كابلات مغشوشة تستقر كـ”قنابل موقوتة” في منازل المصريين
عند الخامسة صباحًا، استيقظ حسين أسامة (31 عاما)، الذي يعمل فنيا في إحدى الشركات الخاصة، على أصوات صراخ جيرانه. وفيما كان الدخان يطبق على أنفاسه ويثير سعاله وأعراض حساسية الصدر لديه، أطل من النافذة ليجد النيران وقد أمسكت لوحة التحكم بالكهرباء الرئيسية المغذية للعقار الكائن في منطقة “منطى” التابعة لقسم “قليوب” جنوبي محافظة القليوبية.
حاول “أسامة” النجاة، ولكن كثافة الدخان كانت تزيد كلما نزل الدرج من شقته في الطابق السادس. حاول التقاط أنفاسه وسط سعال لا يتوقف، فشعر بأنه سيلقى حتفه قبل أن يصل إلى الطابق الأرضي.
سارع الرجل بالعودة إلى شقته، وأغلق غرفة نومه في محاولة للهرب من الدخان، وبقي محبوسا لساعات داخل الغرفة ينتظر وصول النيران إلى موقعه، أو ينجح الأهالي في إطفاء الحريق وينجو.
سيطر أهالي المنطقة على الحريق، وحين حققت شركة الكهرباء في الحادث، أبلغت الأهالي أن سبب اشتعال النيران هو ماس كهربائي سببه ضعف الكابلات الموصولة للمنزل (أسلاك تمديد الكهرباء) وأنها مغشوشة وغير مطابقة للمواصفات.
بعد عام تقريبا، تكرر الحادث مرة أخرى، ولكن تلك المرة كان الخطر أقرب لأسرة “أسامة” من الحريق السابق، حيث التهمت النيران الكابلات الموصولة إلى عدّاد شقته، وبعد السيطرة على الحريق، أبلغه مهندس الكهرباء، أن عليه تغيير كامل أسلاك الشقة لأنها مقلدة وقابلة للاشتعال في أي وقت.
في هذا التحقيق، يكشف “إرم نيوز” عن مصانع غير مرخصة (بير سلم) في منطقة باسوس تنتج أسلاكا كهربائية (كابلات) مقلدة وغير مطابقة للمواصفات، وتباع في الأسواق بأسماء شركات كبرى في ظل غياب الرقابة، لتتسبب في حرائق واشتعال النيران داخل المنازل والشقق السكنية.
بحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لحوادث الحريق في مصر العام 2021، شهدت مصر ما يزيد عن 55 ألف حريق. وتسبب “الماس الكهربائي” وحده بنحو 10 آلاف و863 حادثًا منها، أي ما يقرب من خمس حوادث الحريق.
والسبب الرئيس في “الماس الكهربائي”، وفقا للتقرير، هو تلف الأسلاك أو الكابلات الكهربائية أو أنها غير مطابقة للمواصفات القياسية، مما يساعد في ازدياد احتمالات وقوع الماس الكهربائي.
أولاد عواد.. الثلاثة
لم تكن شقة حسين أسامة هي الأولى ولا الأخيرة التي تتعرض لحوادث حريق بسبب ماس كهربائي.
ففي كانون الثاني/ ديسمبر الماضي، شهدت عزبة “الشواربي”، بمركز القناطر الخيرية بمحافظة القليوبية، فاجعة مؤلمة، بعد أن استيقظ محمد عواد البالغ 48 عاما، على صراخ أبنائه الثلاثة يوسف 16 عاما، وشروق 14 عاما، وعواد 10 سنوات، بعد أن احترقت غرفتهم أثناء نومهم بسبب ماس كهربائي.
يقول عواد لـ”إرم نيوز”: “في ليلة 9 ديسمبر، توجهت للنوم بينما ذهب أبنائي الثلاثة إلى غرفتهم، وصمم ابني الرابع حمزة على النوم في غرفتي، لأن القدر أراد أن يترك لي ابنا من الأربعة، وقبيل الفجر استيقظت على صراخ أبنائي بكلمة الحقونا، وحين حاولتُ إنقاذهم سقط على ساقي جدار تسبب في إصابتي بكسر وتمزق في أربطة الساق”.
