لكتابة تاريخ الأمراض.. فرنسا تفتح «سراديب الموتى» لأغراض علمية
في أعماق شوارع باريس، يسلط مشروع علمي رائد الضوء على حياة وموت ملايين الأشخاص المدفونين في سراديب الموتى الأسطورية في المدينة.
وللمرة الأولى، يقوم فريق متعدد التخصصات من علماء الآثار وعلماء الأنثروبولوجيا وعلماء الأحياء والأطباء بإجراء فحص متعمق للبقايا الهيكلية الموجودة في هذه المتاهة الضخمة تحت الأرض.
وتسعى الدراسة، بقيادة فيليب شارلييه من جامعة فرساي، إلى الكشف عن 1000 عام من تاريخ الصحة العامة في باريس، مع التركيز على الأمراض والإجراءات الطبية التي تحملها سكانها.
ويقول شارلييه في بيان: “من المدهش أنه على الرغم من شهرتها العالمية، لم تكن سراديب الموتى موضوعا للتدقيق العلمي الجاد، ويمتد بحثنا لقرون من الجراحة والطب والمرض، مما يوفر نافذة فريدة على كيفية تطور هذه الممارسات في باريس وضواحيها”.
وتقدم سراديب الموتى، التي تضم رفات ما يقدر بنحو 5-6 ملايين شخص، رؤى لا مثيل لها حول أسباب الوفاة والتحديات الصحية العامة في القرون الماضية.
وتم نقل الجثث، التي تم استخراجها في الأصل من مقابر المدينة المزدحمة في أواخر القرن الثامن عشر، إلى أعمدة المحاجر المهجورة تحت المدينة، و يشتهر الموقع بجدرانه الزخرفية من الجماجم والعظام المرتبة بدقة، لكن فريق تشارلييه يهدف إلى الذهاب إلى ما هو أبعد من السطح.
ويستخدم المشروع تقنيات متقدمة، مثل استخراج الحمض النووي وتأريخ الكربون المشع، لتحديد الأمراض المعدية والتعرضات السامة للمعادن الثقيلة، وأكثر من ذلك، وحتى الآن، قام الباحثون بمسح العظام وجمع العينات لتقدير الحجم الحقيقي لسكان مقابر الموتى، والذي قد يتجاوز 6 ملايين فرد.
ومن المتوقع أن تظهر النتائج الأولية للفريق بحلول نهاية العام، لكن تشارلييه يشير إلى أن هذا مشروع طويل الأجل، وقال “من المرجح أن يستمر هذا العمل بعد مسيرتي المهنية، وستواصل الأجيال القادمة من العلماء استكشاف هذا الفصل الرائع من التاريخ البشري”.
وأضاف أنه “عندما ينزل الزوار إلى تلك السراديب أوما يسمونه (إمبراطورية الموت)، سيجدون على المدخل عبارة تذكيرية مؤلمة تقول (فكر في الصباح أنك قد لا تصل إلى المساء، وفي المساء أنك قد لا تصل إلى الصباح)، والآن، ومن خلال هذه الدراسة الرائدة، يروي موتى باريس قصتهم كاملة”.