحزبه؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا اليوم الذي تصومونه؟» فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فنحن أحق وأوْلى بموسى منكم»؛ فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه [رواه البخاري ومسلم واللفظ له] .
وقد جاء بيان فضل صيام يوم عاشوراء في حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم عاشوراء، فقال: «يكفِّر السنة الماضية»، وفي رواية: «صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» [رواه مسلم] ، وفي حديث آخر: «ومن صام عاشوراء غفر الله له سنة» [رواه البزار].
قال البيهقي: «وهذا فيمن صادف صومه وله سيئات يحتاج إلى ما يكفِّرها؛ فإن صادف صومه وقد كُفِّرت سيئاته بغيره انقلبت زيادة في درجاته، وبالله التوفيق» [فضائل الأوقات: 439].
بل إن صيامه يعدل صيام سنة، كما في رواية: «ذاك صوم سنة» [رواه ابن حبان].
ويصور ابن عباس حرص النبي صلى الله عليه وسلم على صيامه فيقول: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم؛ يوم عاشوراء، وهذا الشهر؛ يعني: شهر رمضان» [رواه البخاري].
ولِمَا عُرف من فضله فقد كان للسلف حرص كبير على إدراكه، حتى كان بعضهم يصومه في السفر؛ خشية فواته، كما نقله ابن رجب عن طائفة منهم ابن عباس، وأبوإسحاق السبيعي، والزهري، وقال: «رمضان له عدة من أيام أخر، وعاشوراء يفوت، ونص أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر» [لطائف المعارف: 110].
ثانياً: حالات صوم عاشوراء:
مرّ صوم يوم عاشوراء بأحوال عدة: الأولى: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء بمكة، ولا يأمر الناس بصومه.
الثانية: لما قدم المدينة وجد اليهود يصومونه، فصامه وأمر الناس بصيامه، حتى أمر من أكل في ذلك اليوم أن يمسك بقية ذلك اليوم، وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة؛ لأنه قدم المدينة في ربيع الأول.
الثالثة: لما فرض رمضان في السنة الثانية نُسِخَ وجوب صوم عاشوراء، وصار مستحباً، فلم يقع الأمر بصيامه إلا سنة واحدة.
ويشهد لهذه الحالات أحاديث، منها: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما هاجر إلى المدينة، صامه وأمر بصيامه، فلما فرض شهر رمضان قال: «من شاء صامه، ومن شاء تركه» [رواه البخاري ومسلم، واللفظ له].
وعن الرُّبَيِّع بنت معوِّذ قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: «من كان منكم صائماً فليتمَّ صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه»، فكنا بعد ذلك نصومه، ونصوِّم صبياننا الصغار منهم، إن شاء الله، ونذهب بهم إلى المسجد، ونصنع لهم اللعبة من العهن، فنذهب به معنا، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم، حتى يتموا صومهم. [رواه مسلم].
واستحبابه متأكد يدل عليه قول ابن عباس رضي الله عنهما : «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني: شهر رمضان» [رواه البخاري].
الرابعة: الأمر بمخالفة اليهود في صيام عاشوراء؛ فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء» [صحيح البخاري]، حتى أُمر بمخالفتهم، ونُهي عن موافقتهم، فعزم على أن لا يصوم عاشوراء مفرداً، فكانت مخالفته لهم في ترك إفراد عاشوراء بالصوم.
ويشهد لذلك أحاديث منها: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل -إن شاء الله- صمنا اليوم التاسع». قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم [رواه مسلم] .
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، وصوموا قبله يوماً أو بعده يوماً» [رواه أحمد]. وعلى صحة هذا الحديث فإن من لم يصم التاسع فإنه يصوم الحادي عشر؛ لتتحقق له مخالفة اليهود في عدم إفراد عاشوراء بالصوم.