توب ستوريمقالات وتنوير

المفكر العربي علي محمد الشرفاء يكتب: الإيمان بالآيات طريق النجاة قبل الإسلام الشكلي

حين يقول الله تعالى ﴿يَا عِبَادِيَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ فإن هذا الخطاب الإلهي لا يأتي عرضا ولا يحمل ترتيبا لغويا عابرا, بل يؤسس ميزانا قرآنيا حاسما في فهم الدين ومعيار النجاة, حيث قدم الإيمان بالآيات على وصف الإسلام, في اعلان صريح بأن الإيمان هو الأصل وأن الإسلام ثمرة له, وليس العكس, وأن التصديق بآيات الله هو المدخل الحقيقي للأمان, ورفع الخوف والحزن عن الإنسان يوم يلقى ربه.

فالإيمان في القرآن لم يرتبط يوما بالانتساب ولا بالشعارات ولا بالمرويات المتراكمة, وإنما ارتبط بالآيات المنزلة التي جعلها الله نورا وهدى وحجة على الناس جميعا، فقال سبحانه ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ فجعل اليقين شرط الإيمان ونفى عنه الريب والظن، وقال أيضا ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ فربط الكفر بالآيات لا بترك اتباع الروايات أو مخالفة التراث.

ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ فالنور الذي أنزل معه هو القرآن وحده، ولم يسم الله شيئا غيره نورا، ولا هدى ولا شفاء للناس، ومن هنا يتبين ان الاتباع الحق هو اتباع ما أنزل الله، لا ما روى ولا ما دون بعد قرون.

أما الإسلام في القرآن فهو الاستسلام الواعي لله ،بعد الإيمان به وبآياته وليس حالة شكلية، ولا طقسا اجتماعيا ولا هوية موروثة، وقد فصل الله هذا الفرق بوضوح حين قال ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ فميز بين إسلام اللسان والجوارح وإيمان القلب والعقل، وهذا ينسف الاعتقاد السائد بأن مجرد الانتساب يكفي للنجاة، ويكشف أن الإسلام الذي لا يقوم على إيمان بالآيات يظل شكلا بلا جوهر ، وحركة بلا روح

ومن هنا يبرز السؤال الجوهري من هم المسلمون؟!!

لقد وضع الله سبحانه في القران الكريم صفات المسلمين في قوله تعالى ﴿يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ فاليوم يقف الناس عند مفترق طريق إما ان يكونوا مسلمين بالإيمان بآيات الله أو يعرضوا عنها, فيكونوا من الكافرين , وقد ترك الله للإنسان حرية الاختيار كاملة دون إكراه أو تهديد، ليحمل كل إنسان مسؤولية قراره.

ويؤكد القرآن هذا المعنى بقوله تعالى ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ فكان سبب دخول النار هو الكفر بالآيات القرانية لا غيرها.

ومن هنا يجب التحذير من الخدعة الكبرى التي روج لها بعض الفقهاء والمفتين، حين أوهموا الناس أن الدخول في الإسلام يتحقق بمجرد النطق بالشهادتين دون الإيمان الحقيقي بالآيات ، ودون تدبر مقاصد القرآن ، وتشريعاته الإلهية التي تجاوزت خمسمئة آية ترسم للإنسان منهج العبادة والسلوك والعدل والرحمة، والإحسان وتحريم الظلم والعدوان واحترام حقوق الإنسان، ونشر السلام والتعاون على البر والتقوى

اغن الدخول في دين الإسلام مشروط بالإيمان بالآيات وتطبيق شرعة الله ومنهاجه، وهو طريق مجاهدة دائمة للنفس، في مواجهة الشيطان وتحصين القلب بالعقل القراني، والتحكم في الغرائز والسلوكيات، ولو تحقق للناس هذا الفهم، لما قامت الحروب الدامية ، ولا النزاعات الطائفية ولا سفكت الدماء، ولا انتهكت الحقوق، ولكن الروايات التي نسبت ظلما للرسول، أخرجت الناس عن كتاب الله ، وفتحت الباب أمام المنهج الشيطاني، الذي توعد به إبليس حين قال ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ وقال ﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾

وهكذا استمر التضليل فخسر كثيرون، وهم يظنون انهم مهتدون ، وحذر الله الناس مرارا بأن الشيطان عدو مبين ، فلم يستجيبوا حتى إذا سيقوا إلى الجحيم نادوا ربهم نادمين ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ فيأتيهم الرد الإلهي العادل ﴿فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ﴾

لقد خسر الذين أعرضوا عن آيات ربهم الدنيا والآخرة ،ولن يبقى للناس يوم الفصل إلا كتاب الله مشعا بالنور، يهدي من آمن به ،ويترك من اختار العمى في ظلمات نفسه، فمن أراد النور فكتاب الله بين يديه ، ومن اختار الظلام فسيلقى الله وحيدا، وحسابه يومئذ عسير.

اللهم اني بلغت اللهم فاشهد إنك أنت السميع العليم

Related Articles

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button