أسرة ومجتمع

حج التمتع.. أحكامه وكيفية أدائه وما يجوز للحاج فعله وكل ما يتعلق به

حج التمتع هو أن يحرم الحاجّ لأداء العمرة في أشهر الحج، وأشهر الحج هي شهر شوال، وشهر ذو القعدة، وشهر ذو الحجة، وبعد فراغه من عمرته وتحلله منها يؤدّي مناسك الحج، وسُمّي حج التمتع بهذا الاسم لأنّ الحاج يتمتع بالتحلل من الإحرام الذي أدّى به عمرته؛ إذ يسقط عنه أحد السفرين؛ لأنّه اعتمر وحجّ معاً في وقتٍ واحد وفي سفرةٍ واحدة، كما أنّه يحق له فعل كل ما هو مباح من التمتع بالنساء والطيب بين العمرة والحج، بالإضافة إلى أنّ المتمتع سمّي بذلك لأنّه يتقرّب إلى الله -تعالى- بأداء عبادتي الحجّ والعمرة في نفس السنة، ويجب على المتمتّع أن يذبح هدياً، ولقد ورد ذكر حجّ التمتع في القرآن الكريم، قال -تعالى-: (فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)

صور حج التمتع:

الصورة الأولى: الصورة الأصلية؛ بأن يُحرم الحاجّ بالعمرة في أشهر الحج، وبعد تحلله من عمرته يُحرم بالحج، وأجمع على ذلك العلماء.

الصورة الثانية: الصورة الطارئة؛ بأن يُحرم الحاجّ بالحج، وقبل طوافه يفسخ حجّه إلى عمرة، وعندما ينتهي من أداء مناسك العمرة ويتحلل منها يُحرم بالحج، وهذه الصورة تسمى بفسخ الحج إلى العمرة، وهذه الصورة جائزة عند الحنابلة، واختاره ابن تيمية وابن باز وابن عثيمين، واستدلّوا بما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: (قَدِمَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بالحَجِّ فأمَرَهُمْ أنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذلكَ عِنْدَهُمْ، فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أيُّ الحِلِّ؟ قالَ: حِلٌّ كُلُّهُ)؛ فالعمرة التي نص السؤال عنها كانت عمرة فسخ، وفسخ الحج إلى العمرة هو من باب الانتقال من الأدنى إلى الأعلى؛ فيعد هذا من باب التمتع وهو جائز.

أركان حج التمتع

أركان حج التمتع هي أركان الحج والعمرة معاً؛ لأنّ حج التمتع هو الإحرام من ميقات البلد إلى العمرة، ثم الإحرام من مكة إلى الحج، فيأتي الحاجّ أولاً بأركان العمرة كاملة من إحرام وطواف حول الكعبة وسعي بين الصفا والمروة، ويتحلل من عمرته بعد ذلك، ويُحرم للحج، ويأتي بأعمال وأركان الحج كالمفرد؛ وهي الإحرام والوقوف بعرفة وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة، ولا بد من إتيان هذه الأركان على الترتيب؛ لأنّ الترتيب شرط لصحّة الحج.

خطوات حج التمتع

تبدأ رحلة المتمتع إلى أداء مناسك العمرة والحج منذ لحظة خروجه من بلده، فيخلص سفره لله -تعالى-، ويعقد نيتّه منذ لحظة خروجه؛ لأنّ المسافر لأداء طاعة يكون خلال سفره في طاعة، وفي كل خطوة يخطوها له فيها أجر من الله -تعالى-، وعليه الإتيان بالسنن القولية والفعلية في سفره، بحيث يبدأ بدعاء السفر، ويحافظ على ذكر الله -تعالى-، والمحافظة على تلاوة القرآن الكريم، ويلتزم بأداء الصلاة في أوقاتها مع الجماعة، ويحافظ خلال سفره على طهارته باستخدام الماء فإن لم يتيسر له الماء فعليه بالتيمم، قال -تعالى-: (وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا)، ولا بد أن يتحلى المسافر بكل ما هو طيّب وحسن في معاملته مع الآخرين، كما ويُشرع للمسافر أداء جميع صلوات النوافل إلا راتبة الظهر وراتبة المغرب وراتبة العشاء.

