حرائق الجزائر.. “رياح الموت” تهب على الشرق
لم يكن أحد يتوقع أن ينتهي يوم الأربعاء في الجزائر، بخبر وقوع 26 ضحية بسبب حرائق الغابات قبل أن ترتفع الحصيلة، إلى 38 شخصاً، من بينهم 11 طفلاً و6 نساء، وهو رقم مرشح للارتفاع، بحسب تقديرات السلطات الرسمية.
جثث متفحمة
كل شيء كان يبدو عاديا في الجهة الشرقية من الجزائر، شواطئ ورحلات استكشافية واستمتاع بسحر الطبيعة في آخر أيام الصيف، هكذا أظهرت صور الفيديو حالة من الراحة والهدوء على شواطئ مدينة القالة الساحرة (الأكثر تضررا من الحرائق).
وماهي إلا ساعات حتى تحولت الصورة، لجثث متفحمة تم نقلها إلى مستشفيات المدن المجاورة، وتغريدات لأهالي الضحايا والمفقودين، الذين لا يزالون يبحثون عن ذويهم المفقودين ممن كانوا في عين المكان لحظة وقوع الكارثة.
وصبيحة يوم الخميس، تم العثور على جثث 5 ضحايا من عائلة واحدة ينحدرون من بلديه مداوروش بمحافظة سوق أهراس، لم يجدوا سبيلا للهرب بعدما حاصرته نيران “الأربعاء الأسود”.
وحسب بعض الشهادات، من مواطنين يسكنون في مدينة القالة، فإن الأوضاع كانت عادية حتى منتصف نهار يوم الأربعاء، لتصل درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية، مع هبوب رياح قوية فاقت سرعتها 100 كيلومتر في الساعة.
وقال المدير السابق للحظيرة الوطنية للقالة رفيق بابا أحمد، الذي كان شاهدا على الكارثة: “لم نكن نشعر بأن اليوم سيتحول إلى مأساة كبيرة، لقد انقلبت الأمور بسرعة البرق”.
وسجلت القالة وحدها وقوع 24 ضحية كان بعظهم في رحلة سياحية في حديقة برابطية الشهيرة.
وأكد المسؤول السابق عن الحديقة السياحية، أن ما يشاع في مواقع التواصل الاجتماعي من احتراق كامل “للحديقة” هو أمر غير صحيح، مشيرا إلى أن حالة الحديقة سليمة ولا تشهد وقوع أي ضحايا سواء من بين المواطنين أو حتى الحيوانات المتواجدة في الأقفاص.
وقال بابا أحمد: “مع بداية هبوب الرياح الحارقة تم إخلاء الحديقة، وفر الناس إلى الطريق الوطني الرابط بين القالة وعنابة، وعلى مسافة كيلومتر واحد من الحديقة، حاصرتهم النيران، وقد توفي معظم الضحايا بالاختناق وهناك من تعرض للحرق بمن فيهم ضحايا الحافلة التي كانت تقل 8 أشخاص الذين لقوا مصرعهم في عين المكان”.
يوم القيامة في الطارف
وحسب تصريحات مصادر رسمية: فإن الحرائق الكبرى التي شهدتها محافظة الطارف، وتحديدا مدينة القالة الساحلية خمدت تلقائيا بحلول فجر يوم الخميس، ولم يتبق منها، سوى حريق واحد تقوم مصالح الحماية المدينة بالتعاون مع قوات الجيش ومصالح حماية الغابات بإخماده بالوسائل المادية والبشرية المتاحة.
وقال رئيس مكتب الحماية والوقاية من حرائق الغابات رشيدا بن عبد الله: “لقد شهدت محافظة الطارف اندلاع 17 حريقا لم يتبق منها سوى حريق واحد، بينما تستمر النيران المشتعلة في محافظة قالمة وعددها 10 حرائق إلى غاية الآن، فيما تسجل محافظة سوق أهراس 6 حرائق وسطيف حريق واحد”.
ووصف المسؤول الجزائري حرائق مدينة القالة التابعة لمحافظة الطارف بـ”يوم القيامة”، وقال: “كنا نشعر بأن الأمور تسير تحت السيطرة، منذ أن بدأت الحرائق في المنطقة بالاندلاع فجرا يوم الثلاثاء، لقد تعودنا على التعامل معها ولم تكن تشكل خطورة، لكن الرياح هذه المرة غيرت المعادلة وأصبح من المستحيل السيطرة عليها حتى لو تم جلب أقوى عتاد الطيران لمكافحة الحرائق”.
وقد صرح وزير الداخلية كمال بالجود أن عدم إقحام الطائرة المستأجرة من روسيا في إخماد الحرائق المندلعة راجع إلى تعرضها لخلل تقني قبل 3 أيام وسيم إصلاحها يوم السبت.
ونظرا للطبيعة الغابية الكثيفة للمنطقة ونوعية الأشجار المتواجدة في جبال المدن الشرقية للجزائر، خاصة أشجار “الكالتوس” سريعة الالتهاب، فقد تحولت سماء تلك المدن بسرعة البرق إلى اللون الأحمر وسط رياح عاتية وغبار تسبب في تعتيم الرؤية وخلق حالة من الهلع وسط الناس.
تحذيرات سابقة للأرصاد الجوية
وتعرف عدة من ولايات الوطن موجة حر شديد وصلت إلى 45 درجة، مما دفع بمصالح حماية الحماية المدنية وحماية الغابات لتوجيه عدة تحذيرات للمواطنين طيلة الأسبوع الماضي، لأخذ الحيطة المحذر وحماية الغابات، بالتزامن مع وقوع عدة حرائق خاصة في الشرق والشمال الشرقي للبلاد.
وقد حذر خبراء أحوال الطقس من ارتفاع درجات الحرارة درجة عبر كامل التراب الجزائري، خلال موسم الاصطياف لعام 2022، سينما في منطقة الطارف وقسنطينة وبجاية وقالمة وميله والعاصمة وسكيكدة.
وقال خبير الطقس المختص في الرصد الجوي والبيئة، الشيخ فرحات: “لقد بدأت درجات الحرارة في شهر يوليو وكل التقارير كانت تشير إلى أن شهر أغسطس سيشهد أعلى درجات الحرارة التي ستبدأ في الانخفاض تدريجيا أواخر شهر سبتمبر”.
انطلاق قوافل الإغاثة
وأعادت الأحداث المأسوية الذاكرة إلى أحداث العام الماضي بمنطقة القبائل التي راح ضحيتها 69 شخصا، بينهم 28 جنديا، والتي خلفت أضرارا جسيمة على المناطق الغابية.
وقد وبدأت قوافل بالاستعداد للتحرك نحو إغاثة المناطق المتضررة، حيث أعلنت عدة جمعيات من المجتمع المدني عن تنظيم قوافل للمساعدة المادية والبشرية، كما تحركت أرتال من أفواج شاحنات مكافحة الحرائق التابعة للحماية المدنية من الجنوب والغرب باتجاه المدن الشرقية للجزائر.
كما شكل الهلال الأحمر الجزائري خلية أزمة، لإحصاء الأضرار الناتجة عن الحرائق في المناطق المنكوبة، ومعاينة عملية توزيع المساعدات.