يُعدّ العقل آلة الإدراك التي يتميَّز بها البشر عن باقي المخلوقات، ومع ذلك تبقى قدرة العقل محدودة، ففي بعض الأحيان يُدرك العقل ظواهر الأشياء دون الوصول إلى أعماقها، ومن يقرأ القرآن الكريم بتدبّر مُحاولاً فهم معانيه، يجد العديد من الآيات الداعية إلى التعقّل والتفكّر، وقد كان ورود العقل في القرآن الكريم بصيغة الفعل، ولم يَرد في صيغته الاسمية مطلقاً، كما إنَّه اقتصر في وروده على المدح والتبجيل، وقد اشتمل النّص القرآني على جميع معاني التفكير الإنساني، ودعا إلى إعمال العقل ونبذ التقليد والجمود، فمن يغفل نعمة العقل فإنَّه ينزل إلى مرتبة أدنى من مرتبة الحيوان، قال تعالى: (وَلَقَد ذَرَأنا لِجَهَنَّمَ كَثيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُم قُلوبٌ لا يَفقَهونَ بِها وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرونَ بِها وَلَهُم آذانٌ لا يَسمَعونَ بِها أُولـئِكَ كَالأَنعامِ بَل هُم أَضَلُّ أُولـئِكَ هُمُ الغافِلونَ)،وقد أثنى الله -سبحانه- على أصحاب العقول، فالعقل أساس التكليف. والعقل فيه من الإبداع والذكاء ما يفوق الوصف، ومتى ما أحسن الإنسان في إعمال عقله تمكَّن من الاختراع والإبداع، وتكمن مسؤولية الإنسان في إحسان تحريك عقله في العمل على نفع الناس، وجلب الخير لهم، ولا يكون ذلك إلا عند إدراك قيمة العقل، وقد حرَّم الإسلام جميع ما من شأنه أن يؤدي إلى تغييب العقل، فقد كانت علّة تحريم الخمر هي تغييب العقل، وقد بيَّن القرآن الكريم أنَّ الخمر من الوسائل التي يتّخذها الشّيطان لإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)،وينطبق هذا التحريم على المخدّرات وسائر ما يُذهب العقل.
وردت كلمة العقل في اللغة العربية بعدّة معانٍ؛ منها الحبس، فهو يحبس العاقل عن ذميم القول والفعل، وقد يأتي بمعنى نقيض الجهل، فبالعقل يصل الإنسان إلى معرفة ما كان يجهله، وقال تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) وتعقلون في الآية الكريمة تأتي بمعنى أفلا تفهمون وتدركون قُبح ما تأتون به من المعصية التي تأمرون النّاس بتركها مع علمكم أنَّ طاعة الله -تعالى- حق عليكم؟
ويسمَّى الرجل عقولا إذا كان حسن الفهم، ويأتي العقل بمعنى النهي، وبذلك فإنَّ مجمل معاني العقل تُشير إلى أنَّه أداةٌ للعلم والمعرفة والتمييز بين الأشياء، وعرَّف بعض العلماء العقل بأنَّه الروح انطلاقاً من أنَّ العقل لا يُدرك من غير روح، والبعض يجعله القلب؛ لأنَّ محل العقل القلب، وبعضهم يقول أنَّ العقل هو الإنسان؛ لأنَّ العقل هو ما يتميّز به الإنسان عن غيره. ويتفاوت النّاس في عقولهم من شخص إلى آخر، ويعود السبب في هذا التفاوت إلى أصل خلقتهم لا إلى ما يحصل عليه الإنسان في الجانب الكسبي، فلو تعرَّض النّاس إلى نفس المستوى التعليمي، سيبقى البعض أكثر حكمةً وعقلانيةً من البعض الآخر