فرع جديد لـ”داعش” أشد فتكا يتوسع بأفريقيا.. هاربون يروون الأهوال
في أعماق وديان الكونغو الضيقة المليئة بالأحراش، ينمو فرع محلي لتنظيم داعش “أشد فتكًا” ويزداد ضراوة يومًا تلو الآخر؛ فيجند الأطفال لتعزيز صفوفه، ويصقل مهاراته في صنع القنابل، ويشن هجمات شرسة على القرى والكنائس، وسط تغافل دولي عن تلك الفظائع.
ذلك الفرع، يطلق عليه القوات الديمقراطية المتحالفة (ADF) والتي وسعت من عمليات تجنيدها من أماكن أخرى في أفريقيا والشرق الأوسط، بحسب صحيفة “واشنطن بوست”، التي قالت إن ذلك الفرع يرتبط بشبكات التمويل الأجنبية التي تساعد في تمويل حملة التفجيرات، وفقًا لمحققين من الأمم المتحدة ومؤسسة بريجواي التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا، أكدوا أن هذا العام كان الأكثر دموية حتى الآن.
وعن القوات الديمقراطية، قالت صحيفة “واشنطن بوست”، إنها تأسست قبل عقود في أوغندا المجاورة بهدف الإطاحة بحكومة ذلك البلد، الأمر الذي دفع في النهاية مقاتليها لعبر الحدود إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي وقت كادت فيه القوات الديمقراطية أن تتوقف عن شن الهجمات، بدأ تدفق الأموال يسري في شرايينها؛ فنفذت منذ ذلك الحين، موجة من التفجيرات والهجمات، أسفرت عن مقتل الآلاف من المدنيين.
وتشكلت “القوات الديمقراطية المتحالفة” في شرق جمهورية الكونغو عام 1995 من خلال اتفاق بين جماعة التبليغ الأوغندية والجيش الوطني لتحرير أوغندا للقتال ضد الحكومة الأوغندية خلال ذلك الوقت.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن هذه القوات مؤلفة من متمردين أوغنديين مسلمين يقيمون منذ 1995 في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
أهوال وفظائع
في يونيو/حزيران الماضي، استهدفت قوات التحالف الديمقراطية، مدرسة بالقرب من الحدود بين أوغندا والكونغو، مما أسفر عن مقتل 41 شخصًا، معظمهم من الأطفال، أحرقوا أحياء.
وروى طفل كونغولي فر مؤخرًا من القوات الديمقراطية، الكثير عن “وحشية” تلك المليشيات، قائلا، إنه كان يبلغ من العمر 12 عامًا فقط عندما أغار مقاتلون على بلدته، بولونغو، وعذبوا والدته ووالده أمامه حتى الموت، ثم قبضوا عليه وشقيقه.
وقال الصبي، الذي حجبت الصحيفة اسمه خوفا لتعرضه لأعمال انتقامية، إنه وشقيقه اقتيدا إلى الغابة، حيث أعطاهما القادة تدريبات عسكرية، تركزت على كيفية قتل الناس.
كان الصبي من بين 11 من الهاربين الذين قابلتهم “واشنطن بوست”، إلى جانب ضباط عسكريين كونغوليين، ومسؤولين أمنيين وزعماء دينيين، وضحايا الهجمات الإرهابية التي شنتها تلك المليشيات.
ونقلت “واشنطن بوست”، عن بعض الهاربين، قولهم إن أطفالا لا تتجاوز أعمارهم 10 أعوام يتدربون على القتال، فيما الفتيات، يتم استعبادهن جنسيًا أو يتعرضن لاغتصاب جماعي، أو يتم تزويجهن قسريًا لأحد قادة تلك المليشيات.
وقال الصبي إنه أُجبر على المشاركة في هجوم على قرية أخرى، وتذكر أنه شاهد صانع قنابل تنزاني يدعى أحمد محمود يوجه تعليمات إلى مجندين آخرين بشأن المتفجرات. كما قام ذلك التنزاني بقيادة طائرات بدون طيار تستخدم لمراقبة الأهداف ومراقبة الهجمات.
