في يومه العالمي.. تعرف على مكانة المعلم وقيمة العلم وفضله في الإسلام
يوم المعلم العالمي، يحتفل العالم سنويا باليوم العالمي للمعلم في الخامس من أكتوبر من كل سنة ( منذ 1994)، فلا يمكن لأمة أن ترقى إذا لم يكن هناك تعليم جيد وإذا لم تستمر في ذلك استثمارا حقيقيا.
والشريعة الإسلامية أشارت إلى مكانة العلماء ومنزلتهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإلى دورهم في نقل هذه الرسالة وتعليمها إلى الناس أجمعين من خلال منهجين: منهجٌ قائمٌ على التعليم، ومنهجٌ آخرٌ قائمٌ على التزكية. وسوف أوضح مكانة العلم والمعلم في التقرير
حكم العلم في الإسلام
أن الإسلام يعتبر العلم فرض كفاية.
يقول ربنا سبحانه وتعالى: ”رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ” سورة البقرة (129). نلاحظ في هذه الآية أن الله تعالى قدّم التعليم على التزكية.
وفي آية أخرى قدّم الله سبحانه وتعالى التزكية على التعليم في معرض امتنانه على هذه الأمة بأن أرسل لهم سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم فقال: ” لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ” سورة آل عمران (164).
وأنه أفضل أنواع الجهاد وطلبه في سبيل الله لأن به قوام الإسلام وأن الله عز وجل جعل تعليم العلم جهاداً كبيراً لقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان:51–52].
العلم في الشريعة الإسلامية
العلم في الإسلام لا يعني فقط العلم بأحكامه وآدابه، بل حتى بالعلم الكوني، أو العلم المادي. ذلك أن الإسلام جاء شاملاً لضروب النشاط الإنساني كافة ومنها البحث الكوني، وقد أمر الإنسان بتعمير هذا الكون المُسخَّر له، وذلك يعني في الوقت نفسه أن الكون المشاهد خاضع لإدراكه وبحثه، وأن ظواهره ليست بالشيء المُبْهم الغامض الذي لا يُفسّر، وأن بمقدوره الاستفادة من الكون واستغلال خيراته على أوسع نطاق لتأمين حياته ورفاهيتها. قال الله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ١٢﴾ [النحل:12].
وتوجيه القرآن في هذا الصدد هو تأكيد لروح المنهج العلمي الصحيح الذي يدفع الإنسان إلى محاولة استكشاف ما هو مجهول من هذا الكون وظواهره على أساس من الثقة بقدرة الإنسان وبالعلم في مواجهة الطبيعة. ومما له دلالة على أن العلم في الإسلام غير محدود بحد معين؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنتم أعلم بشؤون دنياكم».
قيمة العلم والمعلم في الإسلام
لا يوجد دين رفع من قيمة العلم، وأعلى من شأن العلماء كالإسلام، في نصوص تتلى في كل آن وحين، فسورة القلم بدأها الله تعالى بقوله: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} (القلم:1)، كما أن أول آية نزلت من القرآن الكريم لم تأمر بالصلاة، ولا بالزكاة، ولا حتى بالجهاد، وإنما بالقراءة، يقول الله عز وجل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} (العلق:1-3).
وأن الإسلام أعطى الزكاة لطالب العلم، ولا تعطى لمن يريد الانقطاع للعبادة؛ إذ لا رهبانية في الإسلام..
وأيضا يقدم الأحفظ لكتاب الله، والأفقه لإمامة الناس في الصلاة، كما جاء في الحديث (يؤم القوم أقرؤهم لِكِتَابِ اللَّهِ …)؛ لأنه أعلم بتدبير أمر الصلاة.
أهمية العلم
أن العلم من الأمور التي لا تقوم الدولة إلاّ بها، ولا يوجد تاريخ أو حضارة من دونها، والعلم معروف منذ البشريّة ومنذ بداية خلقها، ولكن تتطوّر مع تطوّر الإنسان والتطوّر لا يحصل الا بتراكم العلم وزيادة الخبرات بين الناس، والعلم هو الطريق الوحيد لمعرفة الحقيقة والوصول إليها، والعلم لا يأتي إلاّ بعد جهد وتعب حتّى يمكن الوصول إلى المعرفة الأكيدة، والعلم يختلف باختلاف المجال الذي يتعلّمهُ الشخص للوصول إلى الغاية التي يريد الوصول اليها وتحقيقها لهدف معيّن أو غاية أو زيادة خبرات وزيادة الثقافة.
الإسلام اهتم بالعلم اهتماماً كبيراً، فعندما نزل القرآن الكريم أول كلمة نزلت في القرآن هي اقرأ لعظمة العلم ولعظم أمرهِ في حياة الإنسان وفي حياة الشخص، والحكمة من نزول كلمة اقرأ هي للتعلم، لأنّ الله لا يعبد بجهالة أو من دون علم قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر:9].
فضل العلم في الإسلام
أولا: العلم خير من نفل العبادة، وقد جاء أن ابن وهب أراد أن يقوم من مجلس الإمام مالك من أجل الصلاة، فقال له الإمام مرشدا: “ليس هذا الذي أنت فيه دون ما تذهب إليه إذا صح فيه النية”.
ثانيا: العلم قبل الجهاد، ومداد العلماء يوزن بدماء الشهداء. وبالعلم يعرف فضل الجهاد، وبالعلماء يحشد الناس للقتال، ولولا العلم الرشيد لكان القتال خروجا مذموما أو انتحارا في سبيل الأهواء المضلة، كما فعل الخوارج قديما، وكما تفعل الحركات المتطرفة حاليا.
ثالثا: العلم طريق الجنة، وسبيل معرفة الله، ويدل على هذين النصين القاطعين من القرآن قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (آل عمران:190-191).
أهمية العلم في السنة النبوية
ومن السنة: أخرج الترمذي وأبو داود عن أبي الدرداء مرفوعا، قوله عليه الصلاة والسلام: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارا، ولا درهما إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر).
مكانة المعلم في الإسلام
أولا: حدَّثنا الله تعالى عن قيمة العلماء وبيان فضلهم؛ حيث حصر بهم وحدهم الخشية منه تعالى: مصداقا لقوله تعالى: ﴿… وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾(فاطر: 28). وفي محلٍّ آخر يترك الله الحكم إلى ذوي العقول ليقضوا هم بفطرتهم ووجدانهم، بأنَّ العالم وحامل العلم أفضل من غيرهما، وكأنَّه يقول لنا إنَّ هذا الأمر – لوضوحه – متروكٌ لعقولكم حتَّى تحكموا أنتم بأنَّ من يحمل العلم لا شك في فضله وعلوِّ مقامه، وذلك في الآية الشريفة: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ (الزمر: 9).
ثانيا: المعلم والمربي الحكيم هو أساس التعليم والتربية
إذا كان للتعليم تلك المكانة والمزية، فإنه لا يكون هناك تعليم جيد دون وجود معلمين مخلصين ومؤهلين. فالمعلم هو أحد عديد العوامل التي لنجاح منظومة التربية والتكوين، فهو يساعد التلاميذ على التفكير النقدي، والتعامل مع المعلومة، ويعلمهم القيم والأخلاق، ويهذّب طباعهم ويجعلهم أكثر إيجابية في هذه الحياة، وبالتالي فإنه يخلق مجتمعاً واعياً ومواكبا لكلّ ما هو جديد..
إن المعلم من أسمى وأنبل الأشخاص في هذا العالم، لدوره العظيم الذي يقوم به في المجتمع، بحيث إنّ دوره لا يقلّ أبداً عن دور المهنيين الآخرين كالأطباء، والمهندسين، والصيادلة وغيرهم، بل على العكس فإنّه لولا المعلم لما كانت المعرفة لتصل إليهم حتى يصبحوا على ما هم عليه الآن.