يروي عواد بحسرة: “فقدت ثلاثة من أولادي في لمح البصر، كما فقدت القدرة على المشي بشكل طبيعي. منذ ذلك الوقت وأنا اتحرك بعكاز، وساقي موضوعة في جبيرة من الجبس”.
ويشرح عواد بأنه يعيش في هذا المنزل منذ 2017، وهو منزل بسيط من دور واحد يضم 3 غرف، أتت النار عليه بالكامل، حتى سقفه لم يعد موجودا بعد انتهاء الحريق.
ويضيف: “حين قمت بتأسيس المنزل، اشتريت كافة المستلزمات الكهربائية من منطقة باسوس بعد نصيحة الفني المسؤول عن تركيب الكهرباء للمنزل”.
ويوضح: “أنا عامل بسيط، أعمل في مصنع قريب، ولا أعلم كثيرا بمستلزمات الكهرباء. اشتريت المستلزمات التي كتبها لي الفني، كما يقوم أي شخص بالذهاب للصيدلية بالروشتة لشراء الأدوية، فيشتري ما هو مكتوب له بالضبط”.
سيدة وأطفالها.. نجاة في آخر لحظة
على بعد 26 كيلومترا من منطقة “قليوب”، وبالتحديد في منطقة “صفط اللبن” غربي الجيزة، كانت الصدفة وحدها السبب في عدم تكرار حادثة أبناء عواد مع “سيدة عبدالرحمن” وأطفالها الثلاثة الذين نجوا من الموت اختناقا بعدما اشتعلت النيران في كابلات الشقة التي تقطنها، بعد أن أيقظها مندوب مبيعات بينما كانت النيران تلتهم جدران منزلها.
استيقظت “سيدة” على الدخان يملأ أرجاء منزلها، سارعت إلى غرفة أطفالها لتجد ابنتها وقد مال وجهها للزرقة، توجهت بها إلى المستشفى ومكثت الطفلة تحت أجهزة التنفس لساعات حتى استفاقت.
تقول “سيدة” لـ”إرم نيوز”، إنها اشترت مبرّد هواء (تكييف) للتغلب به على حرارة الصيف، ولكن بعد يوم واحد من تركيبه، لم تتحمل أسلاك الكهرباء زيادة الأحمال فاشتعلت النيران.
وبالكشف عن سبب الحريق أبلغتها شركة الكهرباء أنه ماس كهربائي بسبب الأسلاك الكهربائية المقلدة.
استأجرت “سيدة” وزوجها منزلهما بنظام الإيجار القديم لمدة 59 عاما، وسلمها صاحب الشقة، منزلا لم يكتمل تشطيبه، ولكن كان قد انتهى من تركيب أسلاك الكهرباء.
تقول إن المقاولين وأصحاب العمارات السكنية يعتمدون على أسلاك وكابلات رخيصة “سوقية” توفيرًا في نفقات بناء العقارات.
توفير نفقات
داخل محل بالدور الأرضي، في أحد الشوارع الجانبية بمنطقة “ابن الحكم” التابعة لقسم ثان شبرا الخيمة، بمحافظة القليوبية، جلس “العتموني” وهو مقاول وسمسار عقارات، يعمل في بناء العمارات السكنية وتشطيبها.
يقول المقاول إن أصحاب العقارات يطالبونه دائما بالبناء بأقل قدر من التكلفة، وهو كأي مستثمر يحاول تقليل النفقات قدر الإمكان.
يرفض أصحاب العقارات شراء الكابلات الأصلية، وهذا يضطر العتموني لشراء مستلزمات الكهرباء مثل الأسلاك والكابلات وغيرها بأقل ثمن ممكن كما يقول.
ويستطرد بالقول: “رغم أني بشتري كابلات مقلدة ولكن مقلدة درجة أولى، فحتى المقلد فيه درجات، وتصل حتى درجة ثالثة وهي أسوأ نوع ممكن.. الكابل قياس 25 ملليمترا لا يزيد تحمله عن طاقة كابل قياس 16 ملليمترا”.
يشتري “العتموني” الكابلات المقلدة من محال تنتشر في المناطق السكنية، والذين يحصلون عليها بدورهم من مصانع “بير سلم” غير المرخصة التي تنتشر في قرية باسوس، واحدة من قرى مركز القناطر الخيرية التابعة لمحافظة القليوبية، إحدى محافظات القاهرة الكبرى الثلاث، وتبعد عن وسط القاهرة ما يربو عن 12 كيلومترًا.
