هل يجوز كتابة بعض آيات القرآن والذكر على الكفن؟ الإفتاء ترد

ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية يقول فيه صاحبه: “ما حكم كتابة بعض الآيات والأذكار على الكفن؟ فقد توفي رجلٌ، وبعد تكفينه اقترح بعضُ الحاضرين أن يُكتب شيءٌ من آيات القرآن الكريم والذكر على الكفن بغرض أن يكون ذلك نافعًا وشفيعًا له في القبر، ومع أننا لم نفعل ذلك، لكننا نسأل: هل هذا جائزٌ شرعًا؟”.
تكفين الميت في الثياب الحسنة
وقالت دار الإفتاء: إن الكَفَن هو لِباس الميت، والتَّكفِينُ: لَفُّ الميت بالكفن، وقد شُرع لستر الميت، واتفق الفقهاء على أنَّ تكفين الإنسان وستره عند موته فرضُ كفاية، إذا قام به البعض سقط الحرج عن الباقين، وأنَّه حقٌّ واجبٌ على الأحياء؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بذلك، ولأن حُرمة الإنسان ميتًا كحرمته حيًّا، والسُّترة واجبة في الحياة، فكذلك بعد الموت.

قال الإمام ابن قُدَامَة في “المغني” (2/ 388، ط. مكتبة القاهرة): [ويجب كفن الميت؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر به، ولأنَّ سترته واجبة في الحياة، فكذلك بعد الموت] اهـ.
وقال الحافظ العِرَاقِي في “طرح التثريب” (3/ 271، ط. دار الفكر): [تكفين الميت: وقد أجمع المسلمون على وجوبه، وهو فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الحرج عن الباقين] اهـ.
ومن جُملة ذلك أن يكون الكفن أبيض، سواءٌ كان جديدًا أو مغسولًا، لكن الجديد أفضل؛ لما تقدم من أمرِ الشَّارِعِ بتحسِينِ الكفن. يُنظر: “مراقي الفلاح” للإمام الشُّرُنْبُلَالِي الحنفي (ص: 216، ط. المكتبة العصرية)، و”شرح مختصر خليل” للإمام الخَرَشِي المالكي (2/ 125، ط. دار الفكر)، و”مغني المحتاج” للإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي (2/ 16، ط. دار الكتب العلمية)، و”كشاف القناع” للإمام أبي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (2/ 124، ط. دار الكتب العلمية).
حكم كتابة القرآن والذكر على الكفن
وأكدت الإفتاء أن كتابة القرآن والذكر على الكفن مما لا يتفق مع ما أمرنا الله سبحانه وتعالى به من تعظيم شعائره واحترامها وحُسن التعامل معها، حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]، فالقرآن الكريم والذكر من شعائر الله التي جعل تعظيمها علامة على تقوى العبد، وقد بيَّن سبحانه مكانة القرآن العُظمى، فقال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الزخرف: 4].
قال الإمام ابن كَثِير في “تفسير القرآن العظيم” (7/ 218، ط. دار طيبة): [بيَّنَ شرَفَهُ في الملأ الأعلى، ليُشَرِّفَه ويُعظِّمَهُ ويطيعَهُ أهل الأرض] اهـ.

