توب ستوريشئون عربية ودولية

حكاية مدينة أثرية سورية قصفها الجيش التركي

عدوان غاشم على سوريا، أعلن عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبدأته القوات التركية على عدد من المدن شمال شرقي سوريا، من بينها مدينة رأس العين التاريخية الأثرية التي تعرضت لقصف جوي ومدفعي مكثف، ليبدأ سكان المدينة في مغادرة منازلهم بعد سقوط قتلى من المدنيين، في مشهد أشبه بما فعله “المغول” من قبل إبان غزوهم على المنطقة العربية، وتدمير الحضارة السورية وإفساد آثارها وإرعاب أهلها وذبحهم.

مدينة رأس العين، التابعة لمحافظة “الحسكة”، هي مدينة أثرية واقعة على الحدود التركية السورية، ويعود تاريخها إلى آلاف السنين قبل الميلاد، وتعتبر نقطة عبور نهر “الخابور” الذي يصل إلى الأراضي السورية، وأكثر ما يميّزها موقعها الاستراتيجي، حيث تبعد مسافة 85 كيلو متر عن مدينة الحسكة، ونحو 90 كيلو متر عن مدينة القامشلي، وتبلغ مساحتها نحو 23 ألف كيلومتر مربع، وفيها العديد من الآثار التاريخية التي تعود للحضارات التي مرت عليها.

وفقًا لموقع محافظة “الحسكة”، توجد في منطقة رأس العين الكثير من الأماكن الأثرية مثل “تل حلف”، التي عثر فيها على مكتشفات أثرية، عن طريق العالم الألماني “ماكس فون أوبنهايم” تشير لوجود حضارة أسسها “الشعب السوباري”، كانت عاصمتها “تل حلف”، منذ نحو 6 آلاف عام، وموقع “تل الفخيرية”، الذي عثر فيه على أوانٍ فخارية ملونة تعود إلى عصور قديمة منذ 3500 عام قبل الميلاد، وهي الآثار التي كانت موجودة في متحف حلب.

حضارة “سوبارتو”، التي أسسها السوباريون، استمرت حضارة لقرون طويلة حتى بدأت تذوب شيئا فشيئا لتختفي، ثم تنهض من جديد في أواسط الألف الثاني قبل الميلاد، حيث شكلت دولة في الجزيرة امتد نفوذها وسلطانها إلى الأقطار المجاورة، وهي الدولة “الهورية – الميتانية” التي اتخذت من “رأس العين” عاصمة لهم وسموها “واشوكاني”، الاسم الذي لا يزال يُطلق على المدينة محليا.

حسب موقع المحافظة السورية، تضاعفت قوة هذا الدولة حتى بسطت نفوذها على كامل منطقة الشرق، وبعد أن ضعف حكم “الميتانيين” تمكن ملك آرامي يدعى (كابارا) أن يبني دولة جديدة على أنقاضها، جعل من “تل حلف” عاصمة له سميت “غوزانا”، إلا أنها لم تستمر طويلاً، حيث قضت عليها “الدولة الآشورية” وبقيت المدينة تحت سلطتهم حتى تمكن “الميديون” الذين يعتقد الباحثون أنهم أحفاد “الميتانيين” من استرجاعها أثناء توسعهم نحو الغرب.

ومن بعدهم جاء “الساسانيون” وظهرت جدران عليها رسومات “ساسانية” بين الآثار التي كشف عنها التنقيب، وظلت هكذا حتى غزاها “الروم”  ونهبوها واحتلوها عام 943م، وأصبحت “رأس العين” تحتل مكانا مميزًا على الحدود البيزنطية وأصبحت مملكة لها شخصية اعتبارية داخل الإمبراطورية الرومانية، واشتهرت آنذاك بمعابدها وأديرتها، وبرز من علمائها ومفكريها الفيلسوف “سرجيوس الرأس عيني” وهو أول من ترجم الكتب الفلسفية والطبية من اليونانية إلى السريانية في القرن السادس الميلادي، وسميت رأس العين حينها “رش عينو”.

وجاء الفتح الإسلامي بقيادة “عياض بن غنم” عام 17 هجريا واستطاع فتح الجزيرة بكاملها إلا “رأس العين” استعصت على الفتح، إلى أن جرى فتحها بعد عام على يد “عمير بن سعد”، وظلت محافظة على أهميتها وفاعليتها كمركز تجاري كبير ومحطة للقوافل بين أرجاء الإمبراطورية الإسلامية.

وفي عام 1129 استولى عليها “الصليبيون” ولم يمكثوا فيها طويلاً وأطلق على المدينة بعد ذلك عدة أسماء مثل: “قطف الزهور” “عين وردة” “رأس العين”، كما اتخذ منها “صلاح الدين الأيوبي” مركزا للاستراحة أثناء فتحة للجزيرة وشمال العراق وحلب، ثم تعرضت لغزوات المغول، وبعد دخول “العثمانيين” خيم ظلام دامس على المنطقة لم تفق منه إلا بعد إشراق شمس الحرية في القرن العشرين، حسب وصف الموقع.

 “الإدريسي” في كتابه “نزهة المشتاق” قال عن “رأس العين”: “رأس العين”مدينة كبيرة فيها مياه نحو من ثلاثمائة عين عليها شباك حديد تحفظ ما يسقط فيها، ومن هذه المياه ينشأ معظم نهر الخابور الذي يصب في قرية البصيرة”، وفي كتابه “معجم البلدان” قال ياقوت الحموي: “هي مدينة مشهورة من مدن الجزيرة بين حران ونصيبين، وفي رأس العين عيون كثيرة عجيبة صافية وتجتمع كلها في موضع فتشكل نهر الخابور”.

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button