
في مقاله “التكافل الاجتماعي في نور التشريع الإلهي”، يقدم المفكر العربي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي قراءة عميقة وواعية لمفهوم التكافل من منظور قرآني أصيل، بعيدًا عن الأطر الفقهية التقليدية التي كثيرًا ما اختزلت هذا المفهوم في جانب شعائري محدود. فالمقال لا يُقدّم مجرد موعظة أخلاقية، بل يبني رؤية متكاملة تؤسس لمنظومة اقتصادية – اجتماعية عادلة، تنبع من جوهر الخطاب الإلهي، لا من اجتهادات بشرية قاصرة.
ينطلق الشرفاء في تناوله من قاعدة قرآنية واضحة: أن الزكاة ليست فقط عبادة، بل وسيلة لتوزيع الثروة، وتحقيق العدالة، وإغلاق أبواب الفقر والعوز. ويشير بجرأة فكرية نادرة إلى أن الانحراف عن مقاصد الزكاة – كما أرادها الله – أدى إلى تفشي الظلم الاجتماعي، وتكريس طبقات الفقر، بينما الخطاب الإلهي في جوهره يرفض هذا الشكل من التفاوت الجائر، ويأمر بمسؤولية جماعية تجاه المحتاجين.
ما يميز طرح الشرفاء أنه يعيد الاعتبار لـ”الزكاة” كأداة لإصلاح المجتمع، وليس كضريبة روحية فحسب. ففي رؤيته، الزكاة تُخرج في وقت الحصاد لا في رمضان فقط، وتوجه لكل من يعاني من الاحتياج، بصرف النظر عن ديانته أو جنسه، طالما كان من “المحرومين” الذين تحدث عنهم القرآن. وهو بذلك يكشف زيف الفهم الضيق الذي حصَر التكافل في “المسلمين فقط”، ويُرسخ لقيم إنسانية خالدة تتجاوز التعصب والانغلاق.
كما ينتقد المفكر الكبير الفقه التقليدي الذي شرعن تراكم الثروات بيد القلة، بحجة الاجتهاد، بينما النصوص القرآنية كانت واضحة في دعوة الأغنياء لتحمل مسؤولياتهم تجاه المجتمع. ويرى أن إحياء منظومة الزكاة على الأسس القرآنية الحقيقية كفيل بإنقاذ مجتمعاتنا من الانهيار الاقتصادي، وتحقيق توازن يضمن الكرامة للجميع.
لا شك أن ما يطرحه علي محمد الشرفاء الحمادي يمثل دعوة ثورية لإعادة قراءة النص الديني من منطلق الرحمة والعدل والمساواة، بعيدًا عن سلطة التفسيرات الجامدة التي ابتعدت عن مقاصد الله. فهو لا يكتب فقط من أجل التنوير، بل من أجل العدالة، ومن أجل أجيال قادمة تستحق أن تعيش في مجتمعات خالية من الجوع والذل.
إنه صوت فكري نادر في زمن التشتت، يستحق أن يُسمع، ويُقرأ، ويُبنى عليه مستقبل جديد.



