بالتفاصيل معركة تكسير العظام داخل جماعة الإخوان
ضربة جديدة بنيران صديقة، مزَّقت أوصال «الإخوان»، ووضعت التنظيم الإرهابي على خط اللا عودة، خاصة مع استمرار الانشقاقات وفشل جولات محاولات حل الخلافات، بشأن الصراع على إرث حسن البنا.
إلا أن الضربة الجديدة، قضت على ما بقي من آمال العودة إلى «الوحدة» المزعومة، ورسمت من خلاله جبهة لندن طريقًا تصادميًا جديدًا مع الدولة المصرية وجبهة اسطنبول في الوقت نفسه، وسط سيناريوهات أغلبيتها «متشائمة» كتبت سطورها حرب تكسير العظام، التي اندلعت بين الجبهتين قبل قرابة عام.
فماذا حدث؟
بعد قليل من تنصيب محمود حسين من جبهة اسطنبول نفسه مرشدًا عامًا للجماعة (قائمًا بالأعمال لأن المرشد العام قابع في أحد السجون المصرية)، مستندًا إلى نص المادة الخامسة من لائحة الإخوان، كانت جبهة لندن حاضرة في الموعد برفض ذلك القرار، مشيرة إلى أنه والعدم سواء.
إلا أن جبهة لندن لم تكتفِ برفض قرار جبهة اسطنبول، بل اختارت طريقًا تصعيديًا للمواجهة معها، تمثل باختيار القيادي في تنظيم سيد قطب صلاح عبدالحق مرشدًا عامًا (قائمًا بالأعمال) خلفًا لإبراهيم منير، الذي توفي في الرابع من نوفمبر الماضي، بعد رفض محمد البحيري المنصب متذرعًا بظروف صحية.
كواليس الاختيار
تقول مصادر صحفية وثيقة الصلة بجبهة لندن، إن الأخيرة توافقت على اختيار صلاح عبدالحق قائماً بأعمال المرشد، بعد فشل المفاوضات التي قادها بعض قيادات تنظيم الإخوان، وتحطمها على صخرة تمسك لندن بقرارها، وعدم رغبة جبهة اسطنبول في أي حلحلة لموقفها، متذرعة بالشرعية الممثلة في نص المادة الخامسة من اللائحة.
وتنص المادة الخامسة من لائحة تنظيم الإخوان على: «حال حدوث موانع قهرية تحول دون مباشرة المرشد العام مهامه، يحل محله نائبه الأول ثم الأقدم فالأقدم من النواب، ثم الأكبر فالأكبر من أعضاء مكتب الإرشاد».
وبحسب المصادر، فإن جبهة لندن توافقت –كذلك- على اختيار محيي الدين الزايط لقيادة فرع مصر، ومحمود الإبياري أميناً عاماً للتنظيم الدولي، إلا أنها أرجأت إعلان «المرشد الجديد» ومعاونيه، حتى الانتهاء من مونديال قطر، أملًا بجذب المزيد من الاهتمام الإعلامي لقرارها، ومحاولة تسويقه بشكل جيد.
وأكدت أن اختيار عبدالحق، جاء لعلاقاته الواسعة مع دول إقليمية، كشخصية تاريخية في مواجهة محمود حسين، مشيرة إلى أن جبهة لندن توافقت على اختيار نائبين للقائم بأعمال «مرشد الإخوان»: محيي الدين الزايط، ومحمد الدسوقي مسؤول التربية بالجماعة.
في المقابل، أكدت مصادر قريبة الصلة من جبهة اسطنبول في تصريحات لـ«السياق»، أن محمود حسين لا يولي ما يحدث في جبهة لندن أي اهتمام، مشيرًا إلى أنه ماضٍ في مساره كمرشد شرعي بنص اللائحة، بينما يقف شباب الجماعة على الحياد، لضمان استمرار الحصول على الدعم المادي.
