حكايات من دفتر ذكريات مصطفى محمود عن رمضان وسر نصيحته بإدارة شاشة التليفزيون للحائط

لماذا يتحول رمضان إلى شهر ترفيهى بدلاً من شهر روحاني؟ لست شيخا ولا داعية، ولكنى أفهم الآن لماذا كانت والدتى -رحمها الله- تدير التلفاز ليواجه الحائط طوال شهر رمضان.. مرت سنوات أخذتنى دوامة الحياة، وغطى ضجيج معارك الدراسة والعمل على همسة سؤالى الطفولى حتى أراد الله أن تأتينى الإجابة على هذا السؤال من رجل مسن غير متعلم في الركن الآخر من الكرة الأرضية.
وكان ذلك الرجل هو عامل أمريكى فى محطة بنزين اعتدت دخولها لشراء قهوة أثناء ملء السيارة بالوقود، في طريق عملى، وفي اليوم الذى يسبق يوم الكريسماس دخلت لشراء القهوة كعادتى فإذا بى أجد ذلك الرجل منهمكا في وضع أقفال ثلاجة الخمور، وعندما عاد للكاشير لمحاسبتى على القهوة سألته وكنت حديث العهد بقوانين أمريكا: لماذا تضع أقفالا على هذه الثلاجة؟ فأجابنى “هذه ثلاجة الخمور وقوانين الولاية تمنع بيع الخمور في ليلة يوم الكريسماس يوم ميلاد المسيح”..
نظرت إليه مندهشا قائلا: أليست أمريكا دولة علمانية.. لماذا تتدخل الدولة في شيء مثل ذلك؟ قال الرجل “الاحترام.. يجب على الجميع إحترام ميلاد المسيح وعدم شرب الخمر فى ذلك اليوم حتى وإن لم تكن متدينا.. إذا فقد المجتمع الاحترام فقدنا كل شيء.
الاحترام.. ظلت هذه الكلمة تدور في عقلى سنوات بعد هذه الليلة، ووجدت الناس في رمضان أصبحت تقودهم الشهوات، ولأن الصيام هو تمرين لتدريب للنفس وترويضها على مقاومة الشهوات بتحمل الجوع والمشقة وهو درس فى الأدب والطاعة، والله يعطيك الحصان لتركبه لا ليركبك، لتقوده وتخضعه، لا ليقودك هو ويخضعك، وجسمك هو حصانك المخلوق لك لتركبه وتحكمه وتقوده وتستخدمه لغرضك وليس العكس.
أصبح صيام اليوم فوازير ونكات وهزليات وصوان ومكسرات وكنافة وقطايف وسهرات، وبدلا من أن يفرغ الصائم نفسه للذكر أصبح متفرغا للتليفزيون ووبدلا من أن يخلو إلى الصلاة وقيام الليل وتلاوة القران أصبح يقضيه فى الرقص وترديد الأغانى المكشوفة وسهرا ثم نوما طول النهار..
فالله في غنى عن مثل هذا الصيام وهو يرده على صاحبه ولا يقبله فلا ينال منه إلا الجوع والعطش..
أتمنى أن نحترم شهر القرآن، ونعرف ماذا نشاهد، من ترك شيئا لله عوضه الله خير منه (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ).. نحن على قناعة أن إعلامنا نزع مفردة الاحترام من قاموسه.. هل ستتحلى أنت بقليل من الإحترام وتقلب شاشة تلفزيونك.