توب ستوريمقالات وتنوير

حكم المرتد عند الله.. بقلم المفكر العربي علي محمد الشرفاء

 

أولا – حينما أرسل الله سبحانه رسوله الكريم للناس كلفه بحمل رسالته لهم بقوله (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة – ٦٧)

ثانيا – حدد الله لرسوله مسئولية واضحة في قوله سبحانه (وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) (الرعد -٤٠) إن دورك يا محمد يقتصر على تبليغ الناس آيات الله ورسالته لهم وشرح مقاصد تشريعاته وآياته، ليعلموا أن ما تبلغهم من الله يحقق لهم صلاحهم ومنفعتهم ، ويرشدهم في حياتهم إلى طريق الحق والخير والرحمة والعدل والحرية والسلام ، والتعامل فيما بينهم بالعفو والتسامح والإحسان، ليعيشوا حياة طيبة فى ظل الأمان والاستقرار، لا يفزعهم خوف ولا ظلم ولا معتد ولا طغيان، ليأمنو ا يوم الحساب كما قال سبحانه (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل -٩7)

لذلك فإن الرسول الذي كلفه الله بتبليغ رسالته لم يمنحه الله حق التشريع، إنما قال سبحانه (مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ) (المائدة -٩٩)

 

ثالثا – حدد الله العلاقة بين الإنسان وخالقه علاقة فردية خالصة وحق الحرية للإنسان المطلق باختيار الدين، أو العقيدة، أو المذهب الذي يتعبد به، فلا وصاية عليه من رسول أو أي كان من خلقه ، يراقبه في عبادته ويحاسبه على تقصيره،

ولذلك جاء الحكم الإلهي بحق الإنسان في حرية العقيدة في قوله سبحانه مخاطبا رسوله (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ) (الكهف -٢٨)

ولذلك أكد الله على رسوله بأنه لم يبعثه وكيلا عنه في محاسبة الناس على إقامة شعائرهم الدينية، وإرغامهم على الدخول في الإسلام بقوله سبحانه (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس -٩٩)

فليس من سلطاتك أيها الرسول إرغام الناس على الإيمان والدخول في الإسلام كما قال سبحانه (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيل) ( الأنعام – ١٠٧)

إنما مسئوليتك كما قال سبحانه (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيد) (ق -٤٥) فيكون واجبك أيها الرسول أن تذكر الناس بالقرآن وبشرح مقاصد الآيات فيه وحكمة الله فيما تأمر به من خير وإصلاح ومنفعة للإنسان.

رابعا – مادام منح الله الإنسان حرية مطلقة في الإيمان بكتابه أو الكفر به، جعل حكم المرتد عن دينه حسابا يقرره الله سبحانه ولا علاقة لعباده بالحكم على المرتد ، أو معاقبة من قصر في تأدية شعائر الإسلام ،

فذلك أمر لم يشرك الله في سلطته وحكمه أحدًا من خلقه كما قال سبحانه(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (الحج-١٧)

تؤكد هذه الآية أنه لا سلطان لأحد من رسله وأنبيائه في الحكم على المرتد والملحد والكافر، لأن ذلك اختصاص محصور في سلطة الله لا شريك له في حكمه وملكه وجاء في حكمه على المرتد قوله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) ( المائدة -٥٤)

وقال أيضا سبحانه بشأن المرتد في حكمه (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلـئِكَ أَصْحَابُ النّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة – ٢١٧)

تلك أحكام الله في المرتد وحق الحرية المطلق للإنسان في اختيار عقيدته ودينه، ليس عليه رقيب إلا ضميره، والله سبحانه هو الذي سيحاسبه على أعماله إذن فمن أين أتى شيوخ الدين بقتل المرتد؟ إنها الفرية الكبيرة على الله والتزوير في أحكامه لكي يشفوا غليلهم، والنفوس المريضة التى تهوى الكراهية، وتستمتع بالدماء دون وجه حق، يعصون الله ورسوله ويقررون أحكاما شيطانيًة، متجاوزين كل الحقائق التي جاءت بها الآيات الكريمة في الكتاب المبين، حين جعلوا أنفسهم أوصياء على الدين،

برغم أن الله سبحانه نبه الناس بأنه لم يعين رسوله وصيا علي المسلمين ، يصدرون أحكامًا على قتل المرتدين عن دينهم ، بالرغم من توضيح الله لهم بواسطة رسوله الكريم أن الحكم على العبادات بين الله والناس فقط، وليس من حق خلق الله إصدار أحكام على الآمنين.

حين هجر المسلمون القرآن اخترقت الدين الثعابين، ونشرت سمومها بالروايات والتحريف والتزوير، وغشت المسلمين وغررت بهم ، ليكونوا من أصحاب النار عندما يصف حالهم ربهم بقوله (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) (الأحزاب-66) فيما بلغهم به من آيات القرآن الكريم فيجيبوا بقولهم (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) الأحزاب-67)

وهكذا سيكون جزاء الذين يعصون الله فيما أمرهم بقوله سبحانه (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) (الأعراف -٣)

إذن على الإنسان أن يراجع نفسه ولا يتبع روايات الشيطان فتزل قدمه في النار بل يتبع ما أمره الله باتباع كتابه المبين لينجو من النار ويجازيه الله جنات النعيم.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button