هل تحويل القبلة حدث في ليلة النصف من شعبان؟
تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، من الأحداث المهمة في تاريخ الأمة الإسلامية، وللكن ما هي أسبابه وهل حدث تحويل القبلة في ليلة النصف من شعبان؟
أسباب تحويل القبلة
أبان الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، أن في كل مرة حدث تحويل للقبلة، كانت الحكمة مختلفة، حيث تحولت القبلة مرتين، أولهما من الكعبة إلى المسجد الأقصى، والثانية إلى المسجد الحرام.
وألمح إلى أن تحويل القبلة في البداية من الكعبة إلى المسجد الأقصى كان لحكمة تربوية، وهي العمل على تقوية إيمان المؤمنين، وتنقية النفوس وتطهير قلوبهم مما علق بها من شوائب الجاهلية، وأمثل لقوله تعالى: «وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ»، وكذلك ليظهر من يتبع الرسول اتباعا صادقًا عن اقتناع وتسليم، ممن ينقلب على عقبيه ويتعلق قلبه بدعاوى الجاهلية ورواسبها.
ونوه بأن صدور الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام -التحويل الثاني- بعد أن استتب الأمر لدولة الإسلام في المدينة، ليس إلا تأكيدًا للرابطة الوثيقة بين المسجدين، فإذا كانت رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، قد قطع فيها مسافة زمانية قصرت أو طالت، إلا أن تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام كان رحلة تعبدية، الغرض منها التوجه إلى الله تعالى دون قطع مسافات، فلا مسافة بين الخالق والمخلوق، مستدلًا بقوله تعالى:«وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ».
واستطرد: وعندما يتجه الإنسان من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، فهو بذلك يعود إلى أصل القبلة ، فقال تعالى: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ»، فهي دائرة بدأت بآدم مرورًا بإبراهيم حتى عيسى – عليهم السلام-، ولكنها لم تتم أو تكتمل إلا بالرسول الخاتم – صلى الله عليه وسلم – فقد أخره الله ليقدمه، فهو وإن تأخر في الزمان فقد تحقق على يديه الكمال.
آراء العلماء في موعد تجويل القبلة
برغم أن المشهور أن تحويل القبلة كان في ليلة النصف من شعبان إلا أن من يطالع آراء العلماء يكتشف غير ذلك حيث قال بعضهم إن تحويل القبلة كان في رجب من العام الثاني الهجري، وبه قال قتادة وزيد بن أسلم ، وهو رواية عن محمد بن إسحاق . وقد روى أحمد عن ابن عباس ما يدل على ذلك، وهو ظاهر حديث البراء بن عازب كما سيأتي. والله أعلم.
وقيل: في شعبان منها. قال ابن إسحاق : بعد غزوة عبد الله بن جحش . ويقال: صرفت القبلة في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة . وحكى هذا القول ابن جرير من طريق السدي بسنده عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة.
وقال الجمهور الأعظم، أنها صرفت في النصف من شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة. ثم حكى عن محمد بن سعد ، عن الواقدي أنها حولت يوم الثلاثاء النصف من شعبان. وكان النبي-صلى الله عليه وسلم- يستقبل في الصلاة قبلة بيت المقدس لما قدم من مكة إلى المدينة كان، وبقى على ذلك ستة – أو سبعة – عشر شهراً.
وثبت في الصحيحين من حديث البراء بن عازب – رضى الله عنهما- قال إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلاهَا أَوْ صَلَّى صَلاةَ الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ».
وأمر الله تعالى بعد ذلك -الرسول -صلى الله عليه وسلم- باستقبال الكعبة «البيت الحرام» وذلك في قوله تعالى: «قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» سورة البقرة 144.