شبكة منظمة تستهدف التراث الروسي.. سرقة مئات الكتب النادرة في أوروبا

في ربيع عام 2022، دخل رجلان إلى مكتبة جامعة تارتو في إستونيا، تحدثا بالروسية وادعيا أنهما لاجئان أوكرانيان هرباً من الحرب، وأن الشاب الأصغر بينهما يعمل على بحث أكاديمي حول الرقابة في روسيا القيصرية بهدف الحصول على منحة دراسية.
بعد ثلاثة أشهر، خلال عملية جرد روتينية، اكتشف أمناء المكتبة أن كتابين من الكتب الثمانية قد استُبدلا بنسخ مقلدة بجودة عالية. دفعت هذه الاكتشافات إلى فحص الكتب الستة الأخرى، لتتبدى الحقيقة المرة: جميعها كان مزيفاً، مع محاكاة دقيقة للأختام وأرقام الجرد، مما جعل الاكتشاف مستحيلاً دون فحص خبراء متخصصين.
موجة سرقات تضرب المكتبات الأوروبية
وفق تقرير لـ”بي بي سي”: لم تكن مكتبة تارتو الضحية الوحيدة. فبعد أسابيع، اختفت عشرة كتب نادرة من مكتبة جامعة تالين، لتتكشف لاحقاً خريطة سرقات منظمة طالت أكثر من مئة وسبعين كتاباً نادراً من مكتبات في دول البلطيق وفنلندا وسويسرا وفرنسا، بقيمة إجمالية تقدر بمليوني وستمئة ألف دولار.
اتبع اللصوص أساليب متطورة في عملياتهم، تتراوح بين استبدال النسخ الأصلية بنسخ مقلدة مصممة بدقة محيرة، أو سرقة الكتب مباشرة دون إعادتها. وقد لوحظ أن معظم الكتب المستهدفة كانت من الكلاسيكيات الروسية، خاصة الطبعات الأولى أو المبكرة لأعمال بوشكين، الذي يُعتبر أيقونة وطنية في روسيا، حيث يحظى بمكانة كبيرة، مما يرفع من قيمتها المادية والمعنوية.
التحقيقات والشبكة الإجرامية
دفعت هذه الحوادث وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال إنفاذ القانون إلى إطلاق تحقيق أُطلق عليه اسم “عملية بوشكين”، فيما شارك في التحقيق أكثر من مئة ضابط، وأسفر حتى الآن عن اعتقال تسعة مشتبه بهم، جميعهم من الجنسية الجورجية. من بينهم بيكا تسيريكيدزه، الذي أدين بسرقة كتب من مكتبتي تارتو وتالين، ويقضي حالياً عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات وثلاثة أشهر في إستونيا.
امتدت الشبكة لتشمل عائلة تسيريكيدزه، حيث تم اعتقال ابنه وزوجته في بولندا بتهمة سرقة كتب من مكتبة جامعة وارسو تقدر قيمتها بحوالي مئة ألف دولار. كما أدين مواطن جورجي آخر، ميخائيل زامتارادزي، بسرقة كتب من مكتبة جامعة فيلنيوس في ليتوانيا، اعترف خلال محاكمته بأنه تلقى طلبات السرقة من موسكو، وأنه شحن الكتب مسروقة إلى بيلاروسيا مقابل ثلاثين ألف دولار من العملات المشفرة.
الدوافع بين الوطنية والربح المادي
تُطرح تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذه السرقة المنظمة. يشير الخبراء إلى أن القيمة الثقافية والوطنية لهذه الكتب في روسيا تلعب دوراً محورياً، خاصة في ظل ازدهار سوق الكتب النادرة هناك. يذكر الخبير في مجال الكتب النادرة بيوتر دروزينين أن بعض المشترين قد ينظرون إلى هذا الأمر على أنه “عمل وطني” يعيد الكنوز الثقافية إلى موطنها الأصلي.
كما أن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بعد غزو أوكرانيا قد ساهمت في تحويل سوق الكتب النادرة إلى سوق سرية، حيث يتم البيع عبر وسطاء ومعاملات مالية يصعب تتبعها، مما يجعل من السهل تداول الكتب المسروقة.
التحديات الأمنية والمستقبل
تكشف هذه الحوادث عن ثغرات أمنية كبيرة في المكتبات الأوروبية. فكما علق أحد المسجونين من سجنه: “نصف كيلوجرام من الذهب، قيمته ستون ألف دولار، يحرسه اثنان وعشرون رجلاً مسلحاً. بينما كتابان، قيمتهما ستون ألف دولار، موجودان في مكان ما في مكتبة أوروبية، تحرسهما سيدة عجوز ضعيفة.



