فن تعامل الرسول مع المسيئين له وكيف اكتسب محبتهم
تزخر سيرة وحياة المصطفي صلي الله عليه وسلم بالكتير من المواقف التي سبق فيها حلمه غضبه واستطاع تحويل أعدي أعدائه إلي أشد انصاره وفي هذا التحقيق سوف نروي كيف تعامل النبي مع بعض المسيئين إليه بالحكمة فإلي التفاصيل
روت أم المؤمنين السيدةُ عائشة أنه دخل ناس من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليك، (ظنوا أن النبي لا ينتبه إلى قولهم هذا فبدل أن يقولوا: السلام عليك. قالوا: السام عليك أي الموت عليك يا محمد) فقال: “عليكم” . فقالت عائشة: السام عليكم يا إخوان القردة والخنازير، ولعنة الله وغضبه عليكم، ولعنة اللاعنين،
قالوا: ما كان أبوك فحاشاً!! (أي أبو بكر الصديق).
فلما خرجوا، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مهلاً يا عائشة، عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش، فإن الله لا يحب الفحش والتفحش، لا تكوني فاحشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله، لم يدخل الرفق في شيء إلا زانه، ولم ينـزع من شيء إلا شانه،
ما حملك على ما صنعت؟” قالت: أما سمعتَ ما قالوا ؟ قال: ” فما رأيتيني قلت: عليكم؟ إنه يصيبهم ما أقول لهم، ولا يصيبني ما قالوا لي “.
والحديث مذكور بألفاظ مختلفة في عدة مواضع من صحيح البخاري وفي عدة مواضع من صحيح مسلم، وفي عدة مواضع من مسند الإمام أحمد، وبقية كتب السنة.
كما تروي كتب السرة والأحاديث أيضا اختبار اليهودي زيد بن سَعْنَةَ للرسول، حيث كان زيد يريد أن يسلم، ولكن قبل إسلامه أراد أن يختبر الرسول الكريم في عدة صفات، فقال: ما مِن علامات النبوة شيءٌ إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أَخْبُرهما منه (أي لم أختبره ولم أكشفهما فيه): “يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلا حِلْمًا، فَكُنْتُ أَلْطُفُ لَهُ لأنْ أُخَالِطَهُ فَأَعْرِفُ حِلْمَهُ مِنْ جَهْلِه”.
فاتفق زيد مع النبي على صفقة مادية على أن يأخذ زيد حقه في أجل معلوم، فقال زيد: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه، ونظرت إليه بوجه غليظ، فقلت له، ألا تقضيني يا محمد حقي، فوالله ما علمتكم يا بني عبد المطلب لَمَطْلٌ، ولقد كان لي بمخالطتكم علم،
ونظرت إلى عمر بن الخطاب وإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره وقال: يا عدو الله!!! تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع، وتصنع به ما أرى، فوالذي بعثه بالحق، لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك. ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم،
ثم قال: “يا عمر، أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التَّبَاعَة، اذهب به يا عمر فأعطه حقه وزده عشرين صاعاً من تمر، مكان ما رعته”
قال زيد : فذهب بي عمر رضي الله عنه فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعاً من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر؟ فقال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رعتك، قلت: وتعرفني يا عمر؟ قال: لا، من أنت؟ قلت: أنا زيد بن سعنة، قال: الْحَبْرُ ؟ قلتُ: الْحَبْر، قال: فما دعاك أن فعلتَ برسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلتَ وقلتَ له ما قلتَ؟ قلتُ: يا عمر، لم يكن من علامات النبوة شيء إلا قد عرفت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، فقد اختبرتهما، فأخبرك يا عمر أني قد رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وأشهدك أن شطر مالي فإني أكثرها مالاً صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
حديث حسن، رواه ابن حبان في صحيحه والطبراني والبيهقي وابن أبي عاصم ويعقوب بن سفيان في المعرفة وغيرهم. وحلم النبي على من آذاه في مثل هذه المواقف، ثابت في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما من كتب السنة .
دخلها وهو يردد سورة الفتح حتى وصل إلى البيت الحرام، وطاف بالكعبة سبعة أشواط واستلم الركن بمِحْجَنِه كراهة أن يزاحم الطائفين وتعليماً لأمته. وأخذ يكسر الأصنام وكان عددها ثلاثمائة وستون صنماً وهو يتلو قوله تعالى: { وَقُلْ جَاءَ الْحقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إنّ الْبَاطِلَ كانَ زَهُوقاً}. ثم دخل صلى الله عليه وسلم الكعبة وصلى بها.
وبعد أن صلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم داخل الكعبة وقف على بابها وقريش صفوف في المسجد ينتظرونه، ثم قال: “يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم”، قالوا: خيراً. أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: صلى الله عليه وآله وسلم “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.