ما أحكام الهدي للحج والمتمتع والقارن وأنواعه؟

الهدي هو إحدى الشعائر الإسلامية التي تجب علي الحاج أو المتمتع والقارن فمتى يجب الهدي وما هي الأحوال التي يجوز فيها وما هي أنواع الهدي في الحج وما محله ولماذا يذبح الهدي داخل الحرم كل هذه الأسئلة وغيرها الكثير ستجدون إجاباتها في السطور التالية.

أحكام الهدي للحج والمتمتع والقارن
الهدي بالنسبة للحاج الذي لم يرتكب محظوراً ولم يترك واجباً ولم يكن قارنا ولا متمتعا سنة ، لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة، وقال الإمام النووي في المجموع: اتفقوا على أنه يستحب لمن قصد مكة بحج أو عمرة أن يهدي هدياً من الأنعام وينحره هناك ويفرقه على المساكين الموجودين في الحرم، ويستحب أن يكون ما يهديه حسناً كاملاً نفيساً.ومذهب أكثر العلماء أن جذع الضأن يجزئ في الهدي.
أما الهدي الواجب فهو ما كان عن سبب كالنذر والتمتع والقران وكفارة الصيد وكفارة إلقاء الأذى وترك نسك واجب.
ولا يصح التشريك في مثل هذه العبادة ، كما هو مذهب المالكية والشافعية، فلا يحوز إخراج هدي واحد عن اثنين فهذا لا يجزئ ، وذكر ابن الأثير في جامع الأصول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تذبح الشاة أو البدنة إلا عن إنسان واحد. وعليه لا بد لكل واحد أن يذبح هديا مجزئاً، ولا بأس بتوكيل أي مؤسسة أو فرد ليقوم بذبح الهدي في مكة.
فإذا عجز الحاج عن ذبح الهدي فالواجب صيام عشرة أيام، ثلاثةٍ في الحج وسبعةٍ إذا رجعتم إلى بلدكم؛ لقوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ {البقرة 196}.
وإذا كان الحاج يملك ما يشتري به الهدي، ولا يستطيع ذبحه بنفسه فيمكن أن يوكل ثقةً مأموناً يذبحُ الهدي عنه، سواء أكان هذا الوكيل فرداً أو مؤسسة
أنواع الهدي في الحج
الذبائح التي تجب على الحاج في حجه، هي على أنواع:
- النوع الأول: هدي التمتع والقران، فمن حجّ متمتعا، أو قارنا، وجب عليه أن يذبح هديا، متى كان واجدا له، وإلا صام بدلا عنه. قال الله تعالى: فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ البقرة /196.
ومحل ذبح هذا الهدي هو الحرم المكي والواجب في لحمه: أن يوزع منه على فقراء الحرم ومساكينه، ويجوز نقل شيء منه لخارج الحرم للأكل والإهداء فعن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: ” كُنَّا لاَ نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلاَثِ مِنًى، فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كُلُوا وَتَزَوَّدُوا، فَأَكَلْنَا وَتَزَوَّدْنَا ” رواه البخاري (1719)، ومسلم (1972).
- النوع الثاني: ما ذبح لترك واجب، فمن ترك واجبا من واجبات الحج، فإنه يجبر هذا النقص الحاصل بأن يذبح شاة.
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: ” مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئاً، أَوْ تَرَكَهُ، فَلْيُهْرِقْ دَماً) رواه الإمام مالك في ” الموطأ ” (1583).
وهذا الذبح يجب أن يكون في الحرم، ويوزع لحمه في الحرم أيضا.
- النوع الثالث: ما يذبح بسبب فعل الحاج لمحظور من محظورات الإحرام.
” وفعل ما يحرم: ثبت بالنص القرآني أن فيه نسكا، قال الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ البقرة/196 ” فإذا وجب علي الحاج نسك، فإنه مخير بين ذبحه وتوزيعه في مكان فعل المحظور، سواء كان هذا المكان داخل الحرم أو خارجه، وبين ذبحه وتوزيعه في الحرم.
فعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ وَأَنَّهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالحُدَيْبِيَةِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا، وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ الفِدْيَةَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوْ يُهْدِيَ شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ” رواه البخاري (1817)، ومسلم (1201).
- النوع الرابع: ما يذبح بسبب الإحصار (وهو أن يمنعه مانع من إكمال حجه).
قال الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ البقرة/196.
فهذا حكمه حكم النوع السابق، فإنه يذبح هديه في مكان إحصاره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما منع من دخول مكة زمن الحديبية نحر هديه خارج الحرم.
ويجوز أيضا: ذبحه وتوزيعه داخل الحرم:فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالحُدَيْبِيَةِ ” رواه البخاري (4252).
- النوع الخامس: ما يذبح جزاء للصيد. فهذا يجب أن يذبح ويفرق داخل الحرم، ولا يجزئ خارج الحرم.
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ المائدة / 95.

لماذا يذبح الهدي داخل الحرم؟
يذبح الهدي داخل الحرم؛ للآتي:
- لأنه هذا الذي جاء به القرآن والسنة، فيجب اتباعهما.
قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا الأحزاب/36، وقال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ الحشر/7.
وشأن هذه الذبائح، شأن سائر مناسك الحج، بل شأن جميع العبادات: يتبع فيها أمر الله ورسوله، من غير أن يقال: ” لماذا “؟.
وقد روى البخاري (315)، ومسلم (335) أن عائشة رضي الله عنها أنكرت عل من سألتها: لماذا تقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة؟ وقَالَتْ: ” كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ؛ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ “.



