علي محمد الشرفاء يكتب: القرآن بين التنزيل والتضليل
بأمانة الفاحص لمقاصد الكتاب التي أردت بها استنفار الوعي والعقل عند العرب المسلمين بالذات، الذين تفردوا فى نقل رسالة الإسلام على مر التاريخ لكل الشعوب التي تم غزوها وتم احتلالها من قبلهم، وانتشر الإسلام في تلك الأوطان معتمدا على الشعائر الدينية، وما تمت إضافته إليها من أقوال ألفها أناس اختلط فيها الحق والباطل، وابتدعوا خطابا دينيا موازيا لرسالة الإسلام الحقيقية التى تضمنها كتاب الله وقرآنه، وما بلغه للناس رسوله الأمين من آيات تدعو الناس إلى طريق الحق والخير، واتباع تشريعات الله وعظاته والابتعاد عن محرماته، والتمسك بأخلاقيات القرآن وآدابه، التى تمثل قمة الخلق الكريم ونبل المقصد وسمو التعامل بين الناس احتراما لحرياتهم، وتقديسا لحقهم فى الحياة والتعاون بينهم على البر والتقوى، لتأسيس مجتمعات مستقرة ’منة يتحقق فيها للإنسان العيش الكريم، يؤدى فيها شعائر عبادته أيا كانت عقيدة، ويتبع الطريق المستقيم الذي يدعو للرحمة والعدل والإحسان والحرية والسلام بين كل البشر
تلك بعض الومضات الإلهية التى تضئ للإنسان طريق الخير والصلاح والرضا، ومن هنا لابد من ضبط المصطلحات التى اعتبرها المسلمون أمورًا من الثوابت التي عليهم تقديسها والثوابت، ليس لأنها آيات الله التى أوحى بها سبحانه لرسوله أن ينطق بها ليبلغ الناس ما يجب عليهم اتباعه فى الحياة الدنيا، من عمل الصالحات وما سيجازيهم الله به يوم الحساب من خير الجزاء جنات ونعيم، بل أصبحت الثوابت روايات وأقوال ألفها مغرض أو جاهل صاحبها الهوى والطمع فى الجاه والثروة، وأطلق عليها أحاديث منسوبة ظلما وبهتانا للرسول، ليصدقها الناس وتكون من الثوابت فى الدين لتحقق الهدف الأساسي من تسويقها، وهو خلق الفرقة بين المسلمين واستمرار الصراع بين الاخوة، ليتساقطوا مضرجين بدمائهم فى المعارك التى لاتعد ولاتحصى من تاريخ المسلمين،
وما خلقته تلكً الروايات من الأكاذيب التى شوهت صورة الإسلام، زرعت الفرقة بينهم ونشرت الفتن وأطلقت خطاب الكراهية والعدوانية لمن لا يتبع مذاهبهم ، وخلقت مرجعيات متعددة كل مرجعية مستندة لروايات وأقوال تستمد منها عقائدها، وتولدت منها مناهج متناقضة ومتصادمة مع بعضها، أججت الصراع بينهم مع الأتباع وخسر المسلمون الكثير من أوطانهم، وتم نهب ثرواتهم، وعاشوا فى حالة من الإرهاب والتقاتل ،لأنهم اتبعوا دينا له تعاليمه ومنهاجه لا تمت لدين الإسلام بصلة غير الشعائر التعبدية، أما العمل بالتشريعات الإلهية واتباع عظات الرحمن والتأسي بأخلاق القرآن التي هي السنة الحقيقية للرسول، وليس الأقوال المنسوبة إليه لأن الله سبحانه خاطب رسوله عليه السلام مستنكرا ما سمي بالأحاديث فى قوله (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ)(الجاثية:6) وقوله سبحانه (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ / فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)( المرسلات : ٤٩:٥٠) وقوله سبحانه (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا)( النساء:٨٧) وقوله سبحانه ، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) (النساء :١٢٢) وقوله سبحانه اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) (الزمر :٢٣).
ولذلك عندما خاطب الله رسوله عليه السلام بصيغة استنكارية بقوله سبحانه (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ )(الجاثية:6) وكأن الرسول عليه السلام يجيب ربه بالأسباب التي جعلت المسلمين يتخذون من ما سمي بالأحاديث زورا وبهتانا لتحل الروايات بديلا عن القرآن والآيات فيقول الله على لسان رسوله الأمين (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)( الفرقان :٣٠) ولذلك اتخذ المسلمون طريقا مغايرا للقرآن الكريم واتبعوا ما ترويه الشياطين وأتباعهم من الأساطير والروايات المزورة والمنسوبة للرسول ، وهم يعلمون بأن التكليف الإلهي للرسول حدد الله له وظيفته ،بأن ينقل للناس جميعا الخطاب الإلهي القرآن الكريم حيث يخاطب رسوله سبحانه بقوله (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ)( الأعراف :٢) ثم يخاطب الله عباده بقوله (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) (الأعراف :٣).
تلك الآيات واضحة جلية لا تحتاج لتفسير ولا شرح، أمر من الله لرسوله ليبلغ الناس بما جاء فى كتابه، وأمر للناس باتباع آيات قرآنه، ونهي واضح بعدم اتباع كتب ألفها بعض خلقه، وهنا يتبين للعاقل الفرق الشاسع بين خطاب الله لخلقه وبين خطاب خلقه للناس، فأيهم أحق بالاتباع الذى خلق الناس وكرمهم ورزقهم من نعمه أم المخلوق الضعيف الذي لا يملك من أمره شيئا غير أنهم اتبعوا الشيطان وأعوانه الذي سيقودهم إلى نار جهنم وعذاب السَّعير.
لقد استطاع شيوخ الدين ودراويش السلطان فى كل العصور والأزمان أن يخطفوا عقول الشباب ويزينوا لهم أعمال الشيطان ليرتكبوا الجرائم الشنعاء ويمارسوا الظلم ويقتلوا الإنسان ويسفكوا دماء الأبرياء ويخلقوا الفزع ويمارسوا استحلال حقوق الناس بالإرهاب ويفجروا أنفسهم فى المصلين والعباد والأبرياء حبا وشهوة ومتعة فى استرقاق الناس والتسلط على أموالهم وأملاكهم بالظلم والبهتان ذلك هو الخطاب الديني الذي شجع الطغيان.
ولكن أين ذلك الخطاب الإجرامي من خطاب الرحمة والعدل والإحسان؟! أين ذلك والخطاب الذى يأمر الناس بعدم السلام على غير المسلمين والخطاب الإلهي يدعو الناس بقول الله سبحانه (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) النساء ( ٨٦)
أين الخطاب الدينى من الخطاب الإلهي الذي يدعو الناس بقوله (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وقوله سبحانه مخاطبا رسوله عليه السلام ليبلغ الناس بآداب القرآن بقوله (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا)(الإسراء :٥٣) وقال سبحانه مخاطبا رسوله عليه السلام (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )( العنكبوت :٥١).
وقال سبحانه يأمر رسوله اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت :٤٥) ثم يؤكد الله لرسوله أن مهمته ومسئوليته فى قوله مخاطبا الرسول (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)( المائدة :٦٧) يبين الله للناس أن الرسول مكلف فقط بما أنزله الله عليه من آيات بينات فى كتاب مبين، وأن يتلو عليهم القرآن ويشرح لهم حكمة الله فى كتابه ومقاصد آياته فقط، دون أن يبلغ الناس بأقوال لم يكلفه بها الله غير الذي أمره بأن يبلغ ما جاءت به الآيات فى كتابه
ومن أجل الخروج من كوارث الروايات وما جرته على المسلمين من معاناة وضنك وبؤس وآلام وأحزان وخراب للمدن وهدم للديار وسفك للدماء وتشريد للأطفال والنساء وقتل الأبرياء من أجل أن تعود البسمة للناس من أجل يشعر المواطن بالأمان من أجل يتحقق التعاون فى المجتمعات وتطبيع التشريع الإلهي في قوله سبحانه (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ ) (المائدة :٢) من أجل السلام في كل العالم من أجل سعادة البشر العودة إلى منهاج الله قرآنه الكريم وآياته وتشريعاته وآداب القرآن وأخلاقياته حينئذ تتنزل على المسلمين رحمته وبركاته ونترك ماجرت على المسلمين مناهج التراث ورواياته وقد حذر الله رواتها بقوله (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة :٣٢)