على طريقة العتموني، بُنيت الكثير من المناطق العشوائية في مصر، مثلت 37.5% من المدن المصرية -بحسب أرقام مجلس الوزراء المصري- أيّ أكثر من ثلث المدن المصرية، ولم تخضع لأية رقابة على تركيب كابلات الكهرباء، مما يجعل الكثير منها قابلا للاشتعال.
وبلغ عدد هذه المدن 221 مدينة على مساحة 161 ألف فدان، ويقطنها أكثر 22 مليون مصري، يعيش الكثير منهم تحت الخطر.
باسوس.. بيت الداء
في منطقة “سيدي سيف” بقرية باسوس، تنتشر مصانع غير مرخصة لإنتاج الكابلات وأسلاك الكهرباء، في أسفل عقارات سكنية، لا يميزها شيء سوى العمال المتوافدين عليها، وأصوات الآلات التي تصدح في جنبات الشوارع الضيقة، وعربات نقل المنتجات الكهربائية التي تقطع الشوارع غير الممهدة.
أسفل أحد المنازل يستقر مصنع “عادل” للكابلات. لا يحتوي المصنع سوى غرفتين؛ في الغرفة الأولى ماكينة سحب أسلاك النحاس، وأخرى للتغليف النهائي، وفي الغرفة الثانية ماكينة جدل الأسلاك وأخرى لعزلها، ويعمل على الماكينات أربعة عمال، وغالبًا ينتمون لعائلة واحدة.
تخفّت معدّة التحقيق في هوية صاحبة عقار تبحث عن شراء أسلاك كهربائية مقلدة بأرخص الأسعار، وخلال الاتفاق مع مدير المصنع والذي يدعى “إسلام” أوضح أن هناك ثلاث درجات للأسلاك.
الدرجة الأولى وهي الأغلى سعرًا، زعم مدير المصنع أنها معتمدة من هيئة المواصفات والجودة. أما الدرجة الأقل فهي كابلات معروفة باسم “المتوسطة” يصفها بأنها كابلات جيدة ويزعم أنها معتمدة أيضا.
ويأتي في المستوى الأخير “كابلات الدرجة الثالثة” والمعروفة بالكابلات “السوقية”.
ويشرح إسلام الفارق بين الدرجات وهو النحاس الموجود داخل كل كابل؛ فكلما انخفضت الجودة قلت كمية النحاس، مشيرا إلى أن الورشة تنتج كابلات من قياس 1 ملليمتر حتى 16 ملليمترا، وهناك مصانع أخرى مجاورة له تنتج من قياس 25 ملليمترا حتى 50 ملليمترا.
وللتأكيد على جودة منتجات مصنعه، أحضر “إسلام” لفة سلك قياس 2 مللىمتر، دُمغت عليها العلامة التجارية لشركة “السويدي” للكابلات الشهيرة، بالإضافة إلى العلامة المائية الذهبية أيضا.
تجولت معدة التحقيق من داخل “توك توك” بين المصانع، ومن مصنع “عادل” للكابلات إلى مصنع آخر داخل أحد المنازل أيضًا، ولكنه على مساحة أكبر وماكينات أكثر وعشرات العمال والحرفيين، ولديه مدير مبيعات تكفل بالتواصل مع معدة التحقيق، والتي تخفت هذه المرة في هوية مهندسة تعمل لدى شركة مقاولات.
عرض مدير المبيعات “لفة سلك” تحمل علامة “السويدي” للكابلات، وهي ماركة أسلاك ذائعة الصيت في مصر، وأكد أنها مقلدة بحرفية، ولا يمكن لصاحب شركة السويدي نفسه أن يفرق بينها وبين الأصلية التي تخرج من مصنعه، على حد قوله.
وأكد مدير مبيعات المصنع في باسوس أنه على الرغم من إنتاج المصنع لكابلات تحمل اسمه وعلامته التجارية، ولكن ينتج أيضًا منتجات مقلدة باسم شركة “السويدي” لأن سمعتها تساعد في تسويق المنتجات وبيعها.
حاول مدير المبيعات إغراء “معدة التحقيق” بالاستفادة من فارق السعر، وأكد أن شركة المقاولات التي تعمل لصالحها لن تكتشف أنها مقلدة، وكانت “لفة أسلاك السويدي” تحمل علامة السويدي وأيضًا العلامة المائية.