وتبدأ مناسك حجّ التمتع لحظة وصول المسلم إلى الميقات؛ إذ يبدأ المتمتّع بالإحرام من ميقاته، ويُسنّ له أن يغتسل ويتطيّب في رأسه وبدنه ثم يرتدي ملابس الإحرام؛ فيرتدي الرجل الإزار والرداء، أما المرأة فإنها ترتدي ما شاءت من غير تبرجٍ ولا زينة، ومن ثم يؤدّي الصلاة المشروعة في ذلك الوقت في ميقاته، وبعدها يبدأ بالتلبية جهراً إن كان رجلاً وهمساً إن كانت امرأةً بقدر لا يسمع إلا من هو بجانبها، فيقول المتمتع “لبيك عمرة” ثم يبتدأ التلبية فيقول “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك،” ويستمر بالتلبية إلى أن يشرع في الطواف في مكة.

عند وصوله إلى المسجد يدخل بالقدم اليمنى، ومن ثم يقول: “بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم”، ويبدأ الطواف مستلماً الحجر الأسود؛ بحيث تكون الكعبة على يساره، ويطوف سبعة أشواط. وتجدر الإشارة إلى أنّ المسلم إن استطاع الوصول إلى الحجر الأسود وتيسّر له ذلك من غير أذية لأحد فليصله ويلمسه، وإن لم يستطع يشير إليه بيده من بعيد، وتكون الإشارة إلى الحجر الأسود عند بداية الشوط، ويقول عند بدأ طوافه: “باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم”، ويبتدأ الطواف.

ويُسن للرجل في هذا الطواف الاضطباع؛ أي أن يبدي كتفه الأيمن خلال طوافه ويجعل رداء الإحرام من تحتن كتفه، وإذا انتهى من الطواف يعيد رداءه على كتفه، كما ويُسنّ له الرَمل؛ أي أن يسرع في المشي مع جعل خطوات المشي قريبة على بعضها، ويكون الرَمل خلال أول ثلاثة أشواط فقط، وللطائف أن يمشي حسب الحاجة إن كان وجود الزحام يؤثّر على رمله، ويقول في طوافه ما شاء من ذكر ودعاء وقراءة للقرآن، وعندما يحاذي الحجر الأسود يُكبّر، ويقول بينه وبين الركن اليماني قوله -تعالى-: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

وبعد الانتهاء من الطواف يتقدم الطائف إلى مقام إبراهيم ويقرأ: (وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)، ويصلي ركعتين؛ فيقرأ في الأولى سورة الكافرون وفي الثانية سورة الإخلاص، ويشترط أن يكون المقام بين المصلّي والكعبة سواءٌ بعدت المسافة أم قربت، ثم يبتدأ بالسعي بين الصفا والمروة، وعندما يقترب من الصفا يقرأ قوله -تعالى-: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ)،وعند وصوله إلى الصفا يتوجّه إلى الكعبة ويكبّر الله -تعالى-، ويحمده ثم يقول: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله والحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده”، ويدعو بما شاء، ومن ثم يتّجه نحو المروة وإذا وصل إلى موضع الركض يركض بسرعة من غير أن يؤذي غيره، وعند وصوله إلى المروة يستقبل القبلة ويقول مثل ما قال بالصفا ويدعو الله -تعالى- بما شاء، ويعيد ذلك سبعة أشواط، ويعتبر الذهاب من الصفا إلى المروة شوط والرجوع من المروة إلى الصفا شوط آخر؛ فالسعي يُبتدأ بالصفا ويُختم بالمروة، وبعد الإنتهاء من السعي يتحلل المسلم من الإحرام؛ فيحلق أو يقصّر؛ فتباح له جميع محظورات الإحرام.

أعمال يوم التروية للمتمتّع:

بعد أن يتحلل المتمتع من عمرته بعد أداء مناسكها يبقى مقيماً في مكة حتى اليوم الثامن من ذي الحجة ويسمى هذا اليوم بيوم التروية؛ لأنَّ في هذا اليوم يتم تجهيز الماء للأيام التي بعدها، ويحرم المتمّع في هذا اليوم، ولا توجد مناسك في هذا اليوم غير المبيت في منى، مع الالتزام بأداء الصلوات الخمسة في أوقاتها من غير جمع وقصر، وتعد الإقامة في منى من سنن اليوم الثامن؛ فتركها لا يؤثّر على صحّة الحج، فحجته صحيحة ولا تجب عليه الفدية، ولكن الحرص على أداء جميع المناسك سواء أكانت سنة أو فريضة أفضل؛ لأنّ فريضة الحج تؤدى مرة واحدة في العمر.

