
صدر اليوم العدد الثالث والتسعون من مجلة «كل خميس»، حاملاً في طياته محورًا فكريًا عميقًا يتمثل في مقال المفكر العربي الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي بعنوان «الرجوع إلى الله: عقد اجتماعي للرحمة والعدل»، الذي يقدّم فيه رؤية جديدة تعيد الإيمان إلى جوهره العملي، وتدعو إلى تجسيد القيم القرآنية في سلوك الإنسان اليومي بما يحقق العدالة والتكافل واحترام الحرية والكرامة الإنسانية.
يؤكد الشرفاء في مقاله أن بناء المجتمعات لا يتم بالشعارات والمظاهر، وإنما بإحياء ضميرٍ اجتماعي يجعل من الرحمة والعدل أساسًا للحياة المشتركة، داعيًا إلى العودة إلى جوهر الرسالة الإلهية بوصفها مشروعًا إنسانيًا لإقامة ميزان الحق بين الناس.
وجاء العدد الجديد في سياقٍ فكري حواري يجمع بين الفكر والتطبيق، وتضمّن مقالات ومداخلات فكرية تتناول قضايا حرية الاعتقاد والعدالة الاجتماعية ومسؤولية الإنسان عن أفعاله، وكيف يمكن تحويل مفهوم “الرجوع إلى الله” من حالة وعظية إلى مشروع إصلاحي متكامل يربط بين الدين والقانون والسياسات العامة، بحيث يصبح التدين قوة دافعة للإنصاف والبناء، لا مجرد موسمٍ للعاطفة الدينية.
وتتوقف المجلة في إحدى قراءاتها عند العلاقة بين النص القرآني وتاريخ التفاسير، موضحة أن الهداية الإلهية واضحة في مقاصدها الكبرى، وأن العدل والرحمة والحرية هي الثوابت القرآنية التي لا يجوز احتكار تفسيرها أو مصادرتها. كما يبرز العدد مفهوم حرية الاعتقاد كحق إنساني ودستوري لا يقبل الانتقاص، مؤكدًا أن حماية السلم العام لا تعني تقييد الفكر أو مصادرة الضمير، وأن الإيمان الحقيقي لا يُفرض بالقوة بل يُختار عن وعيٍ وحرية.
ويمتد الخط الفكري للعدد ليعالج قضية العدالة الاجتماعية بوصفها «حقًّا معلومًا» في ثروة الأمة، داعيًا إلى سياسات اقتصادية عادلة ومنصات شفافة لإدارة الزكاة والصدقات، وشراكات فاعلة بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص لمحاربة الفقر وتمكين الفئات المهمشة. ويشدد على أن الإصلاح الحقيقي لا يتحقق إلا بتحويل الإحسان الفردي إلى نظامٍ مؤسسي مستدام يرسخ قيم العدل والمساواة.
ويطرح العدد في ختامه تساؤلاً إنسانيًا عميقًا حول معيار الحساب الإلهي: هل يكون على الاعتقاد وحده أم على أثر الفعل في حياة الناس؟ ليؤكد أن جوهر الدين في العمل الصالح وتأثيره الإيجابي في المجتمع، وأن الله يحاسب الإنسان على ما يصنعه من عدلٍ أو ظلم، لا على ما يردده من اعتقادٍ دون أثرٍ في الواقع.
يُذكر أن مجلة كل خميس يرأس تحريرها الكاتب الصحفي الأستاذ محمد الشنتناوي، وقد أرفقت المجلة في هذا العدد الملف الكامل لمقال المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي ومجموعة من القراءات التحليلية المصاحبة التي تعمق النقاش حول رؤيته للإصلاح الديني والمجتمعي.



