شباب حول الرسول، عبد الله بن عمرو بن حرام “ظليل الملائكة”
منذ فجر الإسلام، أحاط بـ رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، نخبة من المسلمين الأوائل، في الوقت الذي آمن فيه فتية صغار السن بالله حبًّا في النبي، وجهروا بالإسلام في شجاعة نادرة، رغم ما كان يكتنف البيئة المحيطة من تقديس للأصنام، والأوثان، وإدمان للأدران، وصمدوا بقوة أمام ضغوط الآباء والأمهات وعتاة المشركين.
تربوا في مدرسة الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، وحرصوا على مراقبة تصرفاته، وأنصتوا لنصائحه، وحفظوا أقواله، وفقهوا أحاديثه.
كانوا أصحاب فكر سديد، فأعلنوا اتباعهم للنبي، وتمسكوا بدينهم، وبذل بعضهم روحه من أجل العقيدة، وبعضهم فاق الكبار علما وفقها وشجاعة.
إنهم “شباب حول الرسول”.
قصة اليوم للصحابي الشاب عبد الله بن عمرو الأنصاري، الذي أحب الله ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، وأخلص في حبه، فدافع عن الإسلام والمسلمين حتى استشهد في أخد، وأخبر النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، أن الملائكة ظللته، وأن الله، عز وجل، كلمه دون حجاب، فكانت نعم البشارة.
هو عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري ثم السلمي، أبو جابر، شهد العقبة وبدرا، من النقباء.
استُشهد يوم أحد، ودُفن مع صفيه وخليله عمرو بن الجموح.
قاتل المشركين بالجد والثبات، فقتلوه محتسباً عن تسع من البنات، شهد عبد الله بيعة العقبة، وكان نقيب بني سلمة هو والبراء بن معرور.
إسلام عبد الله
روى قصة إسلامه كعب بن مالك، حيث قال: “ثم خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله محمد، صلى الله عليه وسلم، العقبة من أوسط أيام التشريق، ولما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي قد واعدنا رسول الله فيها، وكان معنا عبدالله بن عمرو بن حرام أبو جابر، سيد من ساداتنا قد أخذناه، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا، فكلمناه وقلنا له: يا أبا جابر إنك سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا وإنا لنرغب (نضن) بك عما أنت فيه أن تكون حطباً للنار غداً”.
ثم دعوناه إلى الإسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله إيانا العقبة، قال: فأسلم، وشهد معنا العقبة، شهد بدراً، واستشهد يوم أحد.
كما شهد بيعة العقبة الثانية، وجعله رسول الله نقيباً على قومه من بني سلمة، ولما عاد الى المدينة وضع نفسه وماله وأهله في خدمة الإسلام، وبعد هجرة الرسول الى المدينة لازم سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، ليلاً ونهاراً.
فعندما كان الأنصار السبعون يبايعون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بيعة العقبة الثانية، كان عبد الله بن عمرو بن حرام، أبو جابر بن عبد الله، أحد هؤلاء الأنصار.
ولما اختار الرسول، صلى الله عليه وسلم، منهم نقباء، كان عبد الله بن عمرو أحد هؤلاء النقباء.. جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبا على قومه من بني سلمة.
ولما عاد إلى المدينة وضع نفسه، وماله، وأهله في خدمة الإسلام.
وبعد هجرة الرسول إلى المدينة، كان أبو جابر قد وجد كل حظوظه السعيدة في مصاحبة النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، ليله ونهاره.
وفي غزوة بدر خرج مجاهدا، وقاتل قتال الأبطال.
وفي غزوة أحد تراءى له مصرعه قبل أن يخرج المسلمون للغزو. وغمره إحساس صادق بأنه لن يعود، فكاد قلبه يطير من الفرح!!
ودعا إليه ولد جابر بن عبد الله الصحابي الجليل، وقال له: “إني لا أراني إلا مقتولا في هذه الغزوة.. بل لعلي سأكون أول شهدائها من المسلمين.. وإني والله، لا أدع أحدا بعدي أحبّ إليّ منك بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم.. وإن عليّ دينا، فاقض عني ديني، واستوص بإخوتك خيرا”.
استشهاده
وفي صبيحة اليوم التالي، خرج المسلمون للقاء قريش.. قريش التي جاءت في جيش لجب تغزو مدينتهم الآمنة.. ودارت معركة رهيبة، أدرك المسلمون في بدايتها نصرا سريعا، كان يمكن أن يكون نصرا حاسما، لولا أن الرماة الذين أمرهم الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، بالبقاء في مواقعهم وعدم مغادرتها أبدا.. أغراهم هذا النصر الخاطف على القرشيين، فتركوا مواقعهم فوق الجبل، وشغلوا بجمع غنائم الجيش المنهزم.
لكن جيش الشرك جمع فلوله سريعا حين رأى ظهر المسلمين قد انكشف، ثم فاجأهم بهجوم خاطف من وراء، فتحوّل نصر المسلمين إلى هزيمة.
في هذا القتال المرير، قاتل عبد الله بن عمرو بن الخزرج ضد مشركي قريش قتال مودّع شهيد.
ولما ذهب المسلمون بعد نهاية القتال ينظرون شهداءهم.. ذهب جابر بن عبد الله يبحث عن أبيه، حتى ألفاه بين الشهداء، وقد مثّل به المشركون، كما مثلوا يغيره من الأبطال.
وعندما كان المسلمون يتعرفون على شهدائهم الأبرار، بعد فراغ القتال في أحد..
وعندما تعرف أهل عبد الله بن عمرو على جثمانه، حملته زوجته على ناقتها وحملت معه أخاها الذي استشهد أيضا، وهمّت بهما راجعة الى المدينة لتدفنهما هناك، وكذلك فعل بعض المسلمين بشهدائهم..
إلا أن منادي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لحق بهم وناداهم بأمر رسول الله أن: ” أن ادفنوا القتلى في مصارعهم “.. فعاد كل منهم بشهيده.
ووقف النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، يشرف على دفن أصحابه الشهداء، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
ولما جاء دور عبد الله بن حرام ليدفن، نادى رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ” ادفنوا عبد الله بن عمرو، وعمرو بن الجموح في قبر واحد، فإنهما كانا في الدنيا متحابين، متصافيين”.. وكان عمرو أيضا زوج أخت عبد الله، واسمها هند بنت عمرو بن حرام.
قال جابر بن عبد الله: قُتل أبي يوم أحد فجئت إليه وقد مُثِّل به وهو مغطى الوجه، فجعلت أبكي وجعل القوم ينهونني، ورسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، لا ينهاني.
وقال: جعلت فاطمة بنت عمرو – يعني عمته – تبكي فقال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: “تبكيه أو لا تبكيه ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه”.
ومن هنا جاءت تسميته بـ “ظليل الملائكة”.
قال جابر: ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته هنية (أمه) غير أذنه.
البشارة بالجنة
وردت البشارة له بالجنة من حديث جابر، وعائشة، وفي حديث جابر؛ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ خِرَاشٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: لَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، يَوْمَ أُحُدٍ، لَقِيَنِي رَسُولُ الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فَقَالَ: يَا جَابِرُ، أَلاَ أُخْبِرُكَ مَا قَالَ اللهُ لأَبِيكَ؟ وَقَالَ يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ: فَقَالَ: يَا جَابِرُ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتُشْهِدَ أَبِي وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا، قَالَ: أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللهُ بِهِ أَبَاكَ؟ قَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: مَا كَلَّمَ اللهُ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ، قَالَ: يَا رَبِّ، تُحْيِينِي فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً، فَقَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ: إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لاَ يَرْجِعُونَ، قَالَ: يَا رَبِّ، فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون”.
وعن عامر الشعبي رحمه الله، قال: حدثني جابر، رضي الله عنه: إن أباه توفي وعليه دين، فأتيت النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: إن أبي ترك عليه ديناً وليس عندي إلا ما يخرج نخله، ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه، فانطلق معي لكي لا يُفحش عليّ الغرماء، فمشى حول بيدر من بيادر التمر، فدعا ثم آخر ثم جلس عليه، فقال: انزعوه فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم.