الخطاب الإلهيتوب ستوري
هل أصبحت حركة “الشباب” الصومالية أخطر جماعة إرهابية بشرق أفريقيا؟
لا يوجد تاريخ محدد لنشأة الحركة فيما تفيد بأنها تأسست في العام ما بين عامي 2003، 2006، وذلك التضارب يرجع إلى كونها بدأت كشبكة حرة، قبل أن تتخذ طابعاً رسمياً في وقت لاحق لتصبح تنظيماً، واتخذت الحركة طريق المقاومة وحرب العصابات ضد القوات الإثيوبية التي تكبدت خسائر فادحة، حتى استغاث الرئيس الإثيوبي مليس زيناوي بالمجتمع الدولي لانتشال قواته من المستنقع الصومالي، وبذلك حظيت حركة الشباب بشعبية كبيرة بين الصوماليين.
ليكون أول ظهور علني لاسم حركة الشباب المجاهدين عام 2006، عقب سيطرة اتحاد المحاكم الإسلامية على العاصمة مقديشو، ومعظم مناطق وسط وجنوب الصومال، وكان للشباب المجاهدين نفوذ قوي في المحاكم الإسلامية، حيث كان معظم الميليشيات المسلحة التابعة لتلك المحاكم، تحت قيادات عسكرية من شباب المجاهدين، وكان أمير حركة الشباب الشيخ مختار أبي زبير والمعروف أيضا بأحمد عبدي جودان، يشغل آنذاك منصب الأمين العام للمكتب التنفيذي لاتحاد المحاكم الإسلامية، وكان في العاصمة معسكر لتجنيد وتدريب المقاتلين الجدد.
ضمت الشبكة مع بداية تأسيسها أعضاء حاليين وسابقين من تنظيم القاعدة في شرق إفريقيا، وحظي المحاربون القدامى من أفغانستان بامتيازات داخل الحركة بناء على علاقاتهم الواضحة بينهم وبين تنظيم القاعدة؛ لتكون هذه هي بداية العلاقة بين الحركة والتنظيم.
بحلول عام 2005، كانت شبكة حركة الشباب المجاهدين قد قويت كتنظيم وشاركت في حملات للسيطرة على مقديشيو في ذلك الوقت، والذي عرف بـ”شبح الحرب في مقديشو”، وقامت الحركة بدعم المحاكم الشرعية ضد القادة العسكريين.
تسلمت الحركة السلطة لدى امتداد المحاكم الشرعية في العام 2006، لكنها كانت مجرد مجموعة واحدة من بين مجموعات كثيرة داخل هذا التحالف، وبالطبع لم تكن الأقوى، واتسمت حركة الشباب المجاهدين بأنها أكثر اتحادا من المجموعات الأخرى، خاصة وأن الذي كان يقودها آنذاك هو عبد الله سودي أرال، الذي اعتقلته الولايات المتحدة لاحقا، وأرسلته إلى خليج جوانتانامو.
أما عضو حركة الشباب الأكثر دهاء في أمور وسائل الإعلام، وعلى الرغم من ميله إلى عدم إظهار وجهه في الصور، فهو “آدم حاشي عيرو”، على الرغم من إنكار الحركة كونه قائدا فيها.
نجحت حركة الشباب المجاهدين في تعزيز موقعها ونفوذها ضمن نظام المحاكم الشرعية الإسلامية، وشغلت منصب نيابة القيادة في جيش المحاكم الشرعية، وقامت بجمع تبرعات بين الشتات الصومالي، وتسلمت مسئوليات في أنشطة الصحة وعمل الشبيبة ضمن التحالف، ولكن مع دخول القوات الإثيوبية نهاية عام 2006، ودحرها لسلطة المحاكم في مقديشو أخذت حركة الشباب المجاهدين فرصة قوية لإثبات وجودها ومبررات لفرض أجندتها الجهادية، حيث توفر لهم المبرر الكافي لحمل السلاح واستخدامه في وجه العدوان الإثيوبي.
وبحلول منتصف 2007، انفصلت الحركة عن باقي المحاكم الشرعية، مصرحة عبر وسائل الإعلام أنها “لم تعد تحارب كمقاومة، بل إنها تخوض جهادا مسلحا ضد ما سمته “العدوان الإثيوبي”؛ الأمر الذي يتعارض مع التحالفات التي كانت المحاكم الشرعية قد قامت بها مع العلمانيين والمسيحيين، ومع مشاركة نساء متزوجات من رجال غير مسلمين في المعارضة، وتزامن في ذلك الوقت تولى أحمد عبدي جودان قيادة الحركة.
