معجزات الرسول، نبع المياه العذبة من بين أصابعه الشريفة

المعجزات هي الأمر الخارق للعادة الذي يجريه الله تعالى على يد نبي مرسل ليقيم به الدليل القاطع على صدق نبوته.
ومن تلك المعجزات التي ظهرت على أيدي الأنبياء والمرسلين؛ سلب خاصية الإحراق للنار حين ألقي إبراهيم، عليه السلام، فيها فلم يحترق؛ قال تعالى: “قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ”. (الأنبياء: 69).
وضرب سيدنا موسى، عليه السلام، البحر بعصاه فتجمع الماء على طرفيه حتى صار كالجبل، وصار البحر يبسًا في طريق موسى ومن آمن معه؛ قال تعالى: “فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ”. (الشعراء: 63)، إلى أن قال تعالى: “وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ۞ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ”. (الشعراء: 66)، فنَجَّا اللهُ سيدَنا موسى والمؤمنين، وأغرق فرعون وقومه بإعادة مياه البحر كما كان، وغير ذلك من المعجزات لسائر الأنبياء والمرسلين.
وقد خصَّ اللهُ، تعالى، خاتَمَ المرسلين، صلى الله عليه وسلم، بالكثير من المكرمات والمعجزات.
وقد وردت في القرآن الكريم معجزات حسية للنبي، صلى الله عليه وسلم، ومعجزات أخرى وردت في الأحاديث النبوية الشريفة.
نتناول بعضًا من معجزات الرسول، صلى الله وعلى آله وصحبه، وسلم، في هذه الحلقاتِ خلال شهر رمضان المبارك.
نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وآله وسلم
معجزة نبع الماء وتكثيره من بين أصابع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كانت من بين المعجزات الكثيرة التي مَن الله سبحانه وتعالى بها على رسوله الكريم وأكرمه بها، فهي من بين المعجزات التي تثبت نبوته ورسالته لأنها تتعلق بعماد حياة العرب في الصحراء آنذاك وهو الماء، وتكررت هذه المعجزة مرات عدة وفي مواقف مختلفة، ورواها لنا الصحابة.
في صلح الحديبية
ففي صلح الحديبية حرص نحو 1400 صحابي على مصاحبة الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، في رحلته إلى مكة بنية الحج، فأعاقتهم رسل المشركين ودارت المفاوضات التي انتهت الى تأجيل دخول مكة لعام قادم.
وخلال عودتهم في الصحراء نفد الماء، فانطلق نفر منهم يجّدون في البحث عنه في منطقة قاحلة تغطيها أشعة الشمس الحارقة.
وكلما استبد بهم العطش ظنوا أن هناك بئرا أو عينا تسكب ماءً، فإذا اقتربوا منها لم يجدوا شيئا، ووجدوها جافه فكانت صدمتهم كبيرة.
وازدادوا ظمأً حتى أشرفوا على الهلاك. فجاءوا إلى رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، يشكون من ندرة الماء الذي انعدم معهم إلا ما في ركوته، صلى الله عليه وسلم، وقالوا: لا نجد ماء للوضوء ولا لإرواء عطشنا وإن الله عوضك خيرًا، فقال: أئتوني بإداوة أو قدح صغير، فأخذوا يبحثون حتى وجدوه عند رجل من الصحابة، وكان به مقدار شربة واحدة من الماء، كما طلب منهم أن يحضروا له وعاءً كبيرا، فأتوا له بوعاء لا يستطيع حمله إلا أربعة رجال أشداء وكانوا يستخدمونه في حفظ الطعام.
وأمر صحابته الذين يزيد عددهم عن 1400 رجل مع دوابهم بأن يتجمعوا أمام خيمته، ثم أمر أحدهم بصبِّ قدح الماء في الوعاء الكبير بعدما وضع يده الكريمة بها.
وأخذ رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، يناجي ربه بينما تتساقط قطرات الماء من القدح الصغير على مرأى ومسمع من الصحابة العطشى.
وما هي إلا لحظات حتى وقعت المعجزة، وتحول الوعاء إلى نبع صاف تتدفق منه المياه العذبة وسط تهليل وتكبير الجميع.
واستمر الماء ينهمر كالنهر من بين أصابعه الشريفة.
وأخذ الصحابة يشربون ويصبون الماء فوق رؤوسهم فرحين، ويملأون كل ما لديهم من قِرب وأوعية، ويسقون الجمال بينما الماء لا يتوقف كأنه عين متفجرة بالماء تُروي من معين لا ينضب أبدا، وتهيئ الجيش الكامل من الصحابة لاستكمال رحلتهم إلى المدينة بعدما ادخروا ما يكفيهم من الماء، وهم يرددون على صعيد واحد: نشهد أنك رسول من عند الله.
وقد روى البخاري القصة بصيغة أخرى عن جابر، فقال: عطش الناس يوم الحديبية والنبي، صلى الله عليه وسلم، بين يديه إناء من جلدٍ، فتوضَّأ، فأسرع الناس نحوه، فقال: ما بكم؟
قالوا: ليس عندنا ماءٌ نتوضأ ولا نشرب إلّا ما بين يديك، فوضع يده في الإناء، فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا، وتوضأنا.
وأضاف: كنا خمس عشرة مئة، ولو كنّا مئة ألف لكفانا.
ومشهد آخر عاشه الصحابةُ مع معجزة نبع الماء من بين سيد الخلق، فقد كانت هناك بئرٌ أوشكت على الجفاف، فجاء الصحابة لرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، يشكون له، فأعطاهم سهمًا من كنانته فوضعوها في هذا البئر فانفجر الماء.
وتكرر الموقف بمنطقة الزوراء في المدينة المنورة، فقد روى أنس، رضي الله عنه، قال: أُتي النبي، صلى الله عليه وسلم، بإناءٍ وهو بالزوراء، فوضع يده في الإناء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ القوم، قال قتادة: قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمئة، أو زهاء ثلاثمئة.
بركة معجزات النبي
وعن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: “كنا نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفاً، كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في سفرٍ، فقل الماء، فقال: اطلبوا فضلة من ماء، فجاءوا بإناءٍ فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء، ثم قال: حي على الطهور المبارك، والبركة من الله، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل”. (رواه مسلم).
أثر هذه المعجزات
وقد كان لهذه المعجزة وأمثالها من المعجزات النبوية الأثر البالغ في زيادة الإيمان، وقوة التعلق بالواحد الديان من قبل الصحابة الكرام، رضي الله عنهم أجمعين، وخاصة أنهم كانوا في ظروف صعبة، نتيجة صراعهم مع أهل الباطل من المشركين واليهود والمنافقين، فكانت مثل هذه الحوادث عوناً لهم، وزاداً إيمانياً قوياً، إضافة إلى ما تتركه مثل هذه المعجزات من أثرٍ في نفوس الكافرين والمعاندين، وتلفت الانتباه إلى أن الله هو القوي القادر، الذي لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء.