بطرس غالي شخصية قومية واشتراكية وليبرالية وديمقراطية، نجح في تحريك القضايا سواء في قيادته لوزارة الشئون الخارجية أو على رأس المنظمة الدولية، واسترداد جزء من الوطن المفقود، وفتح مصر على القارة الإفريقية والحفاظ على تعدد الثقافات واللغات والآراء والمعتقدات، وسطر اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ السياسة المصرية.
ونعرض لكم في السطور التالية أهم المعلومات عن بطرس بطرس غالي:
لمحة تعريفية
وُلد الدكتور بطرس غالي في 14 نوفمبر 1922 وتوفي في 16 فبراير 2016، وكان دبلوماسي مصري والأمين العام السادس للأمم المتحدة للأعوام 1992 – 1996م، هذا إلى جانب كونه أكاديمي ونائب وزارة الخارجية المصرية السابق، كما أشرف على الأمم المتحدة في وقت تناولت فيه العيد من الأزمات العالمية، بما في ذلك تفكك يوغسلافيا والإبادة الجماعية في روندا، وكان أول أمين عام للمنظمة الدولية للفرنكوفونية في الفترة من 16 نوفمبر 1997 إلى 31 ديسمبر 2002، تزوج من ليا نادلر، وهي ابنه لأسرة يهودية مصرية من الإسكندرية، وتحولت ليا نادلر إلى الديانة المسيحية على المذهب الكاثوليكي في شبابها.
كان مشوار بطرس غالي الفكري مليء بالعديد من الأطروحات منها: الولايات المتحدة العربية وهي فكرة طرحها بطرس غالي إبان وجوده في الوزارة في فترة حكم السادات، وذلك في وقت الوحدة التي كانت بين سوريا ومصر وليبيا، وقد نشرت مجلة الهلال المصرية تفاصيل هذه الأطروحة في أوائل السبعينيات من القرن الماضي.
أبرز مواقف حياته
تولى بطرس غالي منصب السكرتير العام للأمم المتحدة في أول يناير 1992م، ولكن وصوله إلى هذا المنصب لم يكن سهلا، إذ سبقت ذلك جهود مضنية من الوفد المصري، خاصة بعد تردد الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة لترشيح غالي للفوز بهذا المنصب 6 أشخاص أبرزهم الرئيس النيجيري الأسبق اللواء «أويسنجو»، والذي كانت فرصته أكبر لكون بلاده هي رئيس منظمة الوحدة الإفريقية، وسعت مصر مع المندوب الفرنسي الدائم آنذاك «جاك برنار» وتم التوصل إلى إنعدام فرصة أي إفريقي للفوز بهذا المنصب إذا لم يقع الاختيار على الدكتور بطرس غالي.
ولكن بعد جهود وترتيبات مع الدول الإفريقية، خاصة بعد تسرب خبر أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى أن يفوز بهذا المنصب غير إفريقي وأعدت أسماء المرشحين لذلك، هنا توحدت صفوف الدول الإفريقية، وفررت الاتفاق على دعم «غالي» الذي فاز بالمنصب بعد موافقة 11 صوت، وامتناع دولة واحدة عن التصويت والتي من المعتقد أن تكون الولايات المتحدة، حينما أرادت مصر التجديد لبطرس غالي ولاية ثانية رفضت الولايات المتحدة هذا المطلب، وساقت السفيرة الأمريكية أولبرايت مبررات الولايات المتحدة للوفد المصري منها أن غالي كثير السفر، وعنيد، وصعب المراس، وأن الولايات المتحدة تمارس عليه ضغوطات حتى يتماشى مع سياستها، كما أن الولايات المتحدة لا تفضل هذا النوع من الأشخاص، وحسبما ذكر الدكتور نبيل العربي في كتابه «صراع الدبلوماسية» أن تقرير قانا الذي أعده “غالي” وفضح به جرائم الاحتلال الإسرائيلي في مجزرة قانا جنوب لبنان والتي راح ضحاياها 106 من المدنيين، أحرج إسرائيل أمام الرأي العام، وأزعج الولايات المتحدة، وبالتالي اعترضت على التجديد.
كذلك كتب العديد من المؤلفات الهامة
1- طريق مصر إلى القدس
عن ذكرياته مع السادات في القدس، ومفاوضات كامب ديفيد، يجمل الدكتور بطرس غالي كل ذلك في كتابه “طريق مصر إلى القدس” الذي نشر في 1997 عن مركز الأهرام للترجمة والنشر، ويستند غالي في كتابه إلى وثائق لمحاضر اجتماعات الوفد المصري مع الدبلوماسيين الأمريكيين والإسرائيليين، الكتاب أيضا مليئ بالحكايات والطرائف التي تكشف عن شخصية وأسلوب عدد كبير من قادة العالم: (تيتو، وكاسترو، وسنغور، ومنجستو).
وأشاد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر بالكتاب ووصفه بأنه حكى كل ما وراء الستار في مفاوضات كامب ديفيد، والتي كان كارتر أحد الشهود عليها!
2- 5 سنوات في بيت من زجاج!
“5 سنوات في بيت من زجاج ” أحد مؤلفات الدكتور غالي التي نشرها مركز الأهرام للترجمة والنشر في 1999، يحكي غالي عن كواليس سنواته الخمس التي قضاها على رأس منظمة الأمم المتحدة، المنظمة التي وصفها في كتابه بالبيت الزجاجي.
ويهاجم بشدة المواقف الأمريكية التي لا تحمل أي اعتبار للمنظمة الدولية، فيقول غالي إن أمريكا وبعض الدول الكبرى في مواجهة المشكلات الصعبة تكتفي بالمواقف الظاهرية الصاخبة وتزج بالأمم المتحدة في أتون المعارك دون أن توفر لها القوة الحقيقية ولا المال اللازم لذلك!
ويبرز الدور الأمريكي في إبعاده عن تولي فترة ثانية في منصب الأمين العام للأمم المتحدة، باستخدامها حق الفيتو ضد قرار ترشحه.
3- بين النيل والقدس يوميات دبلوماسي مصري!
يوميات يوم بيوم، دونها غالي بقلمه في الفترة من اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في احتفال أكتوبر عام 1981 إلى يوم دخوله منظمة الأمم المتحدة أمينا عاماً لها
لم تكن تلك الأوراق معدة للنشر، لذلك أفرد غالي حديثا مطولا عن أحداث ثانوية، مقابل تعليقات مقتضبة عن أحداث في غاية الأهمية، ولكن عندما عرضت “دار الشروق” نشر تلك المذكرات في 2013، رفض غالي أن يعدل منها شيئا، مما أكسبها صدقا وتلقائية تجاه القراء.
ومن أبرز النقاط التي طرحها غالي في يومياته، ما يتعلق بالتردد المصري في تفضيل العمل على مسار النيل أو العمل في القدس وما حولها. فإذا ما كان النيل يمثل لمصر المستقبل والحياة، خاصة وأن المياه ستصبح أكثر ندرة، وتداخل مصالحنا مع القارة الإفريقية .. ليس له من نهاية، فإن القدس تمثل تاريخ العالم العربي.