وبحسب بيان أسعار حصل عليه “إرم نيوز” من مصنع باسوس للمنتجات المقلدة ومقارنتها بأسعار المنتجات الأصلية، يبلغ سعر لفة السلك طول 100 متر، قياس 1.5 ملليمتر المقلدة نحو 350 جنيهًا، هو سعر أقل بثلاثة أضعاف تقريبا من سعر المنتج الأصلي لشركة السويدي لذات القياس، والذي يبلغ سعره 1026 جنيهًا.
بينما يبلغ سعر لفة السلك 2 ملليمتر من باسوس، 550 جنيهًا، في الوقت الذي يبلغ سعر لفة سلك الأصلية من ذات القياس 1356 جنيهًا.
ويبلغ سعر لفة السلك قياس 3 ملليمتر من إنتاج باسوس، 650 جنيهًا، بينما تبلغ لفة سلك السويدي من ذات القياس 1940 جنيهًا.
أما بالنسبة قياس 4 ملليمتر، فيبلغ سعر لفة السلك نحو 800 جنيه، بينما يبلغ سعر السويدي لذات القياس 2544 جنيهًا.
وفي القياسات الكبيرة، يبلغ سعر لفة سلك إنتاج باسوس لقياس 6 ملليمتر 1250 جنيها، بينما يبلغ سعر لفة السلك من ذات القياس إنتاج السويدي 3740 جنيهًا.
أما قياس 10 ملليمتر فيبلغ سعرها من إنتاج باسوس 1950 جنيهًا، في حين يبلغ سعرها من إنتاج السويدي نحو 6592 جنيهًا، وقياس 16 ملليمتر يبلغ سعرها من إنتاج مصنع باسوس 3200 جنيه، أما المنتج الأصلي من شركة السويدي فيصل إلى 10356 جنيهًا.
الشغل “في المضروب”
“مفيش بيت في باسوس مش بيشتغل في المضروب” بهذه الكلمات بدأ (محمد.أ) الحديث مع “إرم نيوز” وهو أحد العاملين في التنسيق بين المصانع الصغيرة.
يتمثل نشاط محمد في التنسيق بين المصانع التي تنتج السلك، حيث تنقسم الصناعة لثلاث مراحل، تتم في المصانع الكبيرة والمتوسطة حتى غير المرخص منها.
ولكن هناك مصانع صغرى أشبه بالورش لا تستطيع تحمل تكلفة كافة آلات المراحل الثلاث، فتكتفي بمرحلة واحدة فقط، وتنسق مع مصنع آخر يقوم بالمرحلة التي تليها وهكذا.
ويتمثل عمل محمد في التنسيق بين هذه الورش، ونقل المنتج من كل ورشة للثانية، حتى الوصول للمنتج النهائي وتوزيعه.
ويشرح محمد مراحل التصنيع بالقول: “المرحلة الأولى لصناعة الكابلات هي سحب النحاس، حيث يتم تحديد قطر الجدلة أو الشعرة كما يطلق عليها في المصنع، وبعدها تبدأ عملية التخمير، وهي عملية تزيد من ليونة المعدن وقابليته للثني، وفي هذه العملية يتم تسخين النحاس لدرجة حرارة مرتفعة وتبريده بصورة مفاجئة”.
ويضيف: “أما آخر عملية فهي التغليف حيث يتم تغليف السلك بالعازل البلاستيكي، ثم تغليفها في صورتها النهائية”.
يوضح محمد أن “النحاس هو أغلى مكون في السلك الكهربائي، لذلك تقوم بعض المصانع بشراء نحاس قليل الجودة يضم شوائب عالية من معادن أخرى كالحديد مثلا، كما يقوم البعض بتقليل قياس الشعرة اعتمادا على التغليف”.
وبين أن “الفارق لا يزيد عن مليمترات لا تُلاحظ بالعين المجردة”، لكنه شدّد على أنه “لا يقبل التعامل مع هذه المصانع لأن حياة الناس مش لعبة” على حسب تعبيره.
عيوب قاتلة
حصلت معدة التحقيقات على عينات من إنتاج مصانع قرية “باسوس” مما يباع في الأسواق، وتحديدًا لفة سلك بطول عشرة أمتار، وقياس 6 ملليمتر، وتوجهت بها إلى معهد بحوث الأعمال الكهروميكانيكية، التابع للمركز القومي لبحوث الإسكان والبناء، والذي تأسس بعد كارثة زلزال 1992.