أعمال يوم عرفة للمتمتّع :

يعتبر الوقوف بعرفة ركن الحج الرئيس، ومن فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحجّ وعليه أن يُعيده، يبتدأ الوقوف بعرفة بعد طلوع شمس اليوم التاسع من ذي الحجة بعد المبيت في منى؛ فيتوجه الحاجّ إلى منطقة عرفة، ولكن لا يدخلها مباشرة؛ فيبقى ضمن حدود منطقة الجبل في منطقة نمرة، ثم يتوجّه إلى منطقة الوقوف بعرفة عند وقت زوال الشمس؛ ويقف حيث يتيسّر له الوقوف دون التقيّد بموضع معيّن، قال -عليه السلام-: (قد وقَفتُ هاهنا وعَرفةُ كُلُّها مَوقِفٌ)، ويصلّي في عرفة صلاة الظهر جمعاً وقصراً، ولا بد أن يقف الحاجّ فترة زمنية يتحقق فيها معنى الوقوف الشرعي، ولا يشترط للوقوف في عرفة الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، وبعد مغيب الشمس؛ أي وقت انتهاء الوقوف بعرفة، ينزل الحاج عن جبل عرفات، ويتوجّه إلى مزدلفة؛ فيصلي الحاجّ المغرب والعشاء معاً جمع تأخير.

أعمال يوم النحر للمتمتّع :

تبدأ أعمال النحر من لحظة رمي جمرة العقبة؛ فيذهب الحاجّ من مزدلفة إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى، وهي سبع حصيّات، وبعد الانتهاء من رمي الجمرات يذبح الحاجّ هديه، ثم يتحلل التحلل الأصغر بالحلق أو التقصير، ثم يتوجّه إلى البيت الحرام لتأدية طواف الإفاضة، وبعد طواف الإفاضة يسعى بين الصفا والمروة، ثم يتحلل التحلل الأكبر.

أعمال أيام التشريق للمتمتّع:

يتوجه الحاج مرة أخرى إلى منى بعد تحلله من إحرامه، ويبيت فيها ثلاثة أيام وهي أيام التشريق، بحيث يقوم الحاجّ كل يوم قبل زوال* الشمس برمي الجمرات الثلاث؛ الصغرى والوسطى والكبرى، ومن كان على عجلة من أمره وأراد الاستعجال في العودة فيجوز له أن يكتفي برمي جمرات اليوم الأول والثاني من أيام التشريق، ويُسن في الرمية الأولى استقبال القبلة والتكبير مع كل حصاة يرميها، ومن ثم يدعو الله -تعالى- بعد انتهائه من رمي الجمرة الأولى، وكذلك الجمرة الثانية يكون الرمي مع التكبير واستقبال القبلة والدعاء بعدها، وعند رمي الجمرة الثالثة تكون شماله ناحية القبلة ويمينه تجاه منى، ولا يقف بعدها للدعاء، والرمي جائز من أي مكان لكن هذه هي سنّة النبي -عليه السلام- في الرمي.

الانتهاء من الحج وطواف الوداع للمتمتّع:

يتوجه الحاجّ إلى مكة لتأدية طواف الوداع بعد انتهاء أيام التشريق؛ إذ يعتبر طواف الوداع واجباً في حق الحاجّ؛ لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حتَّى يَكونَ آخِرُ عَهْدِهِ بالبَيْتِ)،[١٤] ووقت طواف الوداع يبتدأ مع انتهاء الحاجّ من أداء مناسك الحج جميعها؛ فيودّع الحاجّ بيت الله الحرام بطوافه حول الكعبة سبعة أشواط، ويصلي ركعتين، ثم يعود إلى أهله، ويسقط طواف الوداع عن الحائض والنفساء، وهذه سنّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في توديع بيت الله الحرام، قال -عليه السلام-: (خُذُوا عَنِّي مناسكَكم)،[١٥]وطواف الإفاضة مجزئ عن طواف الوداع للحاجّ؛ فلو أخّر طواف الإفاضة حتى يكون آخر عهده ببيت الله الحرام، وطاف ثم سافر أجزأه عن الوداع.

 

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button