تتنوع الآثار الضارة المحتملة على صحة الإنسان جراء التعرض المفرط للإضاءة الاصطناعية المنبعثة من مصادرها المختلفة، كالهواتف النقالة والأجهزة اللوحية والتلفزيون ويافطات الإعلانات وإنارة المباني وغيرها من المصادر.
وكما تؤثر مصادر الإضاءة تلك على البشر، لم تسلم الكائنات الحية كالنباتات والحشرات والطيور أيضا من هذه الأضرار التي تسببها الإضاءات الليلية الموجودة بالمراكز الحضرية والأضواء الزرقاء للشاشات المنتشرة في كل مكان بحياتنا اليومية.
وأولى الباحثون على مدار العقدين الماضيين اهتماما بالغا بالتداعيات الناتجة عن التعرض للإضاءة الاصطناعية على صحة الإنسان.
ونشرت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، تقريرا تضمن عدة دراسات أجريت بشأن التأثيرات الضارة للتعرض المفرط للإضاءة الصناعية.
وبينت الصحيفة، أن الإضاءة الليلية للمباني الحضرية والإعلانات المضيئة واليافطات تمحو تدريجياً القبة السماوية كما أنها تزعج جسم الإنسان.
من ناحية أخرى، فإن التعرض للضوء الأزرق المنبعث من الهواتف النقالة والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر والتلفزيون قبل النوم يضر شبكية العين والإيقاعات البيولوجية لدينا.
كما أن استخدام الإنسان لهذه الأجهزة خلال الليل يجعل الجسم يعتقد أنه امتداد لجدول النهار، الأمر الذي يمكن أن يتسبب في إبطاء إنتاج الميلاتونين أو حتى تثبيطه بواسطة الغدة الصنوبرية، وتحفيز إنتاج الكورتيزول “هرمون التوتر”.
ويلعب الميلاتونين، المعروف لدى عامة الناس باسم “هرمون النوم”، دورًا رئيسيًا في التحكم في إيقاعات الساعة البيولوجية، وبالتالي في تنظيم إيقاع الليل والنهار.
كما يلعب الميلاتونين دورًا في الجوع والعطش، وبالتالي قد يزداد خطر الإصابة بالسمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية المرتبطة بها، وهو كذلك هرمون فعال في خفض نسبة الكوليسترول، ويساعد في عمل الغدة الدرقية والبنكرياس والمبيض والخصيتين والغدد الكظرية.
وتشير دراسة أجرتها جامعة هارفارد، نشرت في المجلة الطبية جاما عام 2013، إلى أن انخفاض إنتاج الميلاتونين يرتبط بزيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع “2”.
وأظهر فريق من جامعة هارفارد دراسة أخرى على 80 ألف ممرضة عملن ليلاً لمدة عشر سنوات، وأظهرت النتائج أن الممرضات اللواتي يعملن ثلاث ليال على الأقل في الشهر، بالإضافة إلى أوقات النهار والمساء، لديهن خطر متزايد للإصابة بسرطان الثدي بعد سنوات طويلة في هذه الوظيفة.
كما توصلت دراسة أخرى، أجراها فريق دولي عام 2016 ونشرت في مجلة “اسيان باسيفيك” للوقاية من السرطان، إلى أن الضوء الصناعي الليلي كان “مرتبطًا بشكل كبير بجميع أشكال السرطان” بما في ذلك سرطان الرئة والقولون والمستقيم وسرطان البروستاتا.
وأشارت الصحيفة إلى وجود حاجة إلى مزيد من البحث لفهم هذا الارتباط بشكل أفضل.
وختمت الصحيفة الفرنسية تقريرها بالتأكيد على ضرورة استخدام دراسات الأثر التي تجعل من الممكن توجيه السياسات العامة، حيث سلطت الضوء على خطط العمل التي وضعتها بعض البلدان مثل فرنسا وجمهورية التشيك وألمانيا وسلوفينيا.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أصدرت فرنسا قرارا يقضي بإطفاء اللوحات الإعلانية بين الساعة 1 صباحًا والساعة 6 صباحًا، وعلى الرغم من هذه الخطوات المشجعة، إلا أن معظم البلدان تفتقر إلى البنية التحتية التنظيمية لمراقبة انبعاثات الضوء ليلا.