وأظهر اختبار العينة أنها غير مطابقة للمواصفات القياسية.
يقول المهندس محمد أسامة، مدير معمل اختبار الأسلاك بالمعهد، إن العينة تفقد أهم عوامل الأمان، وهي نسبة المقاومة عن الحدود الآمنة، فكلما قلت نسبة مقاومة الأسلاك للتيار الكهربائي، قلت فرص زيادة حرارة السلك واشتعاله.
ويحدد نسبة المقاومة، وفقا للمهندس أسامة، نسبة نقاء النحاس المكون للكابلات، فكلما زادت نسبة الشوائب في النحاس وقلت نسبة نقائه، زادت نسبة المقاومة، وأصبح الكابل قابلا للاشتعال.
وأظهر تقرير المعمل أن العينة عند درجة حرارة 20 درجة مئوية تصل نسبة مقاومتها إلى 9.94 أوم، أي ثلاثة أضعاف الحد الأقصى للمقاومة المسموح به هي 3.38 أوم.
أيضا كانت العينة مخالفة في “قطر الجدلة” وهي بحسب المهندس أسامة، حجم المعدن داخل السلك، مشيرا إلى أن المصنع المنتج لهذه العينة تلاعب ليس فقط في نوعية المعدن، وإنما في حجمه داخل السلك، حيث بلغ قطر الجدلة في العينة 0.77 مم، في حين أن القطر القياسي هو 1.05 مم.
إغلاق مؤقت
المحامي محمد عبد الستار، المسؤول عن متابعة ملف المصانع المقلدة لماركة السويدي، قال لـ”إرم نيوز” إن هناك أكثر 500 مصنع يقلد ماركة السويدي، وليست كلها داخل باسوس، حيث هناك مصانع في مناطق عشوائية أخرى أيضًا تعمل على إنتاج المنتجات الكهربائية المقلدة.
وتكمن صعوبة مجابهة تلك المصانع في أنها موجودة داخل التجمعات السكنية، وأسفل المنازل، بحسب عبدالستار.
وضعت شركة السويدي “QR Code” لمنتجاتها يمكن قراءته عبر تطبيق مخصص على الهاتف المحمول.
إلا أن هذا لم يمنع المقلدين من تزوير أكواد، ووضعها على المنتجات، لكن في هذه الحالة هناك تطبيق يطلق إنذارا للشركة، وهو ما أعطى الشركة خريطة عن أماكن التقليد، وعلى رأسها باسوس ومنشية ناصر والبساتين.
يقول عبدالستار، إن “مباحث التموين بالفعل أغلقت عددًا من المصانع المخالفة خلال حملاتها على باسوس وغيرها، ولكنها لا تصادر المعدات والماكينات”.
ويضيف: “لذلك بعد انتهاء الحملة يُعيد أصحاب المصانع المخالفة فتحها من جديد أو على أقل تقدير يفتح صاحب المصنع بابًا آخر بدل المغلق بالشمع الأحمر، ولكن من داخل المنزل، ليستمر العمل ويستمر إنتاج المنتجات المقلدة والتي أصبحت تغرق الأسواق”.
يوضح المهندس أحمد حسونة، مدير عام التسويق في شركة “السويدي إلكتريك”، أن هناك عدة أساليب للتقليد، منها وضع اسم “السويدي” على المنتج، والثاني هو وضع اسم منتج آخر، ولكن مع استخدام نفس تصميم عبوة السويدي.
وبحسب عبدالستار فإن العقوبات في حالة الغش التجاري أو المنتجات مجهولة المصدر ضعيفة للغاية ولا تزيد عن سنة سجن.
وفي حالة المنتجات مجهولة المصدر، يقدم صاحب المصنع للتموين فاتورة شراء لينتهي الأمر بدفع غرامة فقط.
وأوضح عبد الستار أن الشركة حين تقدم بلاغًا لتقليد منتجاتها يُدرج ضمن قضايا الملكية الفكرية، والتي تحتاج إلى إصدار تقرير من جهاز “نقطة الاتصال” التابع لوزارة التجارة والصناعة المعنية بقضايا الملكية الفكرية.
