طريق الجنة وطريق النار .. بقلم علي محمد الشرفاء الحمادي

عزائي لكل الناس الذين فقدوا عقولهم وجفّت أفكارهم وتبلّدت مشاعرهم؛ فقد ضاع منهم المنطق وغابت الألباب، واختلّ ميزان التقييم لِما أنعم الله به على الإنسان يوم علّم آدم الأسماء كلها.
﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا… أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ الأعراف 179
﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ البقرة 18
غير أنّ قوى الشيطان والشرّ استولت على العقول، فسقطت النفوس في المستنقعات دون استثناء؛ المنتمون لموسى، والعابدون لعيسى، والتابعون لمحمد، لا تمييز بينهم، فقد اتّبعوا الشيطان وما سوّلت لهم أنفسهم من الخداع والأوهام، فعاشوا حياة شقيّة، وسفكوا دماءً زكيّة.
﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ فاطر 6
﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ إبراهيم 22
وتعالَوا على شرع الله منذ نوح إلى خاتم المرسلين. كلّ الرسل الذين بعثهم الله لهداية الناس إلى الطريق المستقيم ضلّت أممهم، وزاغت أبصارها، وتراكمت عليها أكوام الأوهام، وتلبّدت بغيوم داكنة، وتبخّرت منها الأحلام.
﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ الشعراء 105
﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ يس 30
وقد ذكّرهم ربّهم بقوله سبحانه:
﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ الفجر 23–24
فقد صدق وعد الشيطان لبني آدم منذ لحظة خلقه، حين قال أمام ربّه:
﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ الأعراف 16–17
وحين ينظر الإنسان في الأنباء التي وردت في الآيات القرآنية تظهر الحقيقة التي تؤكد صدق القرآن وما عرضه من أحداث منذ الأزل، وما حذّر منه الله سبحانه من الجرائم والعدوان واستباحة حقوق الإنسان.
﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ الأنعام 115
﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ النساء 122
وقد تفرّق أتباع الرسول عليه السلام إلى مئات الفرق والمذاهب، يقاتل بعضهم بعضًا، فلم يتّعظ الناس بما حلّ بالأقوام والحضارات قبلهم حين تجاوزوا شرع الله وانقلبوا على منهجه الداعي إلى الاعتصام بالله والنهي عن التفرّق الذي يؤدي إلى الصدام والقتال وسفك الدماء.
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ آل عمران 103
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ الأنعام 159
فما قدّروا أمر الله، وعصَوا ربّهم، فزادهم غرورهم وتبعيتهم للشيطان استعلاءً على ما أمرهم به من التعاون على البرّ والتقوى، وخالفوا شرعته، فشرعوا يقتلون بعضهم بعضًا، وتحولت حياتهم إلى ضنكٍ وشقاء.
﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ الإسراء 33
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ طه 124
وللإنسان حرّيّة الاختيار: فمن شاء فليؤمن ويتّخذ شرع الله ومنهاجه طريقًا في حياته، ومن شاء فله أن يختار طريق الجحيم في الدنيا والآخرة.
﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ الكهف 29
﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ الإنسان 3
والسلام على من اتّبع الهدى، وآمن بالله وكتبه ورسله، واتّبع ما بلّغه خاتم الأنبياء والمرسلين ليحيا حياة سعيدة في الدنيا، ويجزيه الله الحسنات وجنّات النعيم في الآخرة.
﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ طه 123
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ﴾ لقمان 8
وهكذا يبقى الإنسان بين طريقين طريقٌ يرفعه إلى سماء الطمأنينة، وطريقٌ يهبط به إلى ظلمات الشقاء. وما بين الخطوتين يقف العقل شاهدًا، والقلب حَكَمًا، والاختيار بابًا مفتوحًا لا يُغلقه إلا المرء بنفسه. فمن اتبع نور الله مشى ثابتًا لا يخاف دروب الحياة، ومن سلّم قياده للشيطان تاه في سرابٍ لا نهاية له. وفي النهاية، لا يبقى للإنسان إلا ما قدّم، ولا ينتظره إلا ما اختار. فطوبى لمن اتخذ القرآن دليلًا، والحقَّ مركبًا، والتقوى زادًا، فذلك هو الفائز في الدارين، والراحل مطمئنًا إلى رحمةٍ وسلام



