يحفل الخطاب الإلهي بالعديد من العبر والعظات التي وردت في مختلف سور القرآن الكريم وهو الخطاب الصالح لكل زمان ومكان ومن ذلك مارود في المطر حيث إنه في اللغة: هو الماء المنسكب، وقد استخدم القرآن الكريم لفظ (مطر) فيما يدل على العذاب في الغالب . ففي صحيح البخاري في تفسير سورة الأنفال قال سفيان بن عيينة رحمه الله: ما سمى الله مطراً في القرآن إلا عذابًا، وتسميه العرب الغيث، ويُستدرك عليه آية النساء: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ} [النساء:102]، فلا تدخل تحت هذه القاعدة فالمطر هنا الغيث قطعًا، وهو رحمة فلم يستعمل في العذاب وقيل: إنّ “مطر” يقال في الخير، و”أمطر” في العذابِ .
والمطر: قد يكون نافعاً في وقته وضاراً في غير وقته . قال ابن حجر رحمه الله: يقال مطرت في الرحمة، وأمطرت في العذاب . المطر في الاستعمال القرآني: ذكر بعض المفسرين أن المطر في القرآن على وجهين: أحدهما: المطر المعروف. ومنه قوله تعالى في سورة النساء: {إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ} والثاني: الحجارة. ومنه قوله تعالى: {وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأنفال:32] وقال تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} [الشعراء:173، النمل:58].
الأسباب الجالبة للغيث:
1. تقوى الله عز وجل: قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاء والأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96].
2. الاستغفار، قال تعالى عن نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح:10-11].
3. الاستقامة: قال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَة لأسقَينَاهُم مَاءً غَدَقاً} [الجـن:16].
4. صلاة الاستسقاء، لحديث عبد الله بن زيد الأنصاري : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى يستسقي وأنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه»[متفق عليه].
5. الدعاء أثناء الخطبة، لحديث أنس بن مالك أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله عز وجل يغيثنا، فرفع يديه، ثم قال: «اللهم أغثنا اللهم أغثنا»[متفق عليه].
6. قُحط المطر وقنط الناس: قال قتادة: ذكر لنا أن رجلًا قال لعمر بن الخطاب: “يا أمير المؤمنين، قُحط المطر وقنط الناس؟” فقال عمر رضي الله عنه:” مطرتم، ثم قرأ: {وَهُوَ الَّذِي يُنزلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ}”. وليس القحط بأن لا ينزل علينا المطر، وإنما القحط الحقيقي بأن ينزل علينا المطر ولكن لا نستفيد منه، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَيْسَتِ السَّنَةُ بِأَنْ لاَ تُمْطَرُوا وَلَكِنِ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا وَلاَ تُنْبِتُ الأَرْضُ شَيْئًا» . والمعنى لا تظنوا أن الرزق والبركة من المطر بل الرزق من الله تعالى، فيجب التعلق به وحده .
7. وجود العجموات لقوله صلى الله عليه وسلم: «ولولا البهائم لم يمطروا» .
فوائد المطر
جعل الله عز وجل في المطر النافع فوائد عدة،
منها: 1. سبب لوجود الرزق لقوله تعالى {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ}[ البقرة:22].
2. إحياء الأرض لقوله تعالى: {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}[البقرة:164].
3. مطهِّر لقوله تعالى: {..وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ..} [الأنفال:11].
4. يستفاد منه للشرب وسقي الزرع لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل:10].