وأشار إلى أن الجهاز يعاني من كثرة البلاغات مما يتسبب في بطء إصدار الأحكام، والتي تنتظر إصدار تقرير وزارة الصناعة لمدة تصل إلى عام كامل في بعض الأحيان.
عقوبات ضعيفة
تنص المادة الأولى من قانون 48 لسنة 1941 المعدل بالقانون 8 لسنة 1994 على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تتجاوز عشرين ألف جنيه أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة، أيهما أكبر، كل من خدع أو شرع في خداع المتعاقد معه بأي طريقة من الطرق في أحد الأمور الآتية: حقيقة البضاعة أو طبيعتها أو صفاتها الجوهرية أو ما تحتويه من عناصر نافعة، أو العناصر الداخلة في تركيبها، وأيضا نوع البضاعة أو منشؤها أو أصلها أو مصدرها، ويعتبر الإخلال بذلك غشا إلى البضاعة”.
في الوقت ذاته، تنص المادة الثالثة من قرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم 113 لسنة 1994 بشأن حظر تداول السلع مجهولة المصدر أو غير المطابقة للمواصفات: “يحظر تداول السلع مجهولة المصدر أو غير المصحوبة بالمستندات المنصوص عليها، كما يحظر عرضها للبيع أو حيازتها بقصد الاتجار”.
فيما تنص المادة الرابعة من نفس القرار على أن “كل مخالفة لأحكام هذا القرار يعاقب عليها بالحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسمئة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي جميع الأحوال تضبط الكميات موضوع المخالفة ويحكم بمصادرتها”.
البرلمان.. على خط الأسلاك
تقدمت النائبة ندى ثابت بطلب إحاطة لمجلس النواب لانتشار الأسلاك المقلدة في الأسواق المصرية، مشيرة إلى أن الأسلاك المقلدة تمثل نحو 85% من البضائع الموجودة في الأسواق المصرية، وأن الخامات المستخدمة فيها مجهولة المصدر.
وقالت ثابت لـ”إرم نيوز” إن “العقوبات المنصوص عليها في القانون هزيلة للغاية، حيث تقتصر على الحبس لعام واحد، وغرامة لا تزيد عن 20 ألف جنيه فقط، وهي عقوبات لا تتناسب مع الأضرار الناتجة عن المنتجات المقلدة، التي قد تودي بحياة المواطنين”.
من جانبه، قال النائب أحمد بلال، عضو لجنة المحليات في مجلس الشعب، إن “مسؤولية مراقبة جودة الأسلاك الكهربائية في المباني لا تقع على المحليات، فهي المسؤولة فقط عن إصدار التراخيص قبل البناء، والتأكد من السلامة الإنشائية للمبنى، سواء أثناء البناء أو في الرقابة اللاحقة على المباني، ولكنها غير معنية بالتوصيلات الكهربائية أو السلامة المدنية”.
فيما يقول المهندس محمد أسامة، من معهد بحوث الأعمال الكهروميكانيكية، إن “المعهد ليس له أي سلطة لسحب عينات من الأسلاك من المباني، سواء القائمة أو المشروعات، إلا بطلب من هيئة المجتمعات العمرانية وأجهزة المدن الجديدة”.
وأشار أسامة إلى أن “هيئة المجتمعات العمرانية وكذلك أجهزة المدن الجديدة تفرض على المهندس الاستشاري أو المقاولين العاملين في مشروعات الإسكان سحب عينات عشوائية من المواد المستخدمة ومن بينها الأسلاك الكهربائية، واختبارها سواء في المعامل التابعة للمعهد أو في معامل كليات الهندسة أو المعامل المعتمدة لدى الدولة، ولكن الأزمة الأكبر تكمن في المشروعات الخاصة أو العشوائيات والمحليات”.
وأضاف: “كما أن المعهد ليس له أي سلطة أيضا على المصانع، فلا يمكن للمعهد سحب عينات من المصانع إلا بطلب من هيئة الرقابة الصناعية”.
وبين غياب الرقابة على المواد المستخدمة في البناء بالمساكن العشوائية والمناطق غير المخططة، وضعف العقوبات على مصانع المنتجات المقلدة، تضيع المسؤولية، وتتكاثر الكابلات والأسلاك غير المطابقة للمواصفات فتغزو معظم الأسواق، لتستقر في النهاية داخل آلاف المنازل كقنابل موقوتة قابلة للانفجار في كل لحظة.