هل تخلّت الدراما السورية عن دورها “التنويري”؟
تعرضت الدراما التلفزيونية السورية هذا الموسم، لانتقادات شديدة، اتهمتها بالتخلي عن رسالة الفن وتبنّي الأعمال الجادة التي اشتُهرت بها تاريخياً، مراعاةً للسوق وضمان بيع المسلسلات.
ويعود الفضل، تاريخياً، في تأسيس الدراما السورية، إلى المسرحيين الأوائل الذين وفدوا إلى التلفزيون منذ بدايته.
وكانت باكورة الدراما السورية، تمثيلية “الغريب” عام 1960، عن بطولات الثورة الجزائرية.
وازدهرت الدراما السورية، بفضل النهضة المسرحية وما نتج عنها من أعمال شهيرة مثل “ضيعة تشرين” و”كاسك يا وطن” و”غربة”، شكلت نهجاً مشت عليه الدراما فيما بعد.
شقاق الدراما عن المسرح
ومع الوقت، بدأ شقاق الدراما عن المسرح يتضح مع تراجع “أبي الفنون” عن تصدر المشهد، إثر تعرضه لسلسلة أزمات شكلت فرصة لتغريد الدراما في فضاء آخر بشكل متدرج.
وكان المخرج السينمائي السوري جود سعيد، وجه نقداً شديداً لصناع الدراما السورية عبر صفحته الشخصية في الفيسبوك، وكتب: “منتجكم هو الأكثر متابعةً وانتشاراً. لكنكم لا تنتمون لتاريخ هذه البلاد ولا تفكرون بمستقبلها، رخيصٌ هدفكم وزائل.. كونوا على قدر المسؤولية، فجزء من غد المجتمع تساهمون في خرابه. قليل فقط من الاحترام لهويتنا وانتمائنا لن يضير جيوبكم، تستطيعون أن تفرضوا على منافذ البيع صورة مختلفة عنا”.
لكن سعيد، ورغم هجومه على الدراما، أشار إلى بعض الأعمال الجيدة هذا الموسم، وقال: “تاج هو العمل الأكمل، بحكاية وصناع سوريين، ومال غير سوري، مال القبان عمل ناجح، وأغمض عينيك تجربة إنسانية محترمة بممثلين ممتازين”.
وشهد الموسم الدرامي، الكثير من الانتقادات وأُعيدت الأسئلة حول مهمة الدراما التلفزيونية، هل هي الترفيه والتسلية أم التوعية ونشر المعرفة؟ وربط الكثيرون تراجع الدراما بصناعها وشروط التسويق ومحطات العرض.
ويقول الكاتب سامر محمد إسماعيل لـ”إرم نيوز”: “بعض المشرفين على الإنتاج أميّون، وجلَّ كتاب السيناريو التلفزيوني جاؤوا من فراغ”.
ورغم أن إسماعيل لا يرى أن الدراما التلفزيونية قادرة على القيام بمشروع ثقافي معرفي متكامل، لكنه يضيف بأن هذا لا يعني تكريس الجهل وتشويه القيم والعبث بالتاريخ.
انقلاب المعادلة
الفنان أيمن زيدان، القادم من المسرح والأدب، شارك بالجدل المثار، وكتب على صفحته الشخصية: “لا أدري كيف أصبحت الدراما التلفزيونية هي حاملة المشروع المعرفي.. إن الأمم التي تزيح الأدب والرواية والمسرح من خارطتها الثقافية، أمم محكومة بالموت السريري”.
ويلاحظ اتفاق الفنانين والمخرجين والنقاد، من المرجعيات المسرحية والأدبية، على تعريف الدراما ودورها ومجموعة القيم التي يفترض أن تقدمها للمشاهد.
واشتهرت الدراما السورية تاريخياً، بتناول قضايا اجتماعية ووطنية كبيرة، تركت أثراً كبيراً عند المتابعين، منها “أخوة التراب”، و”التغريبة الفلسطينية”، و”مرايا”، و”الانتظار”، و”غزلان في غابة الذئاب”، و”أيام شامية”، و”نهاية رجل شجاع”، و”الفراري”، وغيرها.
ويبدو أن أبوة المسرح للدراما انتهت، بعدما شاخ الأب وعصفت به الصعوبات من كل الجهات؛ فالدراما التلفزيونية اليوم محكومة بمنظومة مختلفة عما نشأت عليه سابقاً بفضل رعاية “أبي الفنون”.
وبدوره قال الكاتب سامر محمد إسماعيل: “إنها مرحلة خارقة من كيّ الوعي ومسخه وتنويمه مغناطيسياً. هناك سادية يُعامل بها الجمهور على أنه جماهير، فينتزع المعنى الثقافي للمصطلح لصالح التوجه الأيديولوجي المتجسد في كلمة “جماهير”. وعليه يتم بناء التصور عن الجمهور بأنه قطيعي”.