هجرة من أرض الكفر والظلام إلى أرض يشع منها التوحيد و النور..بقلم المفكر العربي علي محمد الشرفاء
هجرةٌ من مركز الشرك والكفر في مكة إلى مكانٍ يتحقّق فيه لرسالة الإسلام الأمن والأمان، وتتحقّق له قاعدة الإيمان والتوحيد، لينطلق من المدينة النور الإلهي الذي يُخرج الإنسان من الظلمات إلى النور.
وترتفع منه شعلةٌ إلهيةٌ تُنادي الناس: باب الرحمن يدعوكم لتوحيد ربّ الأنام، ويحييكم، ويستقبل المؤمنين بالرحمة والريحان، ويمنحكم العفو والغفران.
فسارعوا إلى هجرةٍ تسترجع القرآن، يُحصِّنكم ويحميكم به من الوقوع في العصيان وارتكاب الآثام، حتى لا تكونوا عبيد الشيطان، يأمركم بالفحشاء والمنكر والعدوان، ويخلق بينكم فِتَنًا حتى يتقاتل الفريقان، وتُسفك دماء الأطفال لهوًا، ويسقط الشهداء ظلمًا، فكيف لم يحترموا تكريم الله للإنسان؟
فالله مستمعٌ لشكوى رسوله، قائلاً: “ربِّ إن قومي هجروا هذا القرآن”، فأجابه ربّه:
” إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ” (الأنعام: 159).
وكان حكم الله مؤيدًا لرسوله بأنك لم تعد منهم يا محمد، بعد أن تخلّوا عن رسالة الإسلام بغيًا وطغيانًا.
وسيظلّ القرآن نورًا يسطع في نفوس المؤمنين، يقودهم يوم الحساب إلى جنّات النعيم، أما الذين هجروا القرآن، واتّبعوا أولياء الشيطان، فقد باؤوا في الحياة الدنيا بالشقاء والضنك والحرمان، وفي يوم الحساب غضبٌ من الله يصيبهم، وقد سقطوا في حبائل الشيطان، فشلوا في الدنيا، وفي الآخرة عذابٌ وخسران.
فالسلام عليك يا رسول الله، ويا من تشرفتَ بحمل رسالة الله للناس أجمعين. لقد أديت الأمانة، وحافظت على عهدك مع الله، وبذلتَ كلّ غالٍ ونفيس في سبيل تبليغ الرسالة التي اصطفاك بها، وأيّدك بنصره.
أرسلك الله سبحانه للناس جميعًا رحمةً وهاديًا ومبشرًا ونذيرًا، صبرتَ على أذاهم، وعفوتَ عن عدوانهم، ورحّبتَ بالذين أساؤوا إليك، وفتحت لهم، بالأخلاق العظيمة، بابَ المودّة والتسامح، وقدّمتَ الحسنةَ مقابل السيئة، وجعلك الله قدوةً للناس، ومثالًا حيًّا يُترجم شِرعة الله ومنهجه، جاعلًا الآياتِ القرآنية دليلًا ونورًا يهديهم إلى طريق الحق المستقيم.
تبشر المؤمنين بالجنة، وتحذر المشركين والكافرين من عذاب يومٍ عظيم. فالذين اتبعوك، واتخذوك قدوةً لهم، بعد ما دعوتهم بما نطق به لسانك عن ربك، قولُ الله سبحانه:
” قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ” (آل عمران: 31).
تلك الآية دعوةٌ مفتوحةٌ للناس جميعًا؛ فمن أحبَّ الله، فالله سيُحبّه ويغفر له ذنوبه، ومن أغواه الشيطان الذي تكبّر على أمر الله عند خلق آدم، فسوف يُجازيه الله يوم الحساب بعذابٍ أليم، وقد اختار طريق النار بدلًا من طريق الجنة.
حينها لن ينفع الندم، عندما يسأله الملائكة: ” أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (الزمر: 71)
وهكذا سيكون مصير كلّ من طغى وتكبّر على الآيات القرآنية التي تهديه إلى الصراط المستقيم يوم الدين.
اللهم ندعوك أن توقظ قلوبًا قست، ونفوسًا تكبّرت، وعقولًا تم اختطافها فتجبّرت، أن تُعيد لها عقلها، وأن تشرح لهم صدورهم، وتعيدهم للقرآن العظيم، وتُحرر عقولهم من سيطرة أولياء الشياطين، رحمةً بهم، فأنت الغفور، وأنت الرحيم، وإنك على كل شيء قدير.



