الخطاب الإلهي

ما حكم استخدام المناديل المبللة “Water Wipes” في الوضوء؟ الإفتاء ترد

ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: شركة تسأل بخصوص منتج جديد خاص بالوضوء، حيث إنه في حالاتٍ كثيرةٍ عند وجود المصلين في الحرم المكي أو المدينة المنورة أو في طائرة تطير لمسافاتٍ وساعاتٍ طويلةٍ أو حافلةٍ تسير لمسافات طويلةٍ، يُنتَقضُ وضوء أحد المصلين وخاصَّة السيدات، وهو ما يسبب إحراجًا وإرباكًا لهم؛ لأن خروجهم للوضوء مرةً أخرى وعودتهم للصلاة مع الجماعة تكون صعبةً أو مستحيلةً.

ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: شركة تسأل بخصوص منتج جديد خاص بالوضوء، حيث إنه في حالاتٍ كثيرةٍ عند وجود المصلين في الحرم المكي أو المدينة المنورة أو في طائرة تطير لمسافاتٍ وساعاتٍ طويلةٍ أو حافلةٍ تسير لمسافات طويلةٍ، يُنتَقضُ وضوء أحد المصلين وخاصَّة السيدات، وهو ما يسبب إحراجًا وإرباكًا لهم؛ لأن خروجهم للوضوء مرةً أخرى وعودتهم للصلاة مع الجماعة تكون صعبةً أو مستحيلةً.

وبعد دراسة مستفيضةٍ لحل هذا الوضع وصلنا إلى “منتجٍ جديد” تحت اسم: “Water Wipes” على هيئة مناديل ورقية صديقة للبيئة وتتحلل تلقائيًّا وهي مغموسة بماءٍ نظيفٍ 100% ومغلف تغليفًا جيدًا، ومقدار الماء للمغلف الواحد الذي يكفي لوضوءٍ شرعيٍّ -من وجهة نظرنا- هو: (60- 80 مللي لتر)، ومرفق طيُّه عيِّنة منه.. فهل يمكن أن يستعمل هذا المنتج كبديلٍ للوضوء في هذه الحالات؟.

بيان تعظيم الإسلام للطهارة والنظافة

وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
عظَّم الإسلام شأن الطهارة والنظافة، فجعلها الله عَزَّ وَجَلَّ سبيلًا لنيل محبته ورضاه، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222].

قال الإمام شمس الدين القُرْطُبِي في “الجامع لأحكام القرآن” (3/ 91، ط. دار الكتب المصرية): [المتطهرون: أي بالماء من الجنابة والأحداث] اهـ.

الأصل في الطهارة من الحدث الأصغر لمن يريد الصلاة

من المقرر شرعًا أن الوضوء هو الأصل في الطهارة من الحدث الأصغر لمريد الصلاة.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» متفقٌ عليه.

قال الإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي في “مغني المحتاج” (1/ 149، ط. دار الكتب العلمية): [القبول: يقال لحصول الثواب ولوقوع الفعل صحيحًا، وهو المراد هنا بقرينة الإجماع، فالمعنى: لا تصحُّ صلاةٌ إلا بوضوءٍ] اهـ.

حكم استخدام المناديل المبللة بالماء في الوضوء “Water Wipes”

المناديل -محل السؤال- تكون من القماش الرقيق، ولها قدرة عالية على الامتصاص والاحتفاظ بالماء، وتكون مغموسة بماءٍ نظيفٍ، ولا يزيد مقداره في المغلف الواحد عن 80 مللي لتر من الماء تقريبًا، وتُغلَّف بشكلٍ يحفظها من الجفاف والاتساخ، بهدف استعمالها في الوضوء حال تعسُّر الوصول إلى مصدرٍ للماء بالبعد عنه، أو لشدَّة الزحام، أو غيرها من العوائق، كما يحدث في المواصلات أثناء السفر الطويل، أو في ساحات الحرم، كما ورد في السؤال، وشوهِد أيضًا في العيِّنة المرفقة مِن السائل.

ومن المقرَّر شرعًا أنَّ الواجب في أعضاء الوضوء مِن الوجه، واليدين إلى المرفقين، والرجلين إلى الكعبين -هو الغَسل بالماء، عدا الرَّأس فإنه يُكتَفَى فيها بالمسح، كما في “بدائع الصنائع” للإمام علاء الدين الكَاسَانِي الحنفي (1/ 21، ط. دار الكتب العلمية)، و”حاشية الإمام الدُّسُوقِي المالكي على الشرح الكبير” (1/ 85، ط. دار الفكر)، و”منهاج الطالبين” للإمام النَّوَوِي الشافعي (ص: 12-13، ط. دار الفكر)، و”المبدع في شرح المقنع” للإمام برهان الدين بن مُفْلِح الحنبلي (1/ 91-92، ط. دار الكتب العلمية).