وقال الصبي، إن المجندين الأجانب كانوا يحتشدون في معسكر، أطلق عليه اسم “المدينة المنورة”، مشيرًا إلى أنه بينما كان معظم القادة من الأوغنديين، هناك أيضًا العديد من الصوماليين والروانديين والتنزانيين.
وقال الصبي إنه بينما حاول الهرب، قال له صديقه التنزاني محمود، هامسًا: “أمك ماتت. إذا حاولت الهرب، فسوف تُقتل أيضًا”، إلا أنه في النهاية، تخلى عن صديقه، وهرب.
وتقول “واشنطن بوست”، إنه في السنوات الأخيرة، أصبحت الهجمات الدولية لتنظيم “داعش” أكثر تشتتًا؛ بعد القضاء على ما يسمى بدولة الخلافة في سوريا والعراق، مشيرة إلى أنه منذ ذلك الوقت جرى تعزيز الفروع المحلية في أفغانستان ومنطقة الساحل في أفريقيا وبشكل أقل في وسط أفريقيا.
أدلة على الارتباط الوثيق
وفي عام 2017، تم إجراء أول تحويلات نقدية موثقة من قبل “داعش” إلى القوات الديمقراطية المتحالفة، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أنه بعد ذلك بعامين، أعلن “داعش” عن ظهور فرع له في وسط أفريقيا، وكانت “القوات الديمقراطية المتحالفة” جزءًا منه.
وفرضت الحكومة الأمريكية عقوبات في عام 2021 على القوات الديمقراطية المتحالفة، واصفة إياها بأنها تابعة لتنظيم “داعش”.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن قرار انضمام القوات الديمقراطية المتحالفة إلى تنظيم “داعش” الإرهابي، واجه في البداية معارضة داخلية.
وقالت فتاة تبلغ من العمر 16 عامًا، كانت قد أمضت ثماني سنوات مع القوات الديمقراطية المتحالفة، قبل هروبها، إن محمود قد وصل إلى الكونغو حاملا علمًا أسود، وطلب أن يتعهد الجميع بالولاء لتنظيم “داعش” أو التعرض للهجوم.
وبحسب “واشنطن بوست”، فإنه لطالما عارض مؤسس القوات الديمقراطية المتحالفة، جميل موكولو، تنظيم “داعش”، وكذلك فعل ابنه موسى، مشيرة إلى أن مقاتلين آخرين في “القوات الديمقراطية المتحالفة” قطعوا رأس موسى، فيما تعرض اثنان من كبار القادة اللذين عارضا تنظيم “داعش” للضرب حتى الموت.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن لجنة من خبراء الأمم المتحدة، حددت لأول مرة، التفاصيل المتعلقة بالروابط بين القوات الديمقراطية المتحالفة وتنظيم “داعش” في يونيو/حزيران الماضي.
وأشارت إلى أن الأمم المتحدة ومؤسسة “بريجواي”، أكدا أن “القوات الديمقراطية المتحالفة” تلقت الأموال من خلية جنوب أفريقية عملت مع أحد عناصر تنظيم “داعش” في السودان، مؤكدة أن ذلك العميل المعروف باسم بلال السوداني قتل في غارة عسكرية أمريكية على مجمع كهوف في الصومال، في وقت سابق من هذا العام.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن مقتل أحد كبار مقاتلي تنظيم “داعش” سلط الضوء على نفوذ الجماعة الواسع في أفريقيا، مشيرة إلى أنه رغم أن العبوات الناسفة التي تستخدمها “القوات الديمقراطية” كانت بدائية وغير فعالة، إلا أن قدرتها على صنع القنابل آخذة في الازدياد.
هجمات انتحارية
ونفذت “القوات الديمقراطية المتحالفة” العام الماضي أول هجماتها الانتحارية، بما في ذلك هجوم نفذته امرأة أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص في حانة عسكرية. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، قصفت تلك المليشيات كنيسة في كاسيندي، وهي بلدة صغيرة على الحدود بين الكونغو وأوغندا، مما أسفر عن مقتل 16 شخصًا وإصابة 62 آخرين.
