سجود السهو أسبابه أحكامه وكيفيته ومواضعه
خلق الله تعالى الإنسان وجبله على طبع النسيان والغفلة، وفرض عليه واجباتٍ محددةٍ، منها: الصلاة، والتي تعدّ من أعلى مقامات قيام الإنسان بين يدي الله سبحانه، ولعلم الله -عالى أنّ الغفلة قد تطرأ على الإنسان حتى في مقام الصلاة، خصوصاً مع حرص الشيطان الشديد على دفع الإنسان للتقصير في صلاته والانشغال عنها، فقد شرع الله -تعالى- له سجود السهو لكي يجبر به هذا النقص، ويرفع به الغفلة عن صلاته، وقد وردت مشروعية سجود السّهو في أحاديثٍ كثيرةٍ للرسول صلّى الله عليه وسلّم، منها قوله: (إذا شك أحدُكم في صلاتِه، فليتحرَّ الصوابَ فليُتِمَّ عليه، ثم ليُسلِّمْ، ثم يَسجُدْ سجدتين).
يُقصد بالسّهو في اللغة: الغفلة والذهول عن الشيء، والسهو في الصلاة: هو نسيان شيءٍ فيها، وسجود السّهو عند أهل العلم والفقه؛ أنّه سجدتانٌ يأتي بهما المسلم في صلاته، فرضاً كانت أو نافلةً، إذا سها وغفل فيها، ويأتي بهما من وضعية الجلوس، ولا يتشهّد بعدهما، بل يسلّم مباشرةً، ويسنّ فيهما الإطالة>
أسباب سجود السهو
لسجود السهو أسبابٌ ثلاثةٌ، وهي: الزيادة في الصلاة، أو الإنقاص منها، أو الشكّ فيها.
كيفية سجود السهو
لا تختلف كيفية سجود السهو عن كيفية سجود الصلاة، فهو يؤدى مثله تماماً، فيسجد الإنسان لسجود السهو على سبعة أعضاءٍ، كما في سجود الصلاة المعتاد، ويسبّح ذات التسبيح أيضاً، فيقول: (سبحان ربّي الأعلى)، ويقول بين السجدتين: (رب اغفر لي)، وقد قال بعض العلماء باستحباب قول: (سبحان من لا يسهو ولا ينام) في سجود السهو، إلّا أنّه لا دليلٌ على صحّة ذلك، فيقتصر الإنسان على ما يقوله في سجود الصلاة فقط..
حالات سجود السهو
إنّ المسلم إذا سها في الصلاة، فلا يخلو من إحدى حالاتٍ أربعةٍ، وفيما يأتي بيانها:
الحالة الأولى: أنْ يزيد المصلّي في صلاته فعلاً من جنس الصلاة سهواً، كأن يركع ركوعين في ركعةٍ واحدةٍ، أو يزيد ركعةً في صلاته، كأن يؤدي الصلاة الرباعية خمسُ ركعاتٍ، فعليه حينها أن يسجد سجوداً للسهو عن تلك الزيادة، بعد أنْ يسلّم من صلاته، سواءً أذكر سهوه ذلك قبل السلام أم بعده، وذلك لدلالة فعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فيما رواه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قائلاً: (صلّى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- الظهر خمساً، فقالوا: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً، فثنى رجليه، وسجد سجدتين).
الحالة الثانية: أن يُنقص المصلّي ركناً من أركان الصلاة سهواً أثناء صلاته، ويتوجّب عليه حينها إن ذكره قبل أن يصل إلى محله في الركعة التي بعدها، أن يعود فيأتي به وبما بعده، أمّا إن ذكره بعد الوصول إلى محلّه من الركعة التي بعدها، فلا يرجع، بل تبطل تلك الركعة، وإن ذكره بعد السلام من صلاته، فإنّه يأتي به وبما بعده، ويسجد للسهو بعد السلام، فمن صلّى الصلاة الرباعية ثنائية مثلاً، وسلّم عن ذلك، فإنّه يقوم دون تكبيرٍ بنية الصلاة، فيأتي بالركعات الناقصة، ويُتمّ صلاته، ثم يسلّم، ثم يأتي بسجود السهو بعد السلام، وذلك لفعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فيما رواه عنه أبو هريرة -رضي الله عنه- حينما قال: (صلّى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- الظهر ركعتين، فقيلَ: صلّيت ركعتين، فصلّى ركعتيْن، ثم سلّم، ثم سجدَ سجدتين).
الحالة الثالثة: أن ينقص المصلّي واجباً من واجبات الصلاة سهواً، كمن يقوم دون الإتيان بالتشهّد الأول، فيسقط عنه حينها ذلك الواجب، ويسجد للسهو قبل السلام من صلاته، ودليل ذلك فعل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- فيما رُوي عنه: (أن النبيَّ -صلّى الله عليه وسلّم- صلّى بهِم الظهر، فقام في الركعتين الأُوليين، ولم يجلِس، فقامَ الناس معَه، حتى إذا قضى الصلاةَ، وانتظَر الناس تسليمه، كبّر وهو جالسٌ، فسجد سجدتين قبل أنْ يُسلّم، ثم سلّم).
الحالة الرابعة: أن يشكّ المصلّي في عدد الركعات التي أدّاها، كمن يشكّ في الصلاة الرباعية، أصلّى ثلاثة ركعاتٍ أم أربعةً، فإن لم يترجّح لديه شيءٌ يبني على الأقل، فيصلّي الركعة الرابعة، ويسجد للسهو قبل السلام، أمّا إن ترجّح عنده، وغلب على ظنه أنّه قد أدّى أربعة ركعاتٍ، فإنّه يبني على ذلك، ويسجد للسهو بعد السلام، وذلك لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إذَا شكّ أحدكم فِي صلاته، فَلْيَتحرّ الصواب فلْيُتِم عليْه، ثم لِيُسلم، ثم يسْجد سجدتين).
سجود السهو للمسبوق إذا سها الإمام في صلاته، وسجد سجود السهو قبل السلام، فإنّه يجب على المسبوق أن يسجد معه؛ لأنّ المأموم مرتبطٌ بالإمام لا يجوز له أن يخالفه في فعله، ثمّ يقوم المأموم المسبوق للإتيان بما فاته من الصلاة، فإذا قضى ذلك لزِمه سجودٌ آخرٌ للسهو، وذلك لأنّه أتى بسجود السهو مع الإمام أثناء الصلاة، ومكان سجود السهو لا يكون أثناء الصلاة، أمّا إذا كان سهو الإمام قد حصل قبل التحاق المسبوق به، فلا يعيد السجود مرةً أخرى حينها؛ لأنّ حكم السهو الذي وقع به الإمام لم يلحقه، وأمّا إذا سجد الإمام للسهو بعد السلام، فلا يسجد المسبوق معه؛ لأنّ ذلك يستلزم منه أن يسلّم قبل أن يُتم صلاته وهذا متعذّرٌ، فإذا كان سهو الإمام بعد دخول المسبوق معه في الصلاة، لزمه سجود السهو بعد أن يسلّم من صلاته، وإن كان قبل أن يدخل معه في الصلاة، لم يلزمه سجود السهو؛ لأنّ حكم السهو لم يلحقه حينها.