حثت الشريعة الإسلامية علي العمل والإنتاج، فقد دعا الرسول صلي الله عليه وسلم إلي العمل ورغب فيه بقوله: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ»، وقوله صلي الله عليه وسلم: «منْ باتَ كالًّا منْ طلبِ الحلالِ باتَ مغفورًا لهُ»، كما حث علي الكسب الحلال، والعمل والإنتاج، وأداء الأمانة في العمل والإخلاص فيه فهذا كسب حلال.
من جانبهم، أكد علماء الدين أن الإسلام قد سبق كل النظم والمواثيق الدولية في تكريم العمال، فمن يعمل عملا صالحا في أي مجال من مجالات الحياة له أجره في الدنيا والآخرة، داعين المسئولين والعمال الي الالتزام بمواثيق العمل، وزيادة الانتاج ودفع التنمية، عن طريق الإخلاص في العمل، باعتبار إتقان العمل فريضة، حيث يعد الإتقان والإخلاص في العمل سببا من أسباب استجابة الدعاء ورفع البلاء، مطالبين الجميع بوضع المصلحة العليا للوطن فوق كل شيء، حتي ينهض الاقتصاد ويتحقق الرخاء والتنمية.
يقول الدكتور عطية مصطفي أستاذ الدعوة والثقافة الاسلامية وكيل كلية أصول الدين بالمنوفية، إن الإسلام أعلي من شأن العمل ورفع من قدره، وإن العمل إذا اقترن بالنية الصالحة يخرج من حيز العادات ليكون عبادة لله رب العالمين، مشيرا إلي أن الإسلام لا يفرق بين عبادة خاصة كالصلاة وبين عمل للحياة وكسب العيش من حيث تقرير الثواب عليه، فكل عمل طيب متقن يقوم به إنسان، سواء كان خاصا بالعبادة الخالصة أو كان عبادة عن طريق كسب العيش وإثراء الحياة بالإنتاج، يضع الله النتائج الطبيعية له في الدنيا ويضع أمامنا الجزاء عليه في الآخرة كحافز يحمل الإنسان علي إجادة عمله وإتقانه مهما يكن نوع هذا العمل، يقول الله تعالي: «إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا»، وقال تعالي «من عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون»، فإتقان العمل فريضة علي الجميع، وتشمل الأعمال الصالحة كل عمل طيب وكل سعي حلال يؤديه الإنسان ويشارك به نهضة أمته وتقدمها وتوفير الحياة المنظمة السعيدة لها من بدء تنظيف الشارع إلي القمة،هذا في مصنعه، وذاك في مزرعته أو تجارته، وغيرهما في ديوانه أو في ميدانه، مؤكدا أن في السنة النبوية الكريمة نصوصا متعددة تمجد العمل الطيب وترفع درجته وتكرم صاحبه.
وحول أهمية وقدر العمل في الإسلام، يوضح الدكتور عبد الغفار هلال الأستاذ بجامعة الأزهر، أن أفضل خلق الله وهو رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم كان يعمل برعي الأغنام وبالتجارة، كما أن جميع الأنبياء قد عملوا في مختلف المجالات، فأبو البشر نبي الله آدم – عليه السلام – كان زارعا، وداود – عليه السلام – كان حدادا، وزكريا – عليه السلام – كان نجارا، وعيسي ابن مريم – عليه السلام – كان صبَّاغا، ولأهمية العمل أيضا وضرورة استمراره، فقد حث النبي صلي الله عليه وسلم علي ذلك في الحديث الشريف الذي رواه أنس بن مالك أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن يغرسها فليفعل»، ويعتبر الإسلام العمل الصالح حتي ولو كان هذا العمل صغيرا قربي إلي الله وفي سبيله، ويوضح هذا المعني ما جاء في حديث كعب بن عجرة قال «مر النبي علي رجل، فرأي أصحاب رسول الله من جلده ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله! فقال رسول الله: «إن كان خرج يسعي علي ولده صغارا، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعي علي أبوين شيخين كبيرين، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج علي نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعي رياء ومفاخرة؛ فهو في سبيل الشيطان».
وأشار إلي أنه لأهمية العمل، كان الإخلاص والإتقان، وأداء حق العامل من أسباب استجابة الدعاء ورفع البلاء، وذلك لما تصنعه الأمانة وأداء الحقوق في النفوس من التوازن، واليقين بأن جهد العامل لا يضيع مع مرور الوقت، وفي حديث الشيخين عن النبي صلي الله عليه وسلم…….، وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره حتي كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أد إلي أجري، فقلت: كل ما تري من أجرك: من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي! فقلت: لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون.
وأوضح أن من حق العامل،الأجر المناسب لقدراته ومواهبه، فيقول الله تعالي: «ولا تبخسوا الناس أشياءهم..»، أي لا تنقصوا أموالهم، كما يحذر الله من سوء العاقبة إذا لم يتناسب الأجر مع العمل كما في قوله تعالي: «ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا علي الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون»، وقد فسر بعض العلماء معني المطفف بأنه المقلل حق صاحب الحق، وأصل الكلمة من الطفيف أي القليل، كما يجب علي العامل أن يأخذ أجره بقدر عمله وجهده في العمل، مؤكدا أن الإسلام يقرر سرعة دفع الأجر للعامل بعد الانتهاء من عمله مباشرة لقول الرسول صلي الله عليه وسلم: «أعطوا الأجير أجره، قبل أن يجف عرقه»، ويروي البخاري أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفي منه ولم يعطه أجره»، ومن رحمة الله تعالي أن الله جعل التكليف في دائرة التوسع والطاقة فقال تعالي: «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت..»