والغَسل يراد به لغةً: سيلان الماء مطلقًا، كما في “كشاف اصطلاح الفنون والعلوم” للعلامة التَّهَانَوِي (2/ 1253، ط. مكتبة لبنان ناشرون).

وجماهير الفقهاء على أنَّ المراد بالغَسل في أعضاء الوضوءِ هو جريان الماءِ وإسالته عليها، وأنَّ الجريان والإسالة شرطٌ لصحَّة الغَسل، وبدونه لا يكون غسلًا بل مسحًا؛ إذ المسح هو مجرَّد إصابة الماء للبشرة، بل زاد الحنفية في ظاهر الرواية اشتراط تقاطر الماء عن الأعضاء.

قال الإمام علاء الدين الكَاسَانِي الحنفي في “بدائع الصنائع” (1/ 3): [الغَسل: هو إسالة الماء على المحلِّ، والمسح: هو الإصابة، حتى لو غسل أعضاء وضوئه ولم يَسِلِ الماءُ بأن استعمله مثل الدُّهنِ لم يجز في ظاهر الرواية، وروي عن أبي يوسف: أنه يجوز] اهـ.

وأما ما ورد عن الإمام أبي يوسف من الحنفية من عدم اشتراط السيلان في غَسل أعضاء الوضوء، فغير محمولٍ على ظاهره، وإنما ورد بيانه وتأويله والتنبيه على مراد الإمام منه في كتب المذهب، وهو قوله بجواز الوضوء بما لا يتسارع سيلانه إذا كان يُتَحصَّل منه سيلانُ القطرة والقطرتين عن العضو المغسول به مثل الثلج أثناء الذوبان وإن تأخَّر برهةً عن وقت الغَسل، وليس المراد نفي اشتراط الإسالة على الأعضاء في صحة الغَسل مطلقًا.

فتحصَّل مما سبق اتفاقُهم على اشتراط جريان الماء على الأعضاء، واختلافهم فيما يتأخر سيلانه وجريانه خلال الغَسل.

كما أنَّ من سنن الوضوء المضمضة والاستنشاق، بل اعتبرها بعض الفقهاء واجبًا من واجبات الوضوء، بحيث لا يكتمل الوضوء ويصح إلا بالإتيان بهما.

وإيصال الماء إلى أعضاء الوضوء باستعمال المناديل القماشية الرقيقة -محل السؤال- عن طريق إمرارها عليها لا يتأتى منه حصول جريان الماءِ وإسالته على أعضاء الوضوء وإن تأخر، بل يُعدُّ مِن قبيل المسح لا الغسل وإن تكرَّر استعمالها على العضو الواحد أكثر من مرَّةٍ، فلا يكون غَسلًا، كما يتعذَّر معه على الإتيان بالمضمضة والاستنشاق.

هذا ولا يجزئ الاكتفاء بالمسح في طهارة الأعضاء المغسولة في الوضوء؛ لأن قيام المسح مقام الغَسل إنما ورد مقتصرًا على عذر الجراح وما هو في حكمها من بعض الأمراض وفي حدود محل العذر دون غيره من باقي العضو وسائر الأعضاء، كما في “مراقي الفلاح” للإمام الشُّرُنْبُلَالِي الحنفي (ص: 63، ط. دار الكتب العلمية، مع “حاشية الإمام الطَّحْطَاوِي”)، و”الفواكه الدواني” للإمام شهاب الدِّين النَّفَرَاوِي المالكي (1/ 163، ط. دار الفكر)، و”مغني المحتاج” للإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي (1/ 256، ط. دار الكتب العلمية)، و”المغني” للإمام ابن قُدَامَة الحنبلي (1/ 205).

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فيشترط لصحة الوضوء جريان الماء على الأعضاء الواجب غَسلها فيه، ولا يصح الاكتفاء بالمسح عليها، واستعمال المناديل المبللة أو غيرها في إيصال بلل الماء إلى الأعضاء من غير سيلانه عليها إنما يعد مسحًا لا غَسلًا، ومن ثمَّ فاستعمال المنتج المذكور من المناديل المبللة في الوضوء -وفقًا للعيِّنة المرفقة- عن طريق إمرارها على الأعضاء غير مجزئٍ شرعًا في تحقيق فرض الغَسل.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button