شهدت مؤسسة “معانا لإنقاذ الإنسان” الخيرية في مصر، جدلا بشأن مصير الأموال التي يودعها المتبرعون خلالها.
فجَّر هذه الأزمة حاتم زهران، أمين الصندوق السابق بالمؤسسة، في منشور طويل عبر حسابه الشخصي بموقع “فيسبوك”، وفيه اتهم مدير الجمعية بالاستيلاء على أموال التبرعات عن طريق تحويل الأموال إلى الحسابات البنكية الخاصة بالموظفين، وعن طريق الخدمات المالية لخطوط هواتف المحمول، مع توثيقها بإيصالات مزورة حسب زعمه.
كلمات زهران دفعت مدير المؤسسة محمود وحيد، إلى كتابة منشور وجه خلاله اتهامات بحق الأول، معتبرا أن ما تتعرض له المؤسسة هو “حملة تشهير” سببه يعود إلى نشوب خلافات شخصية بينهما.
حالة الشد والجذب التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي في مصر جراء تبادل الاتهامات، دفعت مؤسسات الدولة إلى التدخل، وقال مساعد وزير التضامن الاجتماعي لشؤون مؤسسات العمل الأهلي، الدكتور أيمن عبدالموجود، إن أمين عام “معانا لإنقاذ إنسان” كشف ملاحظاته للوزارة، وتبين أن جزءًا منها خارج اختصاصاتها، مشيرًا إلى أن الأجهزة الرقابية في الدولة هي المعنية ببحث هذه الأمور، خاصة فيما يتعلق بفحص الحسابات البنكية لمسؤولي المؤسسة.
ونوَّه عبدالموجود، في تصريحات إعلامية، بأن الوزارة فرغت من فحص البلاغات المقدمة ضد مسؤولي المؤسسة، وما يتبقى هو انتهاء تحقيقات الجهات الرقابية والأمنية.
الأمر نفسه كان له أصداء داخل مجلس النواب المصري، فتقدم النائب عبدالمنعم إمام، بطلب إحاطة موجه إلى الدكتورة نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي، بشأن القضية المثارة.
نشوب هذه الأزمة جاء بعد الجدل الذي أثير في الأسابيع الأخيرة بشأن تبرعات مستشفى علاج سرطان الأطفال بالمجان 57357، وما شهدته من مطالبات بضرورة التحقيق في السياسة المالية للمنشأة الخيرية، إحياءً لحملة سابقة نادى بها مشاهير في عام 2018.
المشكلات التي تنشأ بين حين وآخر بشأن الجمعيات والمؤسسات الخيرية، ربما تلقي بظلالها على عمل منظمات المجتمع المدني، بشكل قد يؤثر بالسلب على عملها مستقبلًا، حتى حاولت “العين الإخبارية” خلال السطور التالية، الإجابة على سؤال مفاده: “هل يعزف المصريون عن التبرع للمؤسسات الخيرية؟”.
تراجع
قالت مروة مراد، مديرة إدارة تنمية الموارد المالية والاتصالات الخارجية بمؤسسة “بهية” للكشف المبكر وعلاج سرطان الثدي بالمجان، إن عوامل كثيرة بخلاف الظروف الاقتصادية كانت مؤثرة بالسلب على العمل الخيري، منها تفشي فيروس كورونا المستجد الذي أثّر على حجم التبرعات.
وأضافت مروة، لـ”العين الإخبارية”، أن الحرب الروسية الأوكرانية كان لها تأثير سلبي نتاج تضرر اقتصاديات الدول، وهو ما انعكس أيضا على التبرعات.
وأردفت: “هناك كذلك أزمات فردية لا تعتبر نتاج الظروف الاقتصادية. هي مشكلات فردية تحدث في بعض المؤسسات وتؤثر على العمل المجتمعي بصفة عامة وسمعته في العالم، وليست مصر على وجه التحديد”.
من جانبه، صرح اللواء ممدوح شعبان، مدير جمعية الأورمان، لـ”العين الإخبارية”، بأن المصداقية في عمل المجتمع المدني وتطبيقه على أرض الواقع وفي كل كلمة تُقال، من شأنها ألا تؤثر على حجم التبرعات.
ضمانات الشفافية
وحدد ممدوح حديثه على جمعيته، فيقول إنه يحرص على إضفاء الشفافية على الأنشطة: “المتبرع نصطحبه داخل سيارة ونريه المشروع الذي تبرع لصالحه.. نقول له هذا تبرعك أو إن هذه هي العائلة التي استفادت من تبرعك، حتى زواج اليتيمات يخرج بشأنه على الملأ شيك باسم المتبرع، كل شيء يكون بدقة متناهية”.
وتابع: “من يتبرع بماله في سبيل إجراء تدخل جراحي لمحتاج يأخذ رقم الهاتف المحمول الخاص بالأخير، وننقله على نفقتنا الخاصة إلى المستشفى ليتابع إجراءات العملية بنفسه”.
فيما أردفت مروة مراد، تصريحها لـ”العين الإخبارية”، موضحة أن سمعة العمل المجتمعي مهمة جدا: “هذا خير لخدمة المجتمع.. في النهاية يجب الحرص على كل كبيرة وصغيرة، حتى لا تتحمل المؤسسة مسؤولية خطأ ينتج عنه كارثة تسيء لسمعة المكان ككل، لأنه من الوارد أن يقع خطأ دون نية متعمّدة”.
وأكدت مروة أن أهم عوامل الشفافية تتمثل في إطلاع المتبرع على ما فعلته المؤسسة التي تبرع لصالحها بأمواله: “لابد أن يرى ما أنجزته فيما يخص الزكاة أو الصدقة من خلال تقارير معروضة عبر منصات التواصل الاجتماعي، أو حتى عن طريق النزول والتأكد بنفسه على أرض الواقع”.
بماذا يشعر المتبرع؟
في نفس السياق، كشف الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، أن المتبرع يشعر بالخذلان والضيق الشديد حال توجيه أمواله التي تبرع بها إلى أغراض غير التي سعى إلى خدمتها.
وأضاف فرويز، لـ”العين الإخبارية”: “لسنا ضد التبرع سواء صدقة أو زكاة، لكن الخوف من بعض النفوس الضعيفة التي تتسلل وتتكسب من هذه الأعمال دون وجه حق”.
وحرص استشاري الطب النفسي على عدم التعميم، مؤكدا وجود عدد من “المؤسسات المحترمة” التي حققت نجاحا على أرض الواقع بحسب رأيه: “في النهاية نحن لسنا في مجتمع ملائكي بنسبة 100%.. هناك خير وشر”.