ترامب يأمر بنشر قوات فيدرالية بـ بورتلاند لقمع الاحتجاجات

في خطوة تصعيدية جديدة، أمر الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بنشر قوات فيدرالية في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون، مانحًا إياها صلاحيات “القوة الكاملة” لقمع الاحتجاجات المتواصلة. هذا القرار، الذي يهدف إلى حماية مراكز احتجاز المهاجرين، أشعل فتيل أزمة سياسية وقانونية جديدة، وأعاد للأذهان مشاهد التوتر التي شهدتها البلاد من قبل.
القرار جاء ليؤكد نهج ترامب الصارم في التعامل مع ملف الهجرة والاحتجاجات، لكنه اصطدم فورًا بموجة غضب عارمة من المشرعين الديمقراطيين ومسؤولي الولاية، الذين اعتبروه انتهاكًا صارخًا للسلطات وتصعيدًا غير مبرر.
أمر رئاسي بـ “القوة الكاملة” ضد الاحتجاجات
يوم السبت، أصدر ترامب تعليماته لوزير الحرب، بيت هيغزيث، بتوفير كل القوات اللازمة لحماية بورتلاند، المدينة التي وصفها بـ “التي مزقتها الحرب”. وزعم الرئيس السابق أن هذه الخطوة ضرورية لحماية مرافق دائرة الهجرة التي تتعرض لما أسماه “هجمات حركة أنتيفا وغيرها من الإرهابيين المحليين”.
لم يتوقف الأمر عند النشر فحسب، بل أضاف ترامب، عبر منصته “تروث سوشيال”، أنه “يُسمح أيضًا (لهذه القوات) باستخدام القوة الكاملة، عند الحاجة”. هذا التصريح المثير للجدل لم يحدد ما إذا كانت القوات ستكون من الحرس الوطني أو الجيش النظامي، أو النطاق الدقيق لـ “القوة الكاملة”، مما ترك الباب مفتوحًا لتكهنات حول طبيعة التدخل.
معارضة شرسة: “لا تهديد للأمن القومي”
لم يمر إعلان ترامب مرور الكرام، فسرعان ما قوبل بردود فعل غاضبة من الديمقراطيين. حاكمة ولاية أوريغون، تينا كوتيك، كانت في طليعة المعارضين، مؤكدة في مؤتمر صحفي أن “لا يوجد تهديد للأمن القومي في بورتلاند. مجتمعاتنا آمنة وهادئة”.
كوتيك اعتبرت أي نشر للقوات الفيدرالية “إساءة استخدام للسلطة”، مشيرة إلى تنسيقها مع المدعي العام للولاية، دان رايفيلد، لدراسة الرد القانوني المحتمل. وأضافت بلهجة حاسمة: “سنكون مستعدين للرد إذا اضطررنا لذلك”.
خلفيات الأزمة: احتجاجات بورتلاند و”أنتيفا“
تأتي هذه التطورات في سياق احتجاجات مستمرة في بورتلاند منذ أوائل يونيو، استهدفت بشكل خاص مركز إدارة الهجرة والجمارك (ICE)، وشهدت اشتباكات عنيفة أحيانًا. مكتب المدعي العام الأمريكي وجه اتهامات فيدرالية لـ 26 شخصًا حتى الثامن من سبتمبر، تشمل الحرق العمد والاعتداء على ضابط شرطة.
وزارة الأمن الداخلي، من جانبها، اتهمت المتظاهرين بـ “مهاجمة وحصار مركز ICE بشكل متكرر”، مشيرة إلى أن منظمة “روز سيتي أنتيفا“، التي وصفها ترامب بـ “الإرهابية المحلية”، قامت بكشف هويات ضباط ICE ونشر عناوين منازلهم، وأرسل أفراد مرتبطون بها تهديدات بالقتل لموظفي الوزارة.
جدل تصنيف “أنتيفا” كمنظمة إرهابية
في وقت سابق من الأسبوع، وقع ترامب أمرًا يصنف أنتيفا رسميًا كمنظمة إرهابية محلية. لكن هذا التصنيف أثار جدلاً قانونيًا واسعًا؛ فـ أنتيفا هي اختصار لعبارة “مناهضة الفاشية”، وهي حركة غير منظمة تضم نشطاء من أقصى اليسار.
خبراء قانونيون أكدوا عدم وجود آلية قانونية واضحة في الولايات المتحدة لتصنيف جماعة ما رسميًا كمنظمة إرهابية محلية، مشيرين إلى أن مثل هذه القرارات قد تواجه تحديات دستورية بموجب التعديل الأول الذي يحمي حرية التعبير والتجمع.
مخاوف الديمقراطيين من تكرار سيناريو 2020
المشرعون الديمقراطيون عبروا عن قلقهم من أن يكون نشر القوات الفيدرالية في بورتلاند تكرارًا لسيناريو عام 2020، حينما تم نشر قوات مماثلة لمواجهة احتجاجات مقتل جورج فلويد. السيناتور رون وايدن من أوريغون حذر سكان الولاية من الوقوع في “فخ محاولات ترامب للتحريض على العنف”.
كما اتهم مشرعون محليون دائرة الهجرة والجمارك بملاحقة أشخاص لا يمثلون خطرًا حقيقيًا. النائبة سوزان بوناميسي أشارت إلى حوادث مثل اعتقال أب أمام روضة أطفال، ورجل إطفاء أثناء إخماد حرائق. واستندوا إلى إحصائية لمعهد كاتو تفيد بأن 65% من المحتجزين لدى ICE لم تثبت بحقهم أي إدانات جنائية، مما يعزز فكرة الاستهداف غير المبرر.
دعم جمهوري وتوسيع نطاق الانتشار
على الرغم من المعارضة الديمقراطية، حظيت هذه الخطوة بدعم بعض المسؤولين الجمهوريين. وزيرة العمل الأمريكية لوري تشافيز ديريمر، النائبة الجمهورية السابقة عن أوريغون، شكرت ترامب على “اتخاذه إجراءات لحماية مرافق دائرة الهجرة والجمارك واستعادة عظمة أمريكا”، واصفة بورتلاند بـ “منطقة حرب موبوءة بالجريمة”.
القرار ليس الأول من نوعه لـ ترامب، فقد سبق أن أمر بنشر الحرس الوطني في لوس أنجلوس والعاصمة واشنطن في وقت سابق. وفي لوس أنجلوس، تم نشر 2000 فرد للتعامل مع اضطرابات بسبب مداهمات للمهاجرين غير الشرعيين، لكن قاضيًا فيدراليًا رفض النشر لاحقًا، معتبرًا إياه غير قانوني وينتهك قانون “بوس كوميتاتوس”.
مستقبل غامض وتحديات قانونية
مع هذا التوسع في نشر القوات الفيدرالية، يبقى السؤال المحوري هو مدى الأسس القانونية التي يستند إليها ترامب في ولاية أوريغون. فالسوابق القضائية، خاصة حكم كاليفورنيا، تشير إلى أن سلطات الرئيس في استخدام القوة العسكرية داخل الشؤون الداخلية للولايات ليست مطلقة.
الصراع الدائر في بورتلاند ليس مجرد مواجهة بين متظاهرين وقوات، بل هو انعكاس لصراع أعمق حول صلاحيات السلطة الفيدرالية، وحقوق الولايات، وحدود الاحتجاج السلمي، في ظل انقسام سياسي حاد يعصف بالولايات المتحدة.



