تونس.. تسجيل مئات الأخطاء الطبية سنويا وأكثرها في طب التجميل
تسجل تونس سنويا 500 شكوى متّصلة بشبهة أخطاء طبية تتعلق بالأساس بتدخلات جراحية في اختصاصات أمراض النساء والتوليد وجراحة الأعصاب وجراحة المفاصل والعظام وبالتدخلات التجميلية.
وفي غياب قانون يحدد المسؤوليات الطبية، طالما طالب به الأطباء، تحسم المحاكم التونسية في شكاوى الأخطاء الطبية ليميز القضاء بين الأخطاء الطبية المتعمدة والناجمة عن الإهمال والتقصير والحوادث الطبية.
أكثر الأخطاء في طب التجميل
وأفاد رئيس الجمعية التونسية لإعانة المتضررين من الأخطاء الطبية عصام العامري أن أكثر الأخطاء الطبية في تونس مسجلة في جراحة التجميل، نظرا لوجود متطفلين على الاختصاص يتعمدون حقن مواد طبية تجميلية والقيام بتدخلات دون معرفة، داعيا إلى التحري في كفاءة مقدمي خدمات التجميل الطبي.
وأكد العامري، في تصريحات لموقع دوت الخليج، أن الحل هو مزيد من الضبط عبر القانون بالمصادقة على قانون المسؤولية الطبية الذي يوضح مسؤوليات الطبيب والإطار المصاحب له والمؤسسة الاستشفائية ويحفظ حق المريض.
ويعتبر رئيس جمعية إعانة ضحايا الأخطاء الطبية أن القانون يراوح مكانه، رغم مروره عبر أروقة البرلمان في مناسبات مختلفة، بسبب ضغط ما أسماها بـ”لوبيات التأمين الصحي”.
جرعة دواء غير مناسبة تسبب وفاة طفل
هذا وتختلف خطورة الأخطاء الطبية المسجلة في تونس بين ما يمكن إصلاحه بتدخل طبي ثان وما يخلف آثار وتشوهات دائمة قد تصل حد الإعاقة، ومنها أيضا ما يفقد الضحية حياتها ويترك اللوعة والأسى في قلوب العائلات، كما هو الحال في قصة هندة الورغي، الأم التي فقدت ابنها في عمر التسع سنوات إثر خطأ طبي في عام 2013.
وقد حدثنا الأم، التي سعت بين أروقة المحاكم لسنوات طويلة من أجل إثبات الخطأ الطبي في حادثة وفاة ابنها بعد تجرعه على وجه الخطأ لمادة الكلور، وقالت إن ابنها تعرض بسبب الكلور إلى التهاب في الحنجرة والبلعوم وبعد تلقيه العلاج في المستشفى استقرت حالته الصحية، غير أنها فوجئت بعد أيام من العلاج، وعلى إثر تناوله جرعات يومية من الدواء غير مناسبة لوزن الطفل، بتعكر حالته إلى الإغماء وضعف الحركة وتضرر الجهاز التنفسي مما تسبب في وفاته المريبة، بسبب تناوله لمحلول دوائي بينت التقارير التفقدية أنه غير مناسب للطفل وأدانت الحادث بخطأ طبي سبب للطفل تضرر في الكبد والكلى.
وتقول الأم هندة “لقد فقدت ابني بسبب ضعف المتابعة الطبية والإهمال ومازلت لليوم أتجرع مرارة ما حدث رغم إيماني بالقضاء والقدر ولن أتوانى عن متابعة القضية والإصرار على محاسبة كل من أهمل وقصر في مسؤوليته”.
أما صادق فيحاول، منذ وفاة شقيقة في عام 2020، إثبات الخطأ الطبي الذي تعرض له ويقول “دخل أخي المستشفى على إثر حادث مرور خلف له كسر في الساق وبعد الأشعة والفحوصات تقرر إجراء جراحة على قدمه، غير أنه دخل على إثرها في غيبوبة دامت أيام ثم توفي بسبب الإهمال والتقصير، ومن وقتها وأنا أتعرض للمماطلة في الحصول على تقرير الطب الشرعي عن وفاة شقيقي الغريبة، مما اضطرني للجوء إلى المحاكم”.
وبدورها تزور رانية جمعية إعانة ضحايا الأخطاء الطبية لتقديم شكوى ضد مركز تجميل أجرت لديهم حقن “فيلر” شوهتها بدل تجميلها مثلما حدثتنا.
