ممرات الموت.. أزمة “طوابير” بمستشفيات بريطانيا
يتعرض النظام الصحي البريطاني لأزمة غير مسبوقة، إذ كشف تقرير صادم للكلية الملكية للتمريض عن وقائع مروعة، تتضمن وفاة مرضى في ممرات المستشفيات دون اكتشافهم لساعات، وعجز الطواقم الطبية عن تقديم الإسعافات الأولية للمصابين بالأزمات القلبية بسبب الازدحام الشديد.
واقع يتجاوز التصورات
وأدرج التقرير المكون من 460 صفحة، حقائق مروعة تستند إلى شهادات 5,400 ممرض وممرضة من جميع أنحاء المملكة المتحدة، تصف واقعًا كارثيًا يتجاوز كل التصورات، إذ يضطر المرضى للبقاء في ظروف وُصِفت بأنها “أشبه بظروف الحيوانات”، بحسب “ذا جارديان”.
وتتفاقم المأساة مع تعرض نساء حوامل للإجهاض في الممرات، بينما يعجز مرضى آخرون عن طلب المساعدة لعدم وجود أجراس استدعاء الطوارئ، ما يعكس انهيارًا شاملًا في أبسط معايير الرعاية الصحية الإنسانية.
وفي تفاصيل أكثر إيلامًا، وثَّق التقرير حالات متعددة لمرضى يتلقون العلاج في ظروف غير آدمية، إذ يتلقون المحاليل الوريدية وحتى نقل الدم في ممرات باردة وصاخبة، لا تتسع حتى لوجود أحد أفراد العائلة بجانبهم.
وفي حالات أخرى، اضطر الطاقم الطبي لإخبار مرضى بقرب وفاتهم في الممرات، بينما تمر النقالات والمرضى الآخرون من حولهم، في مشهد يفتقر لأبسط معايير الكرامة الإنسانية.
انهيار منظومة الطوارئ
وأشار التقرير إلى وجود أزمة عميقة في نظام الطوارئ البريطاني، بعدما أعلن نحو 20 مستشفى في إنجلترا حالة “حرجة” خلال الأسابيع الأخيرة، في اعتراف صريح بعجزهم عن التعامل مع تدفق المرضى.
وتتجلى خطورة الوضع في شهادة أحد الممرضين الذي وصف كيف اضطر للقيام بعملية إنعاش قلبي رئوي في الممر، دون توفر معدات الإنعاش الأساسية مثل جهاز إزالة الرجفان أو أسطوانات الأكسجين، بينما يشاهد المرضى الآخرون المشهد المؤلم.
وتزداد المأساة عمقًا مع لجوء المستشفيات إلى حلول غير تقليدية، إذ بدأت بعض المؤسسات الصحية في توظيف ممرضين للعمل في الممرات.
وفي مثال صارخ على حجم الأزمة، كشفت الجارديان أن مستشفى كوينز في رومفورد، إسيكس، يضطر لإنفاق 100,000 جنيه إسترليني شهريًا لتوظيف 19 ممرضًا إضافيًا للاعتناء بـ50 مريضًا عالقين في الممرات في أي وقت.
ويأتي هذا في وقت تعاني فيه المستشفى من ضغط هائل، فمثلًا يستقبل قسم الطوارئ فيها ضعف طاقته الاستيعابية المصممة لاستقبال 325 مريضًا يوميًا.
جذور الأزمة
وحمّل تقرير الكلية الملكية للتمريض، مجموعة معقدة من العوامل أدت إلى تفاقم الأزمة الحالية، فيما أرجع وزير الصحة والرعاية الاجتماعية ويس ستريتنج جذور المشكلة إلى “14 عامًا من الفشل” في إدارة النظام الصحي الوطني (فترة حكم المحافظين الأخيرة)، زاعمًا أن ظاهرة علاج المرضى في الممرات أصبحت أمرًا معتادًا تحت إدارة الحكومة السابقة.
وتتفاقم هذه المشكلات الهيكلية مع تحديات أخرى، إذ تواجه المستشفيات موجة غير مسبوقة من الفيروسات التنفسية، على رأسها الإنفلونزا الموسمية التي أرهقت المنظومة الصحية بأكملها.
وتزداد الأزمة تعقيدًا مع عدم قدرة البنية التحتية للمستشفيات على استيعاب الأعداد المتزايدة من المرضى، فعلى سبيل المثال، يستقبل مستشفى كوينز في رومفورد ضعف طاقته الاستيعابية المصممة لاستقبال 325 مريضًا يوميًا، في حين يحتاج إلى 35 مليون جنيه إسترليني للتوسعة الضرورية لقسم الطوارئ، مما يعكس أزمة تمويلية عميقة تواجه النظام الصحي البريطاني.
تداعيات نفسية
وسلَّطت البروفيسورة نيكولا رينجر، الأمينة العامة والرئيسة التنفيذية للكلية الملكية للتمريض، الضوء على جانب آخر للأزمة يتمثل في التأثير النفسي العميق على الطواقم الطبية، إذ أدت الظروف القاسية إلى موجة استقالات بين الممرضين العاملين في أقسام الطوارئ، إذ لم يعد بإمكانهم تحمل الضغط النفسي الناتج عن العمل في ظروف تجبرهم على مشاهدة المرضى يموتون دون القدرة على تقديم المساعدة الكافية لهم.
ونقل التقرير شهادة مؤثرة لأحد الممرضين الذين تركوا العمل قائلًا: “انتهى بي الأمر إلى مغادرة القسم بسبب القلق الشديد والخوف من موت المرضى.. كنت عاجزًا جسديًا عن رعايتهم بشكل آمن”.
وتعكس هذه الشهادة حجم المعاناة النفسية التي يتعرض لها الطاقم الطبي، والتي تؤدي في النهاية إلى فقدان النظام الصحي لكوادره المؤهلة في وقت هو بأمسِّ الحاجة إليها.
واعترف دنكان بارتون، كبير مسؤولي التمريض في إنجلترا، بخطورة الوضع قائلًا إن “تزايد مستويات الطلب أدى إلى ضغوط شديدة على الخدمات، خاصة خلال الأشهر الأخيرة وواحد من أصعب فصول الشتاء التي واجهها النظام الصحي الوطني”، ما يشير إلى الحاجة إلى حلول جذرية وسريعة