استطاعت الحركة على الصعيد الميداني تحقيق مكاسب على الأرض، وأسست ولايات إسلامية في معظم مناطق وسط وجنوب الصومال، وخضع لسيطرتها ثلثا مساحة أحياء العاصمة مقديشو من 2009 وحتى أواخر عام 2011.
تطور الحركة وبناؤها التنظيمي
تتمتع الحركة بقوة تنظيمية بين قواتها وأفرادها، وبالحفاظ أيضا على التسلسل الهرمي للإدارة، وبالتبعية المطلقة للأمير الذي هو وحده من يدير الملفات الحساسة مثل الإعلام، والأمن، والعمليات النوعية، ومن خلال هذا التماسك الداخلي استطاعت الحركة أن تتوسع عسكريا، وأن تسيطر على تسع مناطق حيوية من الجنوب من أصل ثماني عشرة منطقة من جمهورية الصومال.
وقد أصبحت حركة شباب المجاهدين تحت قيادة واحدة مهيمنة وهي قيادة أحمد عبدي جودان، بعد اغتيال العديد من أعضاء الحركة لتنفرد بالقيادة، وفي ظل هذه الظروف الجديدة، فسيكون بإمكان هذه القيادة إدارة شؤونها الأمنية والعسكرية والحفاظ على ما تبقى من الوحدة الداخلية مع استمرار تعاطفها وتواصلها مع التنظيم الدولي للقاعدة الذي كان ولا يزال داعما أساسيا لأمير الحركة.
وعلى الرغم من عدم وجود أي وثائق أو دلائل للهيكل التنظيمي، للحركة إلا أنه هناك شبه اتفاق على وجود أربعة أجنحة أساسية للحركة أولها مجلس الشورى وهو شبيه إلى حد كبير من حيث الوظيفة والمسؤولية باتحاد المحاكم الإسلامية، ويعد أمير الحركة هو رئيس المجلس في نفس الوقت، وله السيطرة الكاملة على حركة الشباب؛ خاصة فيما يتعلق في اتخاذ القرارات الجماعية.
أما الجناح الثاني فهو الجناح الدعوي الذي يهتم بنشر الإسلام على حد إدعاءاتهم، ولكنه في حقيقة الأمر ما هو إلا جناح لتجنيد ميليشيات جديدة،
بينما يتمثل الجناح الثالث للحركة في ما يسمي بالحسبة وهو نوع من الشرطة الدينية التي يتمثل دورها في مراقبة وصيانة احترام الأحكام والأعراف الإسلامية، وهذا الجناح مسئول عن عمليات تدمير الأضرحة الصوفية في منطقة جنوب وسط البلاد.
ويأتي رابعا الجهاز العسكري هو الجناح الأخير لحركة الشباب، والذي يتم فيه تدريب الشباب عسكريا، في عدد من مخيمات التدريب، المنتشرة في عدة قرى لهذه الميليشيات الدور الأكبر في اشتباكاتها مع القوات الإثيوبية.وهذا الجناح مسؤول عن المئات من الاغتيالات والهجمات، التي استعملت فيها تقنيات التفجير المختلفة كتفجير السيارات المفخخة والإستشهادية والتفجير بالتحكم عن بعد، وأيضا الكمائن والقصف بالهاون والقنابل اليدوية وطريقة الهجوم والفر .
الموارد المالية للحركة
رصد موقع منظمة (جلوبال ايكونوميست) في تقرير له عن مصادر تمويل حركة الشباب، وركز على المصادر الأساسية لتمويل الحركة، والتي تمثل في دعم القبائل الصومالية المستمر، والتي إما ينتمي لها قادة الحركة، أو المسيطرة عليها، وتوفر لهم المناخ والجو الملائم للتجارة وتربية المواشي والإنتاج الزراعي مع القدرة على إعطاء شيوخ القبائل مكانتهم وقد عززت هذه العوامل فقدان الثقة في الحكومة الصومالية بسبب أنها غير مستقرة وغير متزنة وأنها مصدر للعنف والفساد.