وتقول “واشنطن بوست”، إن تأثير “القوات الديمقراطية المتحالفة” كان محسوسًا أيضًا في أماكن أخرى في أفريقيا؛ فمراقب سابق لعقوبات الأمم المتحدة يدعى دينو ماهتان، وثق صلات بين تحالف القوى الديمقراطية وجماعات متمردة إسلامية في موزمبيق، التي أغلقت مشروع غاز بمليارات الدولارات، وقتلت آلاف المدنيين وشردت أكثر من 800 ألف شخص.
ولا يزال المقاتلون الأجانب يشكلون نسبة صغيرة من إجمالي أعضاء “القوات الديمقراطية المتحالفة”، فيما يقدر عدد المنشقين بالمئات، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقالت مؤسسة “بريجواي”، إنها أجرت مقابلات مع 171 من المنشقين، مشيرة إلى أنه كان بينهم: 141 من أوغندا أو جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيما معظم الباقين كانوا من ست دول أفريقية أخرى، لكن كان هناك أيضًا مقاتلون من بريطانيا ومصر والأردن.
وفي بولونغو، جنوب شرق العاصمة الإقليمية لبيني، يقسم الآباء بشكل روتيني أطفالهم في المساء ويجعلونهم ينامون في منازل مختلفة لمنع أسر بأكملها من القتل في العمليات الإرهابية التي تشنها “القوات الديمقراطية المتحالفة”.
وقال ناشط محلي إن تلك المليشيات هاجمت بولونغو 17 مرة في العامين ونصف الماضيين، مما أسفر عن مقتل أكثر من 70 شخصًا وخطف 40 آخرين، مشيرًا إلى أنهم في السابق، كانوا يخطفون الجميع، لكن منذ عام 2021، بدؤوا يقتلون من هم أكبر من 15 عامًا.
في بلدة موكوندي، قتلت القوات الديمقراطية المتحالفة، في مارس/آذار الماضي، 38 شخصًا، بينهم رضيع يبلغ من العمر شهرين. وبعد شهر قتل مسلحون ما لا يقل عن 21 مدنيا في مسندبة بضواحي بيني. وأعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن الهجومين.
تحول مثير
وتقول الصحيفة الأمريكية، إنه عندما انتقل مقاتلو القوات الديمقراطية المتحالفة لأول مرة إلى الكونغو منذ أكثر من عقدين، أقاموا علاقات مع القرويين وقاتلوا جنبًا إلى جنب مع المقاتلين غير المسلمين.
وقال شاب يبلغ من العمر 15 عامًا، هرب هذا العام بعد ثماني سنوات، إن عناصر المليشيات سرقوا المحاصيل سابقًا لكنهم تركوا بعض الطعام للسكان المحليين، بل وأحيانًا ما كانوا يدفعون الثمن.
لكن القادة الآن يأمرون المهاجمين بتدمير الحدائق وذبح الحيوانات وقتل أي قرويين لا ينضمون إليهم، على حد قوله، مشيرًا إلى أن هؤلاء القادة، أكدوا أنه “يجب محو الكفرة”.
وقالت فتاة تبلغ من العمر 16 عامًا، إن والدها كان مؤيدًا للقوات الديمقراطية المتحالفة، مشيرة إلى أن أولى المشاهد التي شاهدتها، كانت عبارة عن مجموعة من الرجال قطعت رؤوسهم لمحاولتهم الهرب.
وروت الفتاة أن شقيقها الأكبر أصبح مقاتلا وأصيب برصاصة قاتلة خلال هجوم، فيما قُتلت شقيقتها الصغرى أثناء تنفيذ تلك المليشيات هجمات من أجل الحصول على الطعام، مشيرة إلى أنها تزوجت من مقاتل في سن الـ13 عامًا.
“كان هناك الكثير من المعاناة. لقد فكرت في الانتحار”، تقول الفتاة، مشيرة إلى أنها “سرقت حبلاً لتشنق نفسها (..) شعرت وكأنني ميتة بالفعل”.
وقالت امرأة تبلغ من العمر 23 عاما، كانت قد اختطفت، إنها تزوجت قسرا من مقاتل تنزاني، مشيرة إلى أنها هربت مع طفل يبلغ من العمر عامًا واحدًا.