
في مقاله العميق «عودوا إلى الله»، يواصل المفكر العربي علي الشرفاء الحمادي، مشروعه الإصلاحي في تفكيك تراكمات الانحراف الديني التي شوهت جوهر الإسلام. فالرجل لا يكتب وعظاً تقليدياً، بل يقدم رؤية فكرية نقدية تنبه الأمة إلى خطر الانفصال عن التوحيد الخالص، وإلى ضرورة تحرير العقل من أسر المشايخ الذين جعلوا الدين وسيلة نفوذ وكسب دنيوي.
دعوة إلى التوحيد الخالص لا إلى المظاهر والموالد
يرى الشرفاء أن أخطر ما أصاب الأمة هو استبدال الدعاء لله بالتضرع لغيره، سواء عند الأضرحة أو في مواسم الموالد. هذه الظاهرة ليست مجرد بدعة بسيطة، بل هي في رأيه إطاحة بمعنى الإيمان ذاته، لأن الدعاء عبادة، والعبادة لا تصح إلا لله وحده.
ويؤكد أن من يطلب الشفاعة من بشر، حيّاً كان أو ميتاً، قد عطّل صلته بالله القريب المجيب، واستبدلها بخرافات وممارسات لا أصل لها في القرآن.
شيوخ الموالد.. تجارة بالدين ووصاية على العقول
بشجاعة فكرية نادرة، يوجّه الشرفاء نقده إلى ما يسميهم شيوخ الموالد الذين يتخذون من الدين غطاءً لمكاسبهم الشخصية. فبدلاً من نشر الوعي بالقرآن والرحمة والتسامح، يغذّون الخرافة ويمارسون الوصاية على عقول الناس.
ويرى أن هؤلاء ورثة منظومة فكرية مريضة جعلت من الإسلام شكلاً بلا مضمون، وطقوساً بلا قيم. وهكذا ضاعت رسالة الدين التي جاءت لتحرر الإنسان من كل وساطة بينه وبين خالقه.
الإيمان الصادق بين الله وعبده دون وسطاء
يذكّر الشرفاء بآيةٍ من أبلغ ما نزل في القرآن: «ونحن أقرب إليه من حبل الوريد»، ليؤكد أن الله لا يحتاج إلى وسيط ولا إلى شيخٍ يُسمع من خلاله الدعاء. فكل إنسان قادر على أن يناجي ربه مباشرة، في أي وقت ومكان، بلا حدود ولا وسائط.
إنها عودة إلى البساطة الأولى للدين، كما أنزلها الله على نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم.
العودة إلى القرآن طريق إصلاح الوعي العربي
في عمق مقاله، يتجاوز الشرفاء حدود الوعظ الديني إلى مشروع إصلاح الوعي العربي. فهو يرى أن الانحراف الديني سبب مباشر للتخلف الحضاري، وأن الطريق إلى نهضة الأمة يبدأ من تحرير الفكر من الخرافة، والعودة إلى القرآن باعتباره مصدر التشريع والرحمة والهداية.
إنها دعوة إلى إعادة بناء العلاقة بين الإنسان وربه على أساس من العقل والإيمان لا الطقوس والوساطة.
الإسلام ليس طقوساً بل رسالة حرية وعدل ورحمة
يؤكد الشرفاء أن الإسلام جاء ليحرر الإنسان من العبودية الفكرية، وينشر قيم العدالة والرحمة والمساواة. غير أن جمود الفكر الديني وانحراف بعض من تصدّروا للوعظ جعل الدين مجرد مظاهر وشعارات، وفصل بين الإيمان والسلوك.
ومن هنا تأتي دعوة الشرفاء لتجديد الفهم الإسلامي ليواكب روح العصر ويحافظ على جوهر الرسالة الإلهية.
نداء الشرفاء: عودوا إلى الله قبل أن يبتلعنا الضلال
يختم الشرفاء دعوته بنداء صادق: عودوا إلى الله.
ليست عودة شكلية إلى المساجد فقط، بل عودة روحية إلى جوهر الدين في التوحيد والعدل والرحمة. فالإسلام بريء من الغلو والبدع، بريء من شيوخ الجاه والسلطة، بريء من تجارة الموالد والخرافة.
لقد جعل الشرفاء من قلمه منارة فكرية، تنير الطريق لمن يريد أن يفهم أن الله أقرب إلى الإنسان من كل شيخٍ ومريدٍ ومقامٍ مزخرف.