إضافة إلى الأموال التي تتلقاها الحركة من الجمعيات الخيرية والأفراد المتعاطفين معها أو المؤمنين بها، والجماعات الإرهابية الأخرى، ويتم نقل الأموال إليها عادة من خلال الحوالة، وهو نظام تحويلات غير رسمي وتقليدي بالنسبة للعديد من المجتمعات الإسلامية، كما تصل إليها الأموال أيضا من خلال القنوات المصرفية العادية، أوعن طريق البريد، وتنفق الأموال في المقام الأول لدعم أعضاء المجموعة وأسرهم، بالإضافة للتدريب والتوظيف، والأسلحة، والمعدات اللازمة للحفاظ على التمرد الصومالية.
علاقة الحركة بتنظيم القاعدة
كان رفض عبدي جودان الأهداف القومية للحركة، والتي أنشئت لمقاومة الاحتلال الإثيوبي وأوجد للحركة ظهير شعبي بين الصوماليين، هو بداية الانضمام إلى تنظيم القاعدة، مرتئيا أن الحركة ما هي إلا خط أول لتنظيم الجهاد الدولي، وعلى الرغم من أن الحركة أصبحت رسميا فرع تنظيم القاعدة في الصومال، إلا أن أعضاء الحركة نفسهم ظلوا في بداية نشأتها ينكرون صلتهم بالقاعدة، على الرغم من أن جزءا كبيرا من أعضاء الحركة أثناء عملها تحت اتحاد المحاكم، كانوا ينتمون لتنظيم القاعدة ومنهم من قدم من أفغانستان بعد تلقيه تدريبات عسكرية، أو مشاركتهم، وكان أعضاء الحركة يرددون أن صلاتهم بالتنظيم من الأعضاء المحيطين بالقاعدة وليس من التنظيم الأم، وظل الوضع ضبابيا ورماديا للمحللين، إلى أن تطورا مهما حدث في حركة الشباب، ليفتح مجالا لإعادة تقييمها وتحديد أهدافها ورؤيتها للواقع، ففي شهر سبتمبر 2009، قامت طائرات أمريكية باغتيال أحد أعضاء الحركة صالح نبهان الذي تتهمه الدوائر الأمريكية بالمشاركة في العملية الإرهابية التي استهدفت فندقا وطائرة إسرائيلية في نيروبي عام 2002، وردا علي هذه العملية، أعلنت الحركة انضمامها رسميا لتنظيم القاعدة، وبعد مقتل بن لادن في 2011، قام أبو الزبير بمبايعة أيمن الظواهري وتجديد الولاء لرئيس التنظيم الجديد.
منذ ذلك التاريخ، لم تسع الحركة إلا إلى القيام بعمليات تؤكد انتماءها إلي تنظيم القاعدة، حتي أقدمت الحركة علي تنفيذ عملية إرهابية مزدوجة استهدفت مشجعين لكرة القدم في العاصمة الأوغندية كمبالا، وأسفرت عن مقتل 76 شخصا.
يرجع السبب وراء قبول القاعدة بحركة الشباب كجناح لها في الصومال، إلى ضعف تنظيم القاعدة في عامي 2010و2011، بسبب الضربات التي تلقاها التنظيم في كل من العراق وأفغانستان والمنطقة القبلية بباكستان علي الحدود مع أفغانستان دفعت عناصر التنظيم إلي البحث عن جبهات جديدة، جاءت في مقدمتها اليمن والصومال، الأمر الذي جعل التنظيم يتحول خلال السنوات الأخيرة إلي العمل بصورة لامركزية من حيث التحكم والقيادة، وبذلك تكون شبكة تنظيم القاعدة من العديد من الخلايا المحلية التي تتمتع بقدر من الاستقلالية عن التنظيم الأم، مما يعطي لها ثقلا من خلال فروعها، في الوقت الذي تحصل فيه هذه الفروع على الدعم اللوجيستي من التنظيم، على أن تحصل هذه الخلايا علي التمويل والتدريب والسلاح بصورة مستقلة عن التنظيم الرئيسي، وحسب تقارير مخابراتية فإن علاقة الحركة مع تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب”، والتي تطرق لها فريق المراقبة التابع للأمم المتحدة في تقريره السابق يظهر أنها علاقات تنظيمية أكثر منها تنفيذية.