وتوضح رانية “في البداية أخبروني أن انتفاخ شفاهي غير الطبيعي سيتحسن بعد أيام ولكن وجهي تشوه وأصبحت غير قادرة عن الخروج من البيت، لقد حقنوني بجرعة زائدة من الفيلر وأصبحت شفاهي غير متناسقة ومتورمة وقد أكد لي طبيب مختص أن المستحضر استعمل بشكل غير صحيح فضلا عن انتهاء مدة صلاحيته”.
قانون المسؤولية الطبية أمام البرلمان
وأكد مدير التفقدية الطبية بوزارة الصحة سامي الرقيق أن التفقدية تنظر في ملفات الأخطاء الطبية المبلغ عنها من قبل المواطنين وتخضعها للتفقد للوقوف على أي تقصير أو إهمال من الإطارات الطبية ومحاسبة المخطئين في حين تتكفل المحاكم الإدارية والعدلية بتقدير التعويض لضحايا الأخطاء الطبية أو عائلاتهم في حالات الوفاة.
وأضاف الرقيق أن مسار التقاضي في الأخطاء الطبية طويل ومعقد وقد يتجاوز العشر سنوات حيث تتنوع الأخطاء الطبية بين أخطاء مرفقية تحدث بسبب قلة الإمكانيات والتجهيزات وأخطاء فيها مسؤولية شخصية للاطار الطبي بسبب التقصير والإهمال ولا يمكن الإقرار بوجود الخطأ الطبي إلا بقرار القاضي بعد فحص كل حيثيات الملف الطبي، خاصة وأن الإطار الطبي ليس مطالب بنتيجة بل ببذل مجهود والقيام بواجبه كاملا.
وأضاف الرقيق أن المحاسبة على الأخطاء الطبية في الوقت الحالي تخضع للمجلة الجزائية وللأسف يحاكم الأطباء ضمن قضايا الحق العام كأنهم مجرمين مما يؤكد الحاجة لقانون خاص لا يجرم الطبيب في حال الحادث الطبي ويحمي حقوق المرضى بتسوية رضائية لا تجر الضحية أو عائلته إلى المحاكم طيلة سنوات.
وتشتغل لجنة الصحة بالبرلمان على قانون جديد يسمى قانون المسؤولية الطبية، ينظر في الأخطاء التي يمكن أن ترتكب من الطبيب المباشر أو مساعديه أو بسبب تجهيزات المصحة وتقنياتها.
وقال نبيه ثابت رئيس لجنة الصحة في البرلمان في تصريحات للموقع إن قانون المسؤولية الطبية يراوح مكانه منذ عام 2015 وأنهم أدخلوا عليها التعديلات اللازمة منذ أسابيع وسيعرض على التصويت والمناقشة في العام الجديد.
وأوضح ثابت أن القانون يتبنى فكرة أن الخطأ البشري وارد ولكن الإهمال الطبي جريمة، ويأمل أن ينهي قانون المسؤولية الطبية ظلم المرضى والأطباء على حد السواء.
ومن جهته فسر نزار العذاري، الكاتب العام لعمادة الأطباء، أن “العملية الجراحية ليست عمل إداري وهي خاضعة لمنطق النجاح أو الفشل، ومن العيب أن يجد الطبيب نفسه في السجن بسبب فشل تدخل جراحي إلى أن يتضح أنه حادث طبي وليس خطأ مما يؤثر كثيرا على أداء الطبيب ووضعه النفسي ومصداقيته”.
وتابع العذاري “الطب ليس علم دقيق وفي أغلبه مبني على الاجتهاد فمعالج مريض السرطان مثلا قد يتجه نحو العلاج الكيميائي أو يختار بورتوكولا آخر وفق اجتهاده، ولا يمكن أن يحاسب الطبيب على محاولاته إنقاذ المريض ويعاقب بالسجن ويفقد مهنته، يجب أن يكون هناك قانون خاص بالأطباء يتفهم أن الحوادث واردة وأن باب الاجتهاد في الطب يحتاج أن يبقى مفتوحا حتى لا ندفع الأطباء إلى المغادرة بسبب قسوة القوانين وضعف الإمكانيات”.
نرجو ان نكون قد وفقنا في نقل التفاصيل الكاملة الخاصة بخبر تونس.. تسجيل مئات الأخطاء الطبية سنويا وأكثرها في طب التجميل .. في رعاية الله وحفظة