لهذه الأسباب لا يجوز زواج الإنسي بجنية، وهؤلاء الجن صحبوا الرسول
نحدثكم اليوم في موضوع بلقيس عن حقيقة زواج أبيها من جنية، وكشفنا صحة الحديث الذي ورد في هذا الأمر، وأوردنا ما قاله الإمام الماوردي عن زواج الإنسي من جنية.
وفي موضوع نتحدث عن صحبة الجن للنبي، صلى الله عليه وسلم، وكيف كان من بينهم من صحبوا الرسول، ونذكر أسباب امتناع زواج الإنسي من جنية، فإلي التفاصيل…
هولاء الجن صحبوا الرسول
وردت في القرآن الكريم أخبار عن نفر الجن الذين استمعوا للقرآن من الرسول محمد، عليه الصلاة والسلام ثم ولوا إلى قومهم منذرين يدعوهم للاستماع للقرآن الكريم، والإيمان بدين الإسلام.
وكان هؤلاء الجن هم جن “نصيبين” الذين أسلموا بعد سماعهم للقرآن، ويعتبرون من صحابة رسول الله من الجن، وبعد أن أسلموا كانوا بحاجة لأن يتعلموا الدين على أكمل وجه، فأمر الله نبيه أن يقرأ عليهم القرآن ويعلمهم ويلاقيهم في أعالي جبال مكة.
وقد ورد عن الصحابي عبد الله بن مسعود في روايته عن حادثة استماع جن نصيبين للقرآن الكريم، أنهم: (هبطوا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة، فلما سمعوه قالوا: أنصتوا، قالوا: صه، وكانوا سبعة أحدهم زوبعة، فأنزل الله تعالى: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ – إلى – ضَلالٍ مُّبِينٍ [ الأحقاف: 29]) .
قال المفسر القرطبي: (قال الثمالي: بلغني أنهم من بني الشيصبان، وهم أكثر الجن عدداً وأقواهم شوكة، وهم عامة جنود إبليس).
من المعروف أن هناك طائفة من الجن آمنوا بالله تعالى وصدقوا رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ {الجن: 14 } وقال تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم : وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ {الأحقاف: 29 }
كما ثبت أن النبي كان (يصلي ذات مرة، فطلع عليه جان يريد أن يقطع عليه صلاته، فمكن الله النبي”من هذا الجان، فأمسك به وأراد” أن يربطه فى عمود من أعمدة المسجد حتى يشاهده الناس فى الصباح، ولكن النبي “تذكر دعوة سليمان -عليه السلام-: {رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} [ص: 35]. فترك الجان وعفا عنه. [متفق عليه].
عن ابن عباس قال : ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم ، انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأرسلت عليهم الشهب ، فرجعت الشياطين إلى قومهم ، فقالوا : ما لكم ؟ فقالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب ، قالوا : ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها . قال : فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله وهو بنخلة ، عامدا إلى سوق عكاظ ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما سمعوا القرآن استمعوا له ، فقالوا : هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء ، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم فقالوا : إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ، فأنزلت ( قل أوحي إلي ( 1 ) ) [ الجن ] . متفق عليه .
لهذه الأسباب زواج الإنسي بجنية لا يجوز شرعا
يحدث البعض عن حالات زواج تتم بين الإنس والجن متناسيا العديد من الأمور الدينية التي ورت في هذا السياق ومنها:
1- قوله تعالى: ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ) [النحل:72] وقوله سبحانه: ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً) [الروم: 21] قال المفسرون في معنى الآيتين: ( جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ) أي من جنسكم ونوعكم وعلى خلقكم. قال الإمام السيوطي في الأشباه والنظائر: ( فإن قلت: ما عندك من ذلك؟ قلت: الذي أعتقده التحريم، واستدل بالآيتين المتقدمتين: ثم قال: فروي المنع منه عن الحسن البصري، وقتادة، والحكم بن عيينة، وإسحاق بن راهويه.
2- قال الجمال السجستاني من الحنفية في كتاب ( منية المغني عن الفتاوى السراجية) لا يجوز المناكحة بين الإنس والجن، وإنسان الماء لاختلاف الجنس. وذكر أن النكاح شرع للألفة، والسكون، والاستئناس، والمودة، وذلك مفقود في الجن.
3- لم يرد الإذن من الشرع في ذلك، فإن الله تعالى قال: ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) [النساء:3] والنساء اسم لإناث بني آدم خاصة، فبقي ما عداهن على التحريم، لأن الأصل في الأبضاع الحرمة حتى يرد دليل على الحل.
4- وقال الماوردي بخصوص المناكحة بين بني آدم والجن:( وهذا مستنكر للعقول، لتباين الجنسين، واختلاف الطبعين، إذ الآدمي جسماني، والجني روحاني. وهذا من صلصال كالفخار، وذلك من مارج من نار، والامتزاج مع هذا التباين مدفوع، والتناسل مع الاختلاف ممنوع ( نقله عنه صاحب أضواء البيان ) (3/241).
5- زواج الإنسي بالجنية على فرض إمكانية وقوعه – وهو مستبعد جداً – يترتب عليه مفاسد كثيرة، لقدرة الجنية على التشكل بصورة أخرى، وكيف يثق أن التي تخالطه هي زوجته حقاً، ربما كانت غيرها، ولأن الزواج لا بد فيه من ولي وشاهدي عدل كشرط صحة للنكاح، ولا بد من خلو المرأة من الموانع، وربما تعذر تحقق كل ذلك لاختلاف طبيعة الجن عن الإنس، إلى غير ذلك من الأمور.