فضل العفو وأهميته في الشريعة الإسلامية
العفو عن المسيء، العفو سمة من سمات مكارم الأخلاق الإسلام السامية، وتحتاجه النفس البشرية لتتخلّص من كل الشوائب التي قد تعلق في القلب من أثر الأذى.
وأن العفو يتحقق بطول صبر وكظم للغيظ واحتساب الأجر وهذا الخلق هو قمة الفضل والإحسان الذي دعا إليه ورغب فيه في مواضع متعددة بالقرآن والسنة.
مفهوم العفو
العفو لغة: مصدر عَفَا يَعْفُو عَفْوًا، فهو عافٍ وعَفُوٌّ، والعَفْوُ هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأصله المـحو والطمس، وعفوتُ عن الحق أي أسقطته، كأنك محوته عن الذي عليه.
والعَفْوُ اصطلاحًا: (هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب). وقيل: (هو القصد لتناول الشيء، والتجاوز عن الذنب).
إن الإسلام جاء بمبدأ إنساني غاية في العظمة، وهو مبدأ التسامح والعفو عن المسيء.. فالتسامح يعني القدرة عن العفو عن الآخرين، وعدم مقابلة الإساءة بإساءة مثلها، والحرص على التمسك بالأخلاق الراقية التي حث عليها جميع الرسل، والأنبياء والأديان، مما يعود على المجتمع بالخير.
العفو في الشريعة الإسلامية
رغَّب الشرع الحنيف في العفو عن المسيء ومسامحته عند القدرة؛ فإن كانت المعاقبة هي جوهر العدل والإنصاف، فإن العفو هو قمة الفضل والإحسان، وهذا الخلق الكريم هو سمة من سمات وأخلاق الإسلام الذي دعا إليه ورغب فيه في مواضع متعددة؛ مصداقا لقوله تعالى: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيل﴾ [الحجر: 85]، وقال سبحانه: ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الزخرف: 89]، وقال سبحانه ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِين﴾ [الشورى: 40].
قال الإمام الرازي في “مفاتيح الغيب” (27/ 607، ط. دار إحياء التراث العربي): [﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ﴾ بينه وبين خصمه بالعفو والإغضاء كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم﴾ [فصلت: 34]، فأجره على الله، وهو وعد مبهمٌ لا يقاس أمره في التعظيم] اهـ.
وقال الإمام القرطبي في “الجامع لأحكام القرآن” (16/ 40، ط. دار الكتب المصرية): [قوله تعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ﴾ قال ابن عباس: من ترك القصاص وأصلح بينه وبين الظالم بالعفو؛ ﴿فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ أي: إن الله يأجره على ذلك. قال مقاتل: فكان العفو من الأعمال الصالحة] اهـ.
وقال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 133-134].
قال الإمام الطبري في “جامع البيان” (6/ 57، ط. دار هجر): [قوله تعالى: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ فإنه يعني: والصافحين عن الناس عقوبة ذنوبهم إليهم، وهم على الانتقام منهم قادرون، فتاركوها لهم. وأما قوله ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ فإنه يعني: فإن الله يحب من عمل بهذه الأمور التي وصف أنه أعد للعاملين بها الجنة التي عرضها السماوات والأرض، والعاملون بها هم المحسنون، وإحسانهم هو عملهم بها] اهـ.
العفو في السنة النبوية
والأحاديث في هذا الباب كثيرة التي تبين منهج الشرع الحنيف ودعوته إلى العفو والتسامح والتحلي بهما، بما يعود بالنفع على الجميع؛ إلا أن العفو المأمور به هنا شرعًا هو العفو الذي لا يترتب عليه أمر محرم شرعًا.
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
“ما ضرب رسول الله ﷺ شيئًا قط بيده، ولا امرأةً ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى، فينتقم لله عزَّ وجلَّ”.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ» أخرجه مسلم.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ» أخرجه البيهقي في “الشعب”، والطبراني في “مسند الشاميين” و”مكارم الأخلاق”.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: (جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله! كم نعفو عن الخادم؟ فصمت! ثم أعاد عليه الكلام، فصمت! فلما كان في الثالثة، قال: «اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة»)
أهمية العفو وثوابه
1- سبب لنيل عفو الله وصفحه ورضوانه، مصداقا لقوله تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا * أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ * وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النور:22]
2- أن العفو أهمية في توثيق الروابط الاجتماعية التي تتعرض إلى الانفصام بسبب إساءة بعضهم إلى بعض.
3- الرحمة بالمسيء، وتقدير لجانب ضعفه البشري، وامتثال لأمر الله، وطلب لعفوه وغفرانه
4- سبب لتحقق صفة تقوى الله، مصداقا لقوله تعالى: ((وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُم))[البقرة: 237].
5- العفو من صفات المحسنين المتقين الذين وعدهم الله بالمغفرة والجنة، مصداقا لقوله تعالى: ((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) [آل عمران: 133، 134].
6- سبب لنيل العزة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ((.. وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا..)).
أهمية الأخلاق في الإسلام
-جعل الرسول عليه الصلاة والسلام الغاية من بعثته هي الدعوة إلى مكارم الأخلاق فقد قال الرسول عليه السلام: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
– الأخلاق من الأسباب التي ينال بها العبد رحمة الله سبحانه وتعالى، ويتوب الله على من تاب، ويغفر له الذنب.
– تعظيم الإسلام لحسن الخُلق. الأخلاق الحسنة هي أساس لبقاء الأمم، والأخلاق السيئة، أو الانحلال الأخلاقي هو سبب في زوال الأمم.
-الأخلاق هي من أسباب المودّة والرحمة بين الناس، وسبب لإنهاء العداوة والبغضاء فيما بينهم.
– سَلَامة القلب من الشَّحْناء لعموم المسلمين، وإرادة الخير لهم، ونصيحتهم، وأن يحبَّ العبد لهم ما يحبُّ لنفسه.