وصية منير
طريقة اختيار صلاح عبدالحق مرشدًا عامًا (قائمًا بالأعمال)، تحدث عنها الباحث في شؤون الجماعات الأصولية والإرهابية أحمد سلطان، في تصريحات لـ«السياق»، قائلًا إنها كانت «وصية» مكتوبة من إبراهيم منير قبل وفاته، طالب فيها باختيار خليفة له من بين ثلاثة: صلاح عبدالحق ومحمد البحيري، الذي اعتذر لظروفه الصحية، ومحيي الدين الزايط الذي لم يحظ بتوافق.
وأوضح الباحث في شؤون الجماعات «الإرهابية»، أنه جرى التوافق على صلاح عبدالحق، إلا أن أعضاء الهيئة الإدارية العليا في جبهة لندن فرضوا حالة من الكتمان على هذه المعلومة، حتى يخرج صلاح عبدالحق من مقر إقامته (في إحدى دول المنطقة) لتجهيز إقامة له.
ويرى سلطان، أن قرار جبهة لندن، لتعزيز موقفها مقابل جبهة اسطنبول، التي تعد نفسها الجبهة الشرعية، وأن منها القائم بأعمال المرشد بنص اللائحة، مشيرًا إلى أن تولي صلاح عبدالحق منصب القائم بأعمال المرشد، استمرار لمسلسل الانشقاقات والخلافات داخل الجماعة، ما يزيد إضعافها.
وبينما قال إن جبهة لندن ماضية في مسارها، من دون اتحاد ولا تعاون مع جبهة اسطنبول، توقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من حرب «تكسير العظام» بين الجبهتين، ما ينعكس على تنظيم الإخوان في الداخل المصري، لأن هناك صراعًا على من يحظى بقبول ودعم قيادات الداخل، وهو ما نجح فيه محمود حسين إلى حد كبير.
اتجاه راديكالي
إلى ذلك، قال الكاتب والباحث في الحركات الإسلامية، أحد أعضاء التنظيم سابقًا سامح عيد، في تصريحات لـ«السياق»، إن قرار تعيين الدكتور صلاح عبدالحق قائمًا بأعمال مرشد الإخوان، وتولية محيي الدين الزايط قيادة فرع الإخوان في مصر، اتجاه راديكالي من التنظيم، لإعادة وجوده داخل مصر التي تعد «البيئة الأهم» للتنظيم.
وأوضح الباحث في الحركات الإسلامية، أن الشخصيتين عبدالحق والزايط، يعدان من تنظيم سيد قطب، كشخصيات غير مرنة، ما يعني أن هناك اتجاهًا في جبهة لندن نحو التشدد، مشيرًا إلى أن ذلك التوجه ليس جيدًا بشكل أو بآخر، وسيؤدي إلى تغييرات في المشهد وتفكك في الجبهة، خاصة أن شبابها غير متفق عليها.
أزمة بدائل
نقطة أخرى أشار إليها الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية محمود علي، خلال تحليله لقرار جبهة لندن، مؤكدًا أن الأخيرة تواجه أزمة تتعلق بإيجاد بدائل تاريخية، خاصة بعد رحيل إبراهيم منير، الذي دفع جبهة محمود حسين لتنصيبه قائمًا بأعمال المرشد، ما اضطر جبهة لندن إلى البحث عن شخصية تاريخية، لتكون على قدم المساواة مع حسين.
تصعيد ضد السلطة المصرية
وأوضح الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، أنه حال لجوء جبهة منير، إلى تنصيب شخص أقل في التجربة التاريخية من محمود حسين، فإن ذلك يضعف موقف جبهة منير أمام قواعد الجماعة، مؤكدًا أن هناك ثلاث نسخ من التنظيم، ما يجعل الحديث عن إعادة الهيكلة أمرًا فات أوانه.
وأشار إلى أن إبراهيم منير حاول –قبل رحيله- التواصل مع السلطة في مصر، للتفاهم على ملف المعتقلين، إلا أن طلبه ووجه بالرفض، ما يؤكد أن خطوة جبهة لندن بتصعيد صلاح عبدالحق، تصعيد ضد السلطة المصرية، ونسف لمحاولات إبراهيم منير السابقة معها.