قال الإمام النَّوَوِي في “التبيان في آداب حملة القرآن” (ص: 190، ط. دار ابن حزم): [أجمع المسلمون على وجوب صيانة المصحف واحترامه] اهـ.
وقال الشيخ ابن تيمية في “الفتاوى الكبرى” (5/ 307، ط. دار الكتب العلمية): [ويجب احترام القرآن حيث كُتِبَ، وتحرم كِتابَتُهُ حيث يُهان] اهـ.
قال الإمام فخر الدين الرَّازِي في “مفاتيح الغيب” (27/ 673، ط. دار إحياء التراث العربي): [المراد من الرِّجز: الرِّجس الذي هو النجاسة، ومعنى النجاسة فيه: قوله: ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾، وكان المعنى: لهم عذاب من تَجَرُّعِ رِجسٍ أو شُربِ رِجسٍ] اهـ.
ولَمَّا كانت الإهانة بتنجيس الأسماء المعظمة يجتمع فيها رفع القداسة عنها، مع مُلاقاة القذارة عَظُمَت وكانت غاية الامتهان.
قال الإمام الحافظ تقي الدين بن الصَّلَاح في “فتاويه” (ص: 262، ط. عالم الكتب): [مسألة في الكفن: هل يجوز أن يُكتب عليه سُوَرٌ من القرآن -يس، والكهف- وأيُّ سورةٍ أراد؟ أو لا يَحِلُّ هذا، خوفًا من صديد الميت وسَيَلَان ما فيه على الآيات وأسماء الله تعالى المباركة المحترمة الشريفة..؟ أجاب رضي الله عنه: لا يجوز ذلك] اهـ.
حكم كتابة آيات القرآن الكريم والأسماء المعظَّمة على الكفن
قد نصَّ جمهورُ الفقهاء على عدم جواز كتابة شيء من آيات القرآن الكريم وغيره مما يشتمل على لفظ الجلالة والأسماء المعظَّمة على الكفن؛ لأن ذلك يُعَرِّضه إلى الامتهان قطعًا، من جهة ملاقاته للنجاسة كالصديد الناتج عن تحلُّل بدن الميت -كما قررنا سابقًا- ومن جهة أخرى أنه مُعرَّضٌ لملامسة الأرض مباشرةً بلا حائل، ولا يخفى ما في هذا من عدم احترام للنَّصِّ الشريف.
قال الإمام كمال الدين بن الهُمَام الحنفي في “فتح القدير” (1/ 169، ط. دار الفكر): [تُكره كتابةُ القرآنِ وأسماءِ الله تعالى على الدراهم والمحاريب والجدران وما يُفرَش] اهـ. فأفاد أن ما يُكتَب على كفن الميت من نحو بعض آيات القرآن الكريم والذكر وما هو معظَّم في الشرع الشريف ممنوعٌ مِن باب أَوْلَى ولا يجوز؛ لأنه يكون عُرضَةً للنجاسة من صديد الميت ونحوه، كما في “رد المحتار” للإمام ابن عَابِدِين (2/ 246-247، ط. دار الفكر)، مستشهدًا بما نص عليه الإمام الحافظ تقي الدين بن الصَّلَاح في “فتاويه” (ص: 262).
وقال الإمام أبو البركات الدَّرْدِير المالكي في “الشرح الكبير” (1/ 425، ط. دار الفكر): [وظاهره أن النقش مكروه ولو قرآنًا، وينبغي الحرمة؛ لأنه يؤدي إلى امتهانه، كذا ذكروا، ومثله نقش القرآن وأسماء الله في الجدران] اهـ.

قال الإمام الدُّسُوقِي مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: وينبغي الحرمة.. إلخ) أي: وأما كتابة ورقة ذكرًا ودعاءً وتعليقها في عنق الميت فحرام، ويجب إخراجها إن لم يطل الأمر، وأما المصحف فيجب إخراجه مطلقًا] اهـ.
وقال الإمام البُجَيْرِمِي الشافعي في “تحفة الحبيب” (2/ 275، ط. دار الفكر): [يَحرُم كتابة شيء من القرآن على الكفن، صيانة له عن صديد الموتى، ومثله كل اسم معظم] اهـ.
حكم كتابة بعض آيات القرآن والذكر على الكفن
وأوضحت الإفتاء أنه بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال، فإن ما يُكتب من بعض آيات القرآن الكريم وذكر الله عَزَّ وَجَلَّ يجب أن يُعامل معاملةً فيها من التعظيم والاحترام ما يليق بقُدسيَّته ومكانته في الشرع الشريف، ومن ذلك: ألَّا يوضَع على الأرض أو أيِّ مكان يكون فيه عُرضةً للامتهان أو التنجيس من نحو مُلاقاة الصديد الخارج من بدن الميت أو غير ذلك، ومِن ثَمَّ فإن كتابةَ بعض آيات القرآن الكريم أو غيرها مما يشتمل على صيغ الذكر وأسماء الله تعالى على الكفن حرامٌ شرعًا، ولا يجوز الإقدام عليها.



