كيف يحاسب الله عباده يوم القيامة
الحساب هو تعريف الله عبادَه مقادير الجزاء عَلَى أعمالهم، وتذكيره إِيَّاهُم ما قد نسوه، واطلاعهم عَلَى ما قَدَّمُوه من أعمال صالحة أو سَيِّئَة، وتبيين العمل المقبول منها والمردود، ويختلف حساب الناس باختلاف أعمالهم وهو ما سنبينه في هذا الموضوع
تثبت النصوص الدينية وجود الاختلاف في الحساب بين الناس: فمنهم من لا يستغرق حسابه أكثر من فواق ناقة، أي حلبها، كما قال النَّبِيء ﷺ، ومنهم من يشتدُّ عَلَيْهِم الحساب ويطول.
يَنُصُّ القرآن عَلَى أَنَّ المطيع يحاسب حسابا يسيرا، وَأَنَّهُ يؤتى بصحائف أعماله بيمينه، قَالَ تَعَالىَ: ﴿فَأَمَّا مَنُ اوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ♦ اِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ ♦ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ♦ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ…﴾
وَأَنَّ العاصي يحاسب حسابا عسيرا، ويؤتى بصحائفه بشماله، يقول الله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنُ اوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمُ اوتَ كِتَابِيَهْ ♦ وَلَمَ اَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ♦ يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ﴾ الحاقة: 19-27،
وهناك من يؤتى بكتابه من وراء ظهره، قَالَ تَعَالىَ: ﴿وَأَمَّا مَنُ اوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ ♦ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ♦ وَيُصَلَّى سَعِيرًا﴾ الانشقاق: 7-12.
وَهَذَا الكِتَاب الذي يؤتاه العبد يوم القيامة يجد فيه كُلَّ ما اجترحه من كُلِّ أعماله الحسنة أو السَّيِّئَة، قَالَ تَعَالىَ: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً اِلآَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ الكهف: 49، وقال: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ الجاثية: 29.
هَذَا ما ثبت بِالنَّصِّ القطعيِّ، أما بقة ما يحدث يوم الحساب فتفسره بعض الأحاديث التي وردت في ذلك ومنها ما رواه مسلم في صحيحه من حديث المقداد بن الأسود- رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم – يقول: “تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ”، قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ؟ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ، أَمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ، قَالَ: “فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا”، قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم – بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ
الحكمة من الحساب:
1. ظهور فضائل المُتَّقِينَ ومناقبهم، فيزداد شكره لله، وافتضاح العصاة ومثالبهم عَلَى رؤوس الأشهاد، فتزداد حسرته.
2. بيان عدل الله المطلق، وَأَنَّهُ كما قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةٌ يُضَاعِفْهَا وَيُوتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ النساء: 40، وقطع للعذر، كما قال ﷺ: “…ولا أحد أحبَّ إليه العذر من الله… ولا أحد أحبَّ إليه المدحة من الله”.
وفي الحساب يجب الإيمان بِهَذِهِ الأمور:
- أَنَّ حساب الله تَعَالىَ دقيق جِدًّا، وعادل عدلا مطلقا: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةٌ يُضَاعِفْهَا وَيُوتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ النساء: 40.
- أَنَّ المطيع يحاسب حسابا يسيرا، وَأَنَّهُ يؤتى بصحائف أعماله بيمينه، وَأَنَّ العاصي يحاسب حسابا عسيرا، ويؤتى بصحائفه بشماله أو من وراء ظهره.
- أَنَّ هَذَا الكِتَاب يتضمن كُلَّ الأعمال الحسنة والسَّيِّئَة، وهو ﴿لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً اِلآَّ أَحْصَاهَا﴾ الكهف: 49.
- أَنَّ هول يوم الحساب عظيم ﴿فَإِذَا جَآءَتِ الصَّآخَّةُ ♦ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنَ اَخِيهِ ♦ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ♦ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ♦ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَانٌ يُغْنِيهِ﴾ عبس: 33-37.