إن رسالة الإسلام التي بعث بها الله سبحانه وتعالى رسوله محمدًا- صلى الله عليه وسلم- يحملها في كتابٍ كريمٍ، ليهدي الناس كافةً، سبيل الخير والصلاح، وليُخرجهم من الظلمات إلى النور، فيحررهم من استعباد البشر للبشر، واستعباد الأصنام لعقول الناس والارتقاء بعقولهم نحو العلم والمعرفة ليسبحوا بفكرهم في ملكوت الله ليسخّروا ما يصلون اليه من استنتاجات تحقق لهم مراد الله من آياته، لتوظيفها لمنفعة الإنسان وتسخيرها لما يحقق لهم عيشًا كريمًا في أمن واستقرار وسلام على أساس الرحمة والعدل.
وهكذا جاء الخطاب الإلهي ليُحرر الفكر من الإستسلام للأمم السابقة، بإطلاق حرية العقيدة، وحرية التفكير، لتوظيفه في البحث والاستنتاج والإبداع واستنباط العلوم في شتى مناحي الحياة من خلال التوجيهات الربانية في كتابه الكريم.
حينما ذكر الله في كتابه الذين اتخذوا من سبقهم حُجة للالتزام بما تمّ نقله عن السابقين بقوله تعالى: «بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ» (الزخرف: 22)
والله سبحانه يريد ألا تكون اجتهادات السابقين قيدًا على عقولهم، ومانعًا لهم من التدبّر في آيات الله، ومعرفة مقاصدها لخير الإنسانية، لتصحيح فهم رسالة الإسلام مما شابها من غبار التراث وتشويه غاياتها لهداية الإنسان، وترشده لسبل الخير والسلام.
رسالة الإسلام .. خارطة طريق للإنسانية
ولتحقيق تلك الغاية النبيلة، وضع الله سبحانه في خطابه الإلهي- القرآن الكريم- القواعد التي تحدّد خارطة الطريق للإنسان في حياته الدنيا، وتعينه على أداء واجبات العبادة دون تناقض بين متطلبات الحياة الدنيا والتكليف الإلهي، بعبادة الواحد الأحد وأداء التكاليف الدينية من صلاة وصيام وزكاة وحج.
تأكيدًا لقوله سبحانه وتعالى: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَاۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» (القصص: 77).
إن المولى- عز وجل- جعل الناس شعوبًا مختلفة وقبائل متعددةً، لا ميزة لإحداها على الأخرى، حيث يتطلب هذا التعدّد والاختلاف في الأعراف البشرية، التعارف بينهم وتعلّم لغة كلٍّ منهم، ليتعاونوا فيما يُحقّق لهم الخير والأمان والتقارب، من خلال التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والصناعي والزيارات السياحية والاستطلاعية، للتعرّف على ثقافات الشعوب وتبادل العلوم والمعرفة الإنسانية لجميع خلقه ليحقق لهم التعاون على البر والتقوى. وهو وحده سبحانه من يحكم على أعمالهم ويُميّز من يعمل صالحًا أو طالحًا، فلا ميزة لأي إنسان على آخر، إلا بما يقدّمه من عملٍ صالحٍ لنفسه ولمجتمعه، والتزم بما جاءت به آيات القرآن الكريم من تعاليم وتشريعات وأخلاقيات وعِبَر وعظات.
ويحدد سبحانه القاعدة الإلهية التي سيُحاسب عليها الناس في قوله تعالى: «يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)» (الزلزلة).
فالحكم يوم القيامة لله وحده، حيث يقول سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» (الحج: 17).
فلا حصانة لأحدٍ عند الله يوم الحساب إلا من آمن بالله والتزم بتكاليف العبادات والمعاملات، والعمل الصالح واتّبع ما أنزله الله على رسوله في كتابٍ مبين.
المصدر:
«ومضات على الطريق (الجزء الثاني) – مُقترحات لتصويب الخطاب الإسلامي»، والصادر عن مؤسسة رسالة السلام للتنوير والأبحاث، للباحث والمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي.