العقاد يكتب” عبقرية محمد” دفاعا عن النبي ضد المتطاولين عليه في ذكري ميلاده
يقول المفكر الكبير عباس العقاد، كنت أقيم فى ضاحية العباسية البحرية على مقربة من الساحة التى كانت معدة للاحتفال بالمولد النبوى فى كل عام، ولنا رهط من الأصدقاء المشتغلين بالآدب يشتركون فى قراءة كتبه العربية والإفرنجية، ويترددون معًا على الأحياء الوطنية، وقلما يترددون على غيرها، فلا يزالون متنقلين فترة بعد فترة بين الحى الحسينى والحى الزينبى، أو بين منشية القلعة، وضاحية العباسية، أو بين الروضة والخليج على حسب المناسبات، وعلى غير مناسبة فى كثير من الأوقات.
ويكمل العقاد : وكان رهطًا له نقائض الدنيا مجتمعات : نقائض الشباب، ونقائض الحياة الفنية، ونقائض الاختلاف فى البيئة بين ناشئ فى العاصمة وناشئ فى الريف وناشئ فى الصعيد، وناشئ فى الثغور، إلى غير ذلك من النقائض التى كانت حلية لهذه الجماعة، ولم تكن فيها دواعى التفرق والشتات.
وأضاف العقاد، ففى يوم من أيام المولد والرهط يزورنى لنؤم الساحة مجتمعين فى المساء، مان الكاتب الإنجليزى توماس كارليل هو محور الحديث كله، لأنه كما يعلم الكثيرون بين قراء العربية صاحب كتاب الأبطال الذى عقد فيه فصلاً عن النبى محمد صلى الله عليه وسلم، وجعله نموذج البطولة النبوية بين أبطال العالم الذين اختارهم للوصف والتدليل.
وتابع، وأنا لنتذكر آراءه ومواضيع ثنائه على النبى صلى الله عليه وسلم إذ بدرت من أحد الحاضرين الغرباء عن الرهط كلمة نابية غصبنا لها واستنكرناها لما فيها من سوء الأدب وسوء الذوق وسوء الطوية، وكان الفتى الذى بدرت منه الكلمة متحذلقًا يتظاهر بالمعرفة، ويحسب أن التطاول على الأنبياء من لوازم الاطلاع على الفلسفة والعلوم الحديثة، فكان مما قاله شئ عن النبى صلى الله عليه وسلم والزواج، وشئ عن البطولة، فحواه : أن بطولة محمد إنما هى بطوله سيف ودماء!.
وجاء رد المفكر الكبير عباس العقاد على ذلك المتحذلق : “ويحك.. ما سوغ أحد السيف كما سوغته أنت بهذه القولة النابية!”، ويكمل العقاد الحكاية قائلا : وقال صديقنا المازنى : “بل السيف أكرم من هذا، وإنما سوغ صاحبنا شيئًا آخر يستحقه.. وأشار إلى قدمه!”.
ويشير العقاد إلى أن لهجة النقاش ارتفعت هنيهة ثم هدأت بخروج الفتى صاحب الكلمة من الندى، واعتذاره قبل خروجه بتفسير كلامه على معنى مقبول، أو خيل إليه أنه مقبول، وتساءلنا ما بالنا نقنع بتمجيد كارليل النبر، وهو كاتب غربى لا يفهمه كما نفهمه، ولا يعرف الإسلام كما نعرفه، ثم سألنى بعض الأصدقاء : “ما بالك أنت يا فلان لا تضع لقراء العربية كتابًا عن محمد على النمط الحديث؟، قلت :”أفعل وأرجو أن يتم ذلك فى وقت قريب”.
وأوضح العقاد، أن ذلك لم يتم فى وقت قريب، بل تم بعد ثلاثين سنة! وشاءت المصادفة أن تتم فصوله فى مثل الأيام التى سمعت فيها الاقتراح لأول مرة، فكتبت السطر الأخير فيه يوم مولد النبى صلى الله عليه وسلم، على حسب